أقام مركز الدراسات الآسيوية والصينية في العاصمة اللبنانية بيروت مؤتمراً افتراضياً بعنوان: “هل تهتم الدول الغربية بحقوق الإنسان في شينغيانغ؟ ما هي خلفيات الحملة الغربية ضد الصين؟”، وذلك يوم السبت الموافق ٥ حزيران / يونيو ٢٠٢١.
وناقش المتحدثون واقع إقليم شينجيانغ والسكان المسلمين فيه وأهداف الحملة الغربية وبخاصة الأميركية ضد الصين والمزاعم بشأن إبادة المسلمين في الإقليم.
ترأست المؤتمر وأدارت جلساته د. نادية حلمي وهي أستاذ مساعد العلوم السياسية في كلية السياسة والإقتصاد – جامعة بنى سويف، مصر وخبيرة في الشؤون السياسية الصينية والآسيوية ومحاضرة وباحثة زائرة في مركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند في السويد ومديرة وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا، وعضو ملتقى الخبراء والباحثين العرب في الشؤون الصينية.
افتتحت المؤتمر الإعلامية الأردنية الفلسطينية فاتن سليمان بكلمة رحبت بالمتحدثين والمشاركين.
العميد إلياس فرحات
بداية تحدث العميد المتقاعد في الجيش اللبناني إلياس فرحات، وهو باحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، وقال فرحات إن الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تميزت بهجوم شديد على الصين والتحذير من صعود الاقتصاد الصيني ومن التقدم التكنولوجي للصين والتخوف من ان تصبح الصين في غضون سنوات قليلة أول اقتصاد في العالم. وأضاف: كانت الدولة العميقة في الولايات المتحدة (المخابرات، الخارجية، الدفاع، القطاع الصناعي، المصارف، الاعلام) تؤيد تماماً موقف الرئيس ترامب الذي لم يتأخر واتخذ اجراءات حرب تجارية ضد الصين وفرض رسوماً جمركية كبيرة على المنتجات الصينية، كما شن حرباً تكنولوجية ومالية ضد شركة هواوي للاتصالات وحد من انتشار منتجاتها في الولايات المتحدة وخصوصا “جي5”.
وأشار العميد فرحات إلى أنه في السبعينات من القرن الماضي زار الرئيس الأميركي نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر الصين واجتمعا الى القائد التاريخي ماو تسي تونغ في وقت كانت العلاقات الصينية السوفياتية متوترة. عقدت الولايات المتحدة شبه اتفاق استراتيجي مع الصين وبدأت هذه الأخيرة بالانفتاح الاقتصادي ولم تنخرط بالأزمات الدولية خصوصاً بعد نهاية حرب فيتنام. انصرفت الصين في الخمسين سنة الماضية الى تطوير اقتصادها ورفع المستوى المعيشي للشعب الصيني وكرست موازناتها للتنمية.
وأضاف أنه اذا كانت الولايات المتحدة تعتبر ان الخلاف مع الصين اقتصادي وتجاري، فهي لم ترد بالتجارة والتكنولوجيا، بل انتقلت الى السياسة وحركت اجهزتها السياسية والامنية والاعلامية لمهاجمة الصين وتشويه صورتها. وكان أول موضوع تتخذ الولايات المتحدة منه ذريعة هو الحريات وخصوصاً حرية الأقليات الدينية، وتحديدا الأويغور في اقليم تشينجيانغ. ابدت الولايات المتحدة حرصها على هذه الاقلية الاسلامية وابدت حرصها على احترام الدين الاسلامي في الصين. وللمفارقة وفي الوقت نفسه، لم تكترث الولايات المتحدة للابادة التي حصلت في ميانمار لمسلمي الروهينغا وحصدت مقتل الالافوتهجير مئات الالاف من منازلهم واستمرت بدعم النظام الذي ارتكب تلك المجازر. وبالامس القريب دعمت الولايات المتحدة اسرائيل اما بالتجاهل او بغض النظر عن الاجراءات الاسرائيلية ضد مقدسات المسلمين في مدينة القدس لا سيما المسجد الاقصى ولم تكترث لحملات القوات الامنية الاسرائيلية والمستوطنين لاخلاء حي الشيخ جراح من سكانه العرب واحلال مستوطنين مكانهم .
في الصين تدافع الولايات المتحدة عن مسلمين ضد جرائم مزعومة وغير موجودة، بينما تتغاضى عن جرائم واضحة ضد الاسلام والمسلمين في فلسطين وميانمار.
ناهيك عن حملات القمع التي تقوم بها الشرطة الاميركية في معظم الولايات المتحدة ضد رجال ونساء من الاقلية السوداء والتي بلغت ذروتها عندما خنق شرطي ابيض المواطن الاسود جورج فلويد حتى الموت وظهر ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي وتسبب بانتفاضة السود في جميع انحاء البلاد ضد الاجراءات العنصرية للشرطة الاميركية .
