مستعيدًا جدلية “نزع السلاح”، ولو من دون “قوة”، رفع رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط سقف “المواجهة” مع “حزب الله”، بعد فترات طويلة، ولو متقطّعة، من “الهدنة” التي كادت تصبح “تحالفًا غير مُعلَن” بين الجانبين، حيث صوّب عليه بشدّة في حديث “انتخابي” له مع الاغتراب، اتهمه خلاله بأنّه “لا يؤمن بالحوار”.
ثمّة من وضع كلام جنبلاط هذا في إطار “الشعبوية الانتخابية”، إن جاز التعبير، فهو يخوض “المعركة” في مواجهة “حزب الله”، وهو ما يتطلب منه رفعًا لسقف الخطاب، بما يدغدغ المشاعر ويرضي الجماهير، وثمّة من رأى فيه تحضيرًا لـ”مواجهة” من نوع آخر ستتلو الانتخابات، بدفعٍ إقليميّ ودوليّ، ولا سيّما أنّ “البيك” معروف تاريخيًا بقدرته على “الاستشراف”.
فما الذي أراده جنبلاط فعليًا من “تصويبه” على “حزب الله” في هذا التوقيت “الانتخابيّ” الحسّاس؟ أيّ رسائل أراد إيصالها للداخل، وربما الخارج قبله؟. وكيف يقرأ خصوم “البيك”، ولا سيما من المحسوبين على “حزب الله” أو المقرّبين منه، هجومه المستجدّ؟ وما “الرابط” بينه وبين “معركة الجبل” التي يقولون إنّها “تُقلِق” جنبلاط أكثر من أيّ وقت مضى؟
بالنسبة إلى المحسوبين على “الحزب التقدمي الاشتراكي”، فإنّ المُستغرَب ليس كلام جنبلاط حول “حزب الله” وغيره، بقدر ما هو “الضجّة” التي أثيرت حوله، وكأنّ “البيك” انقلب على نفسه، على أبواب الانتخابات، فهاجم حليفًا له، لكسب “ودّ” هذه الجهة أو تلك، أو ربما في محاولة لتحصيل المزيد من الأصوات و”تعبئة” الجمهور، وهو ما يدرك القاصي والداني أنّه لا يمثّل نهج “البيك”، ولا يعبّر عنه بأيّ شكلٍ من الأشكال.
يقول هؤلاء إنّ ما قاله جنبلاط عن “حزب الله” تحديدًا ينسجم مع “الثوابت” التي لطالما أكّد عليها “الحزب التقدمي الاشتراكي”، حتى في عزّ “المساكنة” مع الحزب، في الحكومات المتعاقبة، انطلاقًا من “براغماتية” يتميّز بها “البيك”، ويشدّدون على أنّ الخلاف “إستراتيجي” مع “حزب الله”، وهو ما لا ينكره الجانبان أساسًا، ما يعني أنّ ما قاله في حديثه الأخير مع الاغتراب ليس جديدًا، ولا “انتخابيًا” كما حاول البعض أن يوحي أو يروّج، لغاية في نفس يعقوب.
ومن باب “التذكير”، يحيل “الاشتراكيون” المشكّكين إلى الموقف الذي اتخذه جنبلاط يوم أعلن رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري تعليقه لمشاركته في العمل السياسي وعزوفه بالتالي عن خوض الانتخابات، حين حذّر صراحةً من أنّ “حزب الله” سيكون المستفيد الأكبر منه، لأنّه سيؤدي إلى “إخلاء الساحة” له، ما سيدفع إلى احتراق بيئات لطالما كانت “عصيّة” عليه، وقد أدلى جنبلاط بدلوه قبل أن تتبلور التحالفات الانتخابية، بل قبل بدء البحث بها من أساسها.
ولذلك، يرفض المحسوبون على رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وضع كلام الأخير في إطار “انتخابي محض”، كما يرفضون أيضًا اعتباره جزءًا من “سيناريو” جديد مُعَدّ لمرحلة ما بعد الانتخابات، أسّست له عودة سفراء دول الخليج إلى بيروت، من دون أيّ مقدّمات، حيث يشدّدون على أنّ كلّ شيء متروك لمرحلة ما بعد الانتخابات، لأنّ “خريطة” البرلمان الجديد ستكون هي “الفيصل”، ولا مجال لاستباقها عبر تكهّنات وتقديرات قد لا تصيب.
لكن، على نقيض ما يقوله المحسوبون على “الاشتراكي”، يعتبر خصومه أنّ الوجه “الانتخابي” لكلامه بات أمرًا “مسلّمًا به” لا يحتاج أساسًا إلى النقاش، ويشيرون إلى أنّ جنبلاط برفعه سقف المواجهة، كما لم يفعل طيلة السنوات الأخيرة، حتى في عزّ الخلافات، “فضح نفسه”، وأثبت أنّه “محشور انتخابيًا”، وهو يحاول “التعويض” عن ذلك من خلال “شعبوية” يعتقد أنّها قد تؤمّن له المزيد من الأصوات، التي تَقيه من “الإحراج”.
يكفي بالنسبة إلى هؤلاء أن يكون جنبلاط “مضطرًا” إلى قيادة معركة “الحزب التقدمي الاشتراكي” شخصيًا للدلالة على هذا الوقع، بدل أن يضع الأمر على عاتق “وريثه” النائب تيمور جنبلاط، الذي كان يفترض أن تكون أربع سنوات له في الندوة البرلمان كافية ليراكم “خبرة” تحوّله إلى “قائد وزعيم”، إلا أنّ “البيك” يدرك قبل غيره أنّ ذلك لم يحصل، وربما هذا أحد عوامل “الضعف” بالنسبة إليه، لأنّه لم يرَ في تيمور بعد ما كان يطمح ويتوق إليه.
أما ما يُقلِق “البيك” فعليًا، وسط كلّ هذه “المعمعة”، فيكمن في “التحالف المتين” الذي يواجهه في الجبل، والمكوّن من “التيار الوطني الحر” ورئيسي “الحزب الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان وحزب “التوحيد العربي” وئام وهاب. وقد لا يكون حافيًا على أحد، كما يقولون، أنّ وهاب يشكّل “الهاجس الأكبر” لجنبلاط، ولا سيما بعدما غيّر “تحالفه” مع أرسلان المعادلة، بعدما كان يستفيد على المستوى الشخصي من خلافهما التاريخيّ.
وإذا كان وهاب “قاب قوسين أو أدنى” في 2018 من “التسلّل” إلى الندوة البرلمانية، لولا “الحظ” الذي لم يسعفه، بعدم حصولته على “اللائحة”، فإنّ الأجواء الانتخابية هذا العام “تُقلِق” جنبلاط وفق الخصوم، لأنه قد يكون بات “أقرب” إلى الفوز، ولو أنّ “التكهّن” يبقى صعبًا، علمًا أنّ بعض المصادر تقول إنّ “البيك” تمسّك بترشيح النائب مروان حمادة مجدّدًا، لا نجله كما كان يرغب، لخشيته بالتحديد من أن تصبح الأمور “أسهل” على وهاب للظفر بالمقعد.
يرى “الاشتراكي” أنّ خطابه الانتخابي “متناغم” مع خطابه السياسي، فيما يحلو لخصومه الحديث عن “حشرة انتخابية” يمرّ بها، يعتبرها “الاشتراكيون” من محض “خيال” الخصوم، وربما “أمنياتهم”. وبين هذا وذاك، يبقى الأكيد أنّ البعد “الانتخابي” يبقى الأقوى، وأنّ “صلاحية” هذا الخطاب وغيره تنتهي في 15 أيار المقبل، ولو أنّ “ملامح” مرحلة ما بعد هذا التاريخ تبقى حتى تاريخه، غامضة، حتى لو كانت نتائج الانتخابات “شبه محسومة” كما يعتقد كثيرون.