نص محاضرة مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب الحاج محمد عفيف في المؤتمر الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري الذي عقد في دمشق يومي 24 و25 تموز 2015 .
بسم الله الرحمن الرحيم
لست محاضرا ولا خطيبا ولا ينبغي لي ذلك.
أعتقد أن أهم الانجازات الإعلإمية صنعتها المؤسسات التنفيذية وليست كليات الاعلام. وباعتقادي أن الكثير من الجالسين في القاعة لم يتخرجوا من كليات الإعلام.
أنا في مقام بين رسم السياسة الإعلامية والتطبيق المستمر للمفاهيم من أجل صياغة الحقائق وتثبيت الأفكار وصناعة الحملات والرد على الحملات والتأثير في الرأي العام والتأثير المباشر وغير المباشر على المؤسسات وعلى صناع الرأي وقادة الفكر والمحللين والمثقفين وصانعي الخط العريض للأخبار.
لذلك يتوجب علي، وإن كنت أنا أعمل وأعتقد بالنصيحة التي تقول: من نصحك سراً فقد زانك ومن نصحك علانية فقد شانك، ولكن اللقاء شبه داخلي وبين أهل الإعلام والرأي من ذات الاتجاه السياسي، فاسمحوا لي بأبداء ملاحظات ثلاث قبل الدخول مباشرة في المحاضرة.
الأولى: إن العلاقات العامة هي جزء من الإعلام، والإعلام ليس فقط ما نراه على الشاشات، بل إن ما نراه على الشاشات وفي وسائل التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الصحف هو ليس إلا نتيجة قرار في الداخل. العلاقات العامة لديها وظيفة أن تقوم بالتأثير المباشر أو غير المباشر على صناع الرأي وعلى تلك المؤسسات، وأنا أعتقد أننا لا نولي هذا الموضوع الاهتمام الكافي، لأنه ليس فقط بالتصريحات ـ وأنا أقول هذا من موقع الحرص ـ ليس فقط بالتصريحات ولا بالجولات الإعلامية يمكن أن نكسب الرأي العام. هذا ضروري وفي غاية الأهمية.
ثانيا: أنا اتابع الإعلام السوري والتظاهرات الإعلامية السورية والإعلام الحربي السوري منذ بدء الأزمة، وأنا أعتقد ـ وهذا من باب الحرص ومن باب الغيرة ـ أنا أعتقد أننا أضعنا العديد من الفرص وحققنا الكثير من النجاحات.
أما النجاحات فلها أهلها وينبغي الإشادة بهم، أما الفرص فأنا أعتقد أنه آن الآوان خاصة مع بدء التغيير البطيء في المزاج السياسي الدولي، أعتقد أننا يجب أن لا نضيع بعد الكثير من الفرص.
النقطة الثالثة: في الإعلام أحد الأهداف الأساسية الكبرى هو المنتج الإعلامي. لدينا مؤسسة لديها مئات الموظفين وندفع الكثير من الرواتب، كثير من الأفكار، كثير من النقاشات، مواد لها كلفة تشغيلية عالية، ومع هذا كله أحياناً لا يكون المنتج بنفس الجودة التي رغبنا بها من البداية أو لم نصل إلى أن نحقق ما رغبنا به.
اليوم صباحاً كنت أشاهد على التلفزيون السوري: شريط دعائي ضد الإرهاب التكفيري يتحدث عن الأطفال الذين تقوم داعش بتربيتهم للقتال في صفوفها. وأنا أشاهد الفلم، تمنيت لو أنني كنت طفلاً صغيراً لأنه أثر بي تأثيراً شديداً. إذاً نحن بدل أن نقوم بفضح والعمل ضد الإرهاب التكفيري نساعد الإرهاب التكفيري عبر منتجنا. نحن في وسائلنا، نحن بأموالنا، نحن في خدمة الإرهاب التكفيري.
وهنا اعذروني لأنني أريد أن أدخل إلى موضوع الندوة:
أولاً: يصعب تخيل حرب من دون إعلام، لسبب بسيط، لأن المنتصر دوماً يريد كتابة التاريخ، ولذلك كان المؤرخون وكتّاب الحملات جزءاً من الحملات، نابليون كان لديه مؤرخ، وهتلر كان لديه مؤرخ، وقادة الحروب الكبار دائما كان لديهم مؤرخون يكتبون سيرتهم الذاتية وسيرة الحرب.
ودائما كانت هناك شعارات ورايات وكل منها تحمل رموزاً ومضامين تتناسب مع ثقافة الجمهور أو بيئته أو الهدف المتوخى منه أو العدو المستهدف.
يستخدم الإعلام الذي نطلق عليه حاليا الإعلام الحربي للتأثير في الجيوش والقوى العدوة وفي جمهورها أيضاً، كما يستخدم في التأثير الإيجابي لتشجيع المقاتلين على الثبات وعلى الصمود وإبراز قوتهم وضعف عدوهم، وكذلك في جمهورهم، أي يستخدم كعنصر إيجابي أو كعنصري سلبي أو أحيانا بالطرفين معاً.
ثانياً: الحرب النفسية جزء من المجهود الإعلامي الحربي. ومع الوقت، ومع تعقد الصراعات واتساع الثقافات وتعدد الهويات، الأمر بات موضوعاً علمياً بحتاً، ينبغي أن لا يُترك للهواة. الحرب النفسية مجال عمل المختصين، مجال عمل أهل الخبرة، ليس مجال عمل مخرج أو منتج أو كاتب سيناريو، هذا عمل علماء في النفس، اسمها الحرب النفسية، لا ينبغي ان تترك فقط لمن يرغب، وضربت قبل قليل المثل عن المُنتَج الذي يبثه التلفزيون السوري. ينبغي أن يخضع المُنتَج للدراسة. سيكون لديه بالتأكيد آثار إيجابية ولكن قد يكون لديه تأثيرات سلبية. ينبغي تقييم العمل ـ من المخطط حتى يصبح منتجاً نهائياً ـ بالاستناد إلى آراء خبراء أهل علم ورأي.
ثالثاً: التعبئة المعنوية للجنود والضباط، أو ما نصطلح عليه بالبيئة الحاضنة، أو ما يصطلح عليه بالمصطلح الإسرائيلي بالجبهة الداخلية، أمر في غاية الأهمية وهو جزء من الإعلام الحربي وأحد غاياته، وقد عزلته عن الإعلام الحربي وعن الحرب النفسية ببند مخصص لأهميته، لأن الجنود لا يذهبون إلى المعركة فقط كي يتلقوا رواتب أو لكي يكون لديهم وظيفة، ربما ينتسبون إلى الجيش من أجل ذلك، وهذا أمر حاصل خاصة في الجيوش المحترفة أو في البيئات التي ترسل أبناءها إلى الجيش لكي يحصل على وظيفة لم يتمكن من الحصول عليها أو بموازاتها أو بمستواها من قطاع آخر، لكن عندما يذهب إلى المعركة لا يذهب فقط من أجل الراتب وإنما يذهب لأن هنالك قيماً معنوية مختلفة اسمها البطولة والشهادة والفداء، ولذلك تحضر في المعركة صور القادة، صور الشهداء، أسماؤهم، تاريخهم، المعارك السابقة، الأهداف، إلخ. ولذلك مسؤولية الإعداد المعنوي للجنود والضباط ليست مسؤولية الإعلام الحربي لوحده، وهي جزء من عمله، وأنما هي مسؤولية القادة السياسيين من رأس السلطة السياسية وصولاً إلى الضباط الكبار وإلى الضباط الميدانيين، ووصولاً إلى وسائل الإعلام، لأن هذا أمر على درجة عالية من الأهمية. عندما يذهب الجندي إلى المعركة ينبغي أن يعلم أنه أولاً يذهب إلى معركة لها أهداف وأنه واثق من النصر وأن هنالك بيئة حاضنة وأن هنالك من يقوم بدعمه ورعايته والدعاء له، وهذا عامل معنوي شديد الأهمية للجندي المتروك على الجبهة بضعة شهور. لن يستطيع هذا الجندي أن يبقى على الجبهة بضعة شهور من دون عامل معنوي مستمر ومتواصل.
رابعاً: يرتبط الإعلام الحربي بالحرب، وبالتالي بقيادات الجيوش والمنظمات وقرارها السياسي الذاتي، ومن هنا ينشأ تداخل بين ما هو إعلامي علني وما هو سري. وهذا التداخل الخطير قد يؤدي إلى صراعات تنظيمية أو قد يؤدي إلى خلل عملي، ونحن في الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية مررنا بمثل هذه التجارب، وهذا التداخل قد يؤدي إما إلى تضييع فرص إذا لم ننشر، أو إلى كشف خطط إذا قمنا بالنشر.
المشكلة معقدة ولكن الحل بسيط. الحل البسيط هو التوازن، هذا التوازن ينشأ أولا بالتقييم المتواصل، ينشأ بالخبرة المتراكمة، بالثقة المتبادلة. هذا ليس عملاً يومياً. ستُرتكب الكثير من الأخطاء والكثير من الهفوات قبل أن نصل إلى مستوى من التوازن، نستطيع أن نقدر في حينه بين ما هو ضروري للنشر وما نشره مضر بمصلحة الجيوش نفسها.
خامساً: على القيادات العسكرية أن تتفهم أننا في عصر مختلف من حيث انتشار وسائل الإعلام ومن حيث القدرة على الوصول إلى المعلومات. وبالتالي يجب أن لا يكون لدى القادة العسكريين الفوبيا التقليدية التي اسمها فوبيا الكتمان. كلما تريد أن تتحدث مع مسؤول عسكري أو مع مسؤول أمني، كلما رغب صحافي أو إعلامي بالتحدث إلى مسؤول عسكري أو أمني للحصول على تصريح أو معلومات، ستكون هناك مشكلة لأن المسؤول العسكري مصاب بالفوبيا مسبقاً هو لا يرغب ولا يريد التحدث مع وسائل الإعلام أو أنه يخشى من نتائج ما يقوله أمام وسائل الإعلام. لكن ما قد يتكتم عليه القائد العسكري موجود إما لدى أجهزة الاستخبارات أو موجود لدى وسائل الإعلام الأخرى أو حتى أحياناً قد تجد أنك تتكتم على معلومات، فتجد أن الجندي من كتيبتك او من جنودك بنفسه هو صوّر نفسه في الجبهة مع زملائه على الخط الأول وأرسل الصورة عبر تطبيق الواتس آب وانتشرت في وسائل الإعلام، وأنت تتكتم على معلومة فحواها هل وصلنا إلى المنطقة الفلانية وحررناها أو لم نحررها، يكون الجندي قد سبقك.
هذه المسألة هي مشكلة معقدة كسابقتها، لكن حلها مرة أخرى هو التوازن. التوازن الذي ينشأ عن التقييم المستمر وعن الخبرة المتراكمة وعن الثقة المتبادلة بين ما هو إعلامي وما هو أمني.
سادساً: الإعلام الحربي هو إعلام جهة محددة. هو ليس وسيلة إعلام عامة. تستطيع وسيلة الإعلام العامة ـ حتى لو كانت تتبع لجهة سياسية محددة وتلتزم بضوابط هذه الجهة السياسية المحددة ـلكن تستطيع ان تنقل أخباراً وأن تعرض نقاشات وأن تحلل. وحتى لو أصابت أو أخطأت فحسابها وهامشها أوسع من الاعلام الحربي. الإعلام الحربي هو إعلام جهة محددة، ينقل أخبارها ويصور انتصاراتها ويظهر أبطالها وشهداءها ويتكتم قدر المستطاع على خسائرها وهزائمها وهو وحده المخوّل بالدخول إلى المواقع غير المأذون بها. وبهذا المعنى وكما نكتب على شاشات التلفزيون “مقابلة حصرية”. الاعلام الحربي هو حصري. الاعلام الحربي في المقاومة هو “اكسكلوزيف” المقاومة. عندما يكون مصوّر الاعلام الحربي موجوداً في العملية العسكرية وحده ليس له أي شريك، هذه الميزة المتفردة التي ليس لها مثيل وهي ميزة الخصوصية ينبغي أن يستغلها الاعلام الحربي على أحسن وجه. لا يجوز ان يضيّع هذه الفرصة. أنت الوحيد الذي تملك المعلومة، تملك الصورة، تملك الخبر، أنت الوحيد، فلا تضيّعها، ينبغي أن تستفيد منها بعد دراستها وتقييمها, لا يوجد وسائل إعلام أخرى تسبقك إلى الخبر، ولا يوجد وسائل إعلام أخرى صورت مثل هذا الخبر، ولا يوجد وسائل أعلام أخرى لديها هذه الميزة. أنت الوحيد الذي يملكها، تضعها بالدُّرج، تضيع فرص، تنشرها، أنت الوحيد الكاسب.