وتابع فرحات: انعكس هذا الجو على اول لقاء اميركي صيني تعقده ادارة الرئيس بايدن اذ بدأ وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن خطابه المفترض ان يكون ترحيبيا بالوفد الصيني على ارض اميركية في مدينة انكوراج في ولاية الاسكا، بالهجوم على الصين واتهمها بقمع اقلية الايغور وسكان هونغ كونغ وشن حرب سيبرانية ضد الولايات المتحدة. لكن رد مسؤول السياسة الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني يانغ جيشي كان عنيفا، رفض فيه الاتهامات الاميركية واتهم الولايات المتحدة بقمع الاقلية السوداء. تعمد وسائل اعلام اميركية واخرى عالمية تدور في فلك السياسة الاميركية الى شن حملة تشويه منظمة ضد الصين ومعاملة اقلية الايغور المسلمين. في الوقت نفسه قامت الحكومة الصينية باجراءات اقتصادية اجتماعية ادت الى خلق وظائف ذوات مدخول جيد لسكان تشينجيانغ وأسست مصانع ومنشآت اخرى وعززت الزراعات على انواعها واحرزت تقدما ملموسا في اقتصاد الاقليم . واهم انجاز كان انشاء مدارس مهنية تعلم الشباب على مهن مطلوبة في سوق العمل في الاقليم. منذ عام 2017 لم يسجل اي خلل امني في الاقليم . كما نفذت السلطات الصينية برنامج الغاء الفكر المتطرف وتعلم في هذا البرنامج القوانين والانظمة واللغة الصينية وممارسة الشعائر الدينية بطريقة معتدلة. كما جرى تدريب على الحياة في المدن وتعقيداتها المختلفة عن الحياة الريفية التي يعيشها معظم سكان الإقليم، وابعاد الشباب الصيني عن الافكار المتطرفة التي تدعو الى العنف وتنتشر بين المسلمين في جميع انحاء العالم بما فيها الولايات المتحدة الاميركية والدول الاوروبية والتي سجل فيها انتماء اعداد كبيرة الى تنظيمات القاعدة وداعش وانخرطوا في اعمال ارهابية في سوريا والعراق ومناطق عديدة في العالم. قبل عام 2017 شن الانفصاليون الايغور المتشددون دينيا نحو مائة هجوم ارهابي ضد قوات الشرطة والمواطنين، وذلك بتأثير واضح من الولايات المتحدة والدول الغربية التي حرضت المتشددين الاسلاميين على محاربة دولهم ومجتمعاتهم كما فعلوا في العراق وسوريا.
أوضح فرحات قائلاً: استقبلت السلطات الصينية العديد من الوفود الاعلامية الاجنبية وجالوا في مناطق الاقليم وسمح لهم بالتحدث على انفراد مع الشباب في الاقليم ونشروا مقالات في صحفهم اوضحوا فيها حقيقة الوضع في الاقليم المغاير لما تشيعه وسائل اعلام ترتبط باجهزة سياسية وامنية غربية واميركية . ورغم لك فرضت دول غربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا عقوبات على شخصيات وشركات صينية .
ولعل ابرز دليل على حقيقة نوايا الولايات المتحدة والغرب هو ما قاله الكولونيل لورنس ويلكونسون مدير مكتب وزير الخارجية السابق كولن باول في خطاب في مؤسسة رون بول حيث أقر بخطط الولايات المتحدة لزعزعة استقرار اقليم تشينجانغ ونقل عنه انه قال: “اذا استعملت الولايات المتحدة العشرين مليون من الايغور في شن عمليات مشابهة للعمليات التي شنها اردوغان ضد نظام الاسد في سوريا فإن ذلك يكون افضل طريقة لمساعدة الايغور في طرد الصينيين من اثنية الهان من الداخل الصيني .”
وخلص فرحات إلى أن السيناريوات التي استخدمت ضد سوريا كانت مرشحة للاستخدام ضد الصين وخلق جو من التوتر الامني وعدم الاستقرار. الامر نفسه يحصل في هونغ كونغ حيث تمول وكالة الاستخبارات المركزية ومؤسسات حكومية اخرى مجموعات للقيام باضرابات وتظاهرات والتسبب بعد استقرار هونغ كونغ. بشكل عام هناك اختلاف في رؤية العلاقات الخارجية بين الولايات المتحدة والصين. تتبع الولايات المتحدة اسلوب الهيمنة السياسية والاقتصادية والانتشار العسكري لحماية مصالحها من دون ان تتطلع الى مصالح الدول الاخرى فيما تقوم علاقات الصين مع الدول الخارجية على قاعدة رابح رابح. كل الاعمال التجارية والمشاريع الصناعية التي تنفذها الصين تهدف الى ربح مشترك بينها وبين الدول الاجنبية . الصين تعرضت في تاريخها للاحتلال المغولي كما تعرضت في التاريخ المعاصر لاحتلال ياباني وبريطاني واميركي وفرنسي. لكن سجل ان الصين وهي قوة كبيرة لم تحتل بلداً آخر وتستعمره كما فعلت الدول الأوروبية والولايات المتحدة.