صحافة العدو – ترجمة غسان محمد
قال المحللان، أبراهام سيلع، وأورن براك، إن زعماء إسرائيل، السياسيين والأمنيين، قالوا على ما يبدو كل شيء عما يمكن أن يحدث في حال فشل المحادثات النووية التي تجري بين إيران والدول العظمى في فيينا. إذ أعلن رئيس “الموساد” دافيد برنياع، أنه لن يكون لإيران سلاح نووي في أي يوم. ولو اقتصر تعهده هذا فقط على فترة ولايته لكان هذا جيدا، لكن تصريحه الكاسح يدل على فقدان الإحساس بالمسؤولية. ومثله أيضا رئيس الأركان، أفيف كوخافي، الذي قال إن الحسم لا يتحقق إلا بالوسائل الهجومية، وأن الجيش يدعم الهجوم ضد ايران.
وتابع المحللان، أن التصريحات المتغطرسة، التي تفوه بها قادة إسرائيل، بدءا من رئيس “الموساد” ورئيس الأركان، مرورا برئيس الحكومة، نفتالي بينيت، وانتهاءا بوزير الحرب، بيني غانتس، هي مجرد وعود، وتدل على فقدان السيطرة على إحدى الأدوات الأكثر أهمية في إدارة سليمة للعلاقات الخارجية إزاء التهديدات، بمعنى أنه لا يجوز التهديد بعملية عسكرية يُعدّ خروجها إلى حيز التنفيذ، متدنيا جدا، لأسباب كثيرة ومهمة. وبدون الانشغال بمسألة ما إذا كانت إيران تنوي فعلا تطوير قدرة عسكرية نووية أو الوصول إلى حافة نووية، فإن سياستها في هذه المسألة ضبابية مثلها دول أخرى، بينها إسرائيل. لذلك، من الجائز الاعتقاد أن الانشغال الحالي لزعماء إسرائيل، على المستوى السياسي والأمني، بالخيار العسكري حصرا ضد المنشآت النووية الإيرانية، يشوبه العمى، لعدة أسباب:
أولا: لو كان الهجوم على المنشآت الإيرانية ممكنا من الناحية التقنية، فإن نجاحه في منع إيران من تطوير سلاح نووي سيكون مؤقتا على أكثر تقدير. أي أن إسرائيل ستقف مرة أخرى خلال سنة أو سنتين أمام مشكلة مشابهة، وسيتم طرح سؤال حول كيفية العمل مرة أخرى. ويمكن الافتراض أيضا، أن إيران لن تجلس مكتوفة الأيدي بعد الهجوم، ويمكنها تحسين الدفاع عن منشآتها، إضافة إلى القيام بعملية انتقام مؤلمة في إسرائيل.
ثانيا: على المدى القصير، من المتوقع أن يؤدي أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية إلى وابل من القذائف والصواريخ، من لبنان، ومن قطاع غزة ضد الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير المستعدة لهذا السيناريو. وكما قال خبراء اسرائيليون، قد يؤدي هذا الهجوم إلى خسائر في الأرواح وتدمير البنى التحتية الحيوية بصورة غير مسبوقة.
ثالثا: لا يجب المقارنة بين نجاح إسرائيل في تدمير المفاعلات النووية في العراق عام 1981، وفي سورية عام 2007، وبين القدرة على المس بصورة كبيرة بالمنشآت النووية الإيرانية. فحين تم قصف المفاعل النووي العراقي، كان العراق يخوض حربا دموية مع إيران التي لم تكن نهايتها تلوح في الأفق. وحين تم قصف المفاعل في سوري، كانت هذه الدولة تُعذُّ عدوة من قبل إدارة الرئيس بوش الابن، كما شكّل الوجود العسكري للولايات المتحدة في العراق في حينه، تهديدا كبيرا على سورية، وهذا ما قلص بشكل كبير، خطر رد انتقامي من جانب سورية ضد إسرائيل.
رابعا: خلافاً للعراق وسورية، فإن إيران أمة ذات ماض إمبريالي، ووعي متطور لقومية فخورة، أضافت إليها ثورة الخميني عام 1979، الاستقرار والحيوية رغم موجات الانتقاد والاحتجاج الشعبية. لذا، فإن قدراتها في تطوير قدرة تكنولوجية مستقلة ومثيرة للانطباع، واضحة جدا، بما في ذلك في المجال النووي، وإضافة لبناء قوة عسكرية حديثة، يدعمها لاعبون خارجيون، مثل، المليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وجميعهم مسلحون ومستعدون للعمل ضد كل هدف داخل إسرائيل إذا تمت مهاجمة حليفتهم.
خامسا: أيضا، خلافا لسورية والعراق، تمتد إيران على مساحة كبيرة جدا تبلغ 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي ضعف مساحة تركيا وأربعة أضعاف مساحة ألمانيا. وعدد سكانها أكثر من 85 مليون نسمة. بالتالي تمنحها المساحة الكبيرة قدرة احتمال أكبر بكثير من إسرائيل التي تصغرها بكثير، بل ومحاطة أيضاً بمنظمات غير حكومية مسلحة، جزء منها حليف لإيران، وجزء ينفذ رغباتها، وقد تم تسليحهم جميعا، استعدادا لهجوم إسرائيلي مُحتمل على إيران.
وعلاوة على ما تقدم، يمكن إضافة عامل آخر، هو الدروس التي استخلصتها إيران من عمليات إسرائيل ضد المشروع النووي في العراق وسورية، ومن سلوك إسرائيل نفسها في القضية النووية. فمن جهة، يسهم توزيع المنشآت النووية في عدد من المواقع البعيدة عن بعضها، وإدخالها عميقا في الأرض، وبناء دفاع مضاد للطائرات حولها، في تقليص أي ضرر سيلحق بها في حالة قصفها من قبل إسرائيل، أو حتى الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، فإن الهدف من اتباع سياسة ضبابية في المسألة النووية، هو صد الضغط الخارجي والداخلي.
وإذا لم يكن كل ذلك كافيا، فإن دعم المجتمع الدولي لعملية عسكرية ضد إيران، من قبل الولايات المتحدة، أو إسرائيل وحدها، إذا ما فشلت المحادثات النووية، أمر مشكوك فيه، خصوصاً عندما يدور الحديث عن عملية إسرائيلية. فالتصريحات التي صدرت عن شخصيات رفيعة في الإدارة الأمريكية في الأشهر الأخيرة تبث التزاما ضبابيا بأسلوب العمل المريكي، وعدم التحمس لذلك، حتى في حالة عدم التوصل إلى اتفاق في الموضوع النووي. ويضبح الشك أكبر عندما يدور الحديث عن الاتحاد الأوروبي، هذا من دون الحديث عن معارضة روسيا والصين بصورة مطلقة لأي عملية عسكرية.
يضاف إلى ذلك، أن القيود الاستراتيجية إزاء عملية عسكرية إسرائيلية منفردة ضد المنشآت النووية الإيرانية من جهة، وإدراك كثيرين في جهاز الأمن الإسرائيلي بأن إيران لا تشكل تهديدا وجوديا على إسرائيل من جهة أخرى، تضع علامات استفهام كثيرة على استمرار التمسك بالسياسة الاسرائيلية التي تعارض تطوير قدرات نووية في دول أخرى في المنطقة، لأن المشروع النووي الإيراني يضع أمام إسرائيل تحديات مختلفة كليا عن تلك التي وضعها العراق وسورية.
صحيح أن لإسرائيل مصلحة استراتيجية في ألا يكون لدى إيران سلاح نووي في المستقبل المنظور، ويجب على قادة اسرائيل القيام بكل نشاط سياسي ودبلوماسي لمنع، أو على الأقل تأخير تطوير هذا الخيار. لكن مع كل خطورة تهديد إيران، فهو ليس تهديدا وجوديا، ويجب التعامل معه بضبط النفس ومن خلال إبداء واقعية سياسية. علما انسياسة القوة التي تبنتها حكومات إسرائيل تجاه التهديد النووي الإيراني، خاصة في عهد بنيامين نتنياهو، ومن جاءوا بعده، كانت غير مجدية، وزادت من تمترس زعماء ايران في مواقفهم والاستعداد، دفاعيا وهجوميا على حد سواء، لتهديدات إسرائيل العلنية بقصف المنشآت النووية الإيرانية.
ويمكن القول إن القدرة النووية المنسوبة لإسرائيل، تُلزم قادتها باتباع أسلوب حذر عندما يريدون منع دول أخرى في العالم من تطوير قدرة مشابهة. وفي المحصلة، فقد حان الوقت لاستيعاب الدرس، غير المريح ولكن المطلوب، بأنه إذا أرادت إيران تطوير قدرة نووية عسكرية، فعندها ليس هناك قوة في العالم يمكن ان تمنعها من ذلك. كما يمكن الافتراض بأن ما تمكنت دول أخرى من القيام به، مثل الهند وباكستان، ستتمكن إيران من القيام به، في ضوء قدراتها العلمية والاقتصادية، وربما بفضل تصميم نظامها على ردع كل من يأملون انهيارها. وما يخصنا نحن الإسرائيليين، فإن العبرة يجب ان توضح لنا أن الحوار الذي يرتكز على العصا دون الجزرة قد يؤدي إلى نتيجة معاكسة في نهاية المطاف.
08:55 AM