نص محاضرة مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف في المؤتمر الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري الذي عقد في دمشق يومي 24 و25 تموز 2015 .
سابعا: الإعلام الحربي هو إعلام غير مستقل وهو غير محايد. طبعا أنا لا أعتقد أن هنالك وسيلة اعلام محايدة، إلا إذا كانت قناة العربية أثناء تغطية العدوان السعودي على اليمن قناة محايدة! دائما القناة أو وسيلة الإعلام إما ان تتبع إلى جهة سياسية أو إلى مؤسسة مالية. ليس هنالك اعلام محايد، يمكن أن يكون هنالك إعلام موضوعي وإعلام متوازن أو أو.. لكن ليس هنالك اعلام محايد، وأنا لا أؤمن إطلاقاً بهذه النظرية.
الاعلام الحربي اعلام غير محايد، وبالتالي هو اعلام مصاحَب باستمرار بالشك، بمعنى أن الآخر يستطيع ببساطة أن يشكك بما يبثه الاعلام الحربي باعتباره إعلام جهة غير محايدة وغير مستقلة. دائماً هنالك إمكانية للتشكيك، وحتى إذا قامت جهة لنفترض أنها متوازنة بنشر خبر نقلا عن الإعلام الحربي، تستطيع التشكيك به والتضعيف منه وتوهينه بالقول هذه الصور وصلتنا من الإعلام الحربي في الجيش السوري، هو يقول لك مسبقا لا تتأثر كثيرا بها، هذا اعلام جهة معينة، يلعب على هذه، يعرض لك الصورة، لكن يبقي لك الفتيل الصغير يضيء لك نافذة في عقلك، يقول لك انتبه هذه الصورة التي أرسلها لك الجيش السوري، هذه صورة الجيش السوري، الحقيقة ليست بالضرورة ما أعطاك إياه الجيش السوري.
ما هو حل هذه المعضلة؟ المصداقية باستمرار، المصداقية، المصداقية، ينبغي أن يتم تكريس تثقيف مستمر عبر كل يوم، أن ما يقوله الإعلام الحربي ذو مصداقية عالية، ينبغي عدم التشكيك بها، حتى لو لم تهتم وسائل الإعلام في البداية، لكن مع الوقت سوف يتعامل معها الجمهور على انها صادقة، وبالتالي هنا المخاطر الكبرى من أن تقع في الخطأ المتعمد أو غير المتعمد ببث صور غير صحيحة من الجبهة، وعلينا أن لا نخطىء بموضوع الإعلام الحربي، ليس لديك صورة، لا بأس، لديك صورة عليك أن تنشرها بشكل صحيح.
ثامناً: الاعلام حربي؟ نعم هو حربي، ولكن دعونا نرى الكلمتين، الإعلام الحربي، هو حربي ثانياً وهو إعلام أولاً، تركيب الكلمات على الأقل باللغة العربية يقول إن الاعلام هو المقدم على الحربي، وهو أوسع من الحربي، ينبغي أن تكون إعلاماً ناجحاً كي تكون إعلاماً حربياً ناجحاً. ولا يجوز ـ لأنك حربي ولأنك عندك مصداقية ولأنك تمثّل الجيش ولأنك تحب الجيش وتحب المقاومة وتحب البطولات وتحب الشهداء ـ أن تعطي عملاً إعلامياً غير ناجح. هذه العناصر كلها في مصلحتك وفي صفك، لكن عندما تعطي إعلاماً فلتعطِ إعلاماً صحيحاً، صورة صحيحة، أعطِ معلومة موثوقة تحتوي على معلومات، يوجد فيها أرقام، يوجد فيها أعداد ووثائق وأدلة وبراهين، ولا تعطِ أي صور، بل أفضل الصور وأفضل المعلومات وأفضل وسائل التواصل مع وسائل الاعلام.
تاسعاً: الروتين والجمود هو عدو الإعلام عامة ولكن هو عدو الاعلام الحربي خاصة، وسوف أطرح مثالاً بسيطاً: عندما دخل أبطال ومقاتلو المقاومة والجيش العربي السوري إلى القلمون، كانت الصورة التي يبثها الإعلام الحربي من هناك بمثابة كنز حقيقي، بأنهم يرفعون راية الجيش السوري أو راية المقاومة على التلال، ويوجد جولة لوزير الدفاع السوري أو لرئيس الاركان، وتكلمنا قبل قليل عن الحصرية، صور حصرية تثبت أنك منتصر، تثبت أنك رفعت رايتك في الجبهة، وتقول إنه لا إمكانية للتشكيك بروايتك، وبالتالي لا تستطيع وسائل الإعلام إلا أن تتعاطى معك على هذا الواقع. لكن بعد أيام قليلة تقدّم صور الجندي بالمتراس وصور الجندي إلى جنب المدفع والجولة الإعلامية نفسها والجبال الجرداء ومقاتلين يرتدون بذلات عسكرية ويحملون أسلحة، حسنا ما الجديد؟ لا جديد. الروتين هو عدو الإعلام، وخاصة عدو الاعلام الحربي، ببساطة دائماً ينبغي أن يكون هنالك ابتكار، ينبغي أن يكون هنالك تجدد، لا يمكن أن يكون إعلام من دون ابتكار أو تجدد. أنا أعرف أن هذا الأمر ليس عملية بسيطة، لكن من أجل هذه الأمور خلق الله العقول، وإلا لماذا ترك لنا الله عقولاً اذا كنا نريد أن ننسخ عن الورقة كل ما تعلمناه؟ تصبح مشكلة عند ذلك، أو كل ما قمنا به من تجارب بالمرحلة السابقة، ما قمنا به من تجارب في المرحلة السابقة هو ابن المرحلة السابقة، ونحن اليوم أبناء هذه المرحلة وبالتالي ينبغي أن نمشي مع جيلنا، نمشي مع معركتنا، وكل معركة لها أدواتها ووسائلها وخصوصيتها.
عاشراً: أتقدم بملاحظة بسيطة ومعذرةً. التبشير بالإسلام في مكة ليس انتصارا، أو كما يقال في سورية “لا تبيع المياه في حارة السقايين”. نشر أفلام الاعلام الحربي على التلفزيون السوري ليس بطولة، ونشر أفلام الإعلام الحربي على تلفزيون المنار ليس بطولة. الانجاز الحقيقي عندما يقوم التلفزيون الإسرائيلي بنشر صور وعمليات المقاومة الإسلامية على شاشته. البطولة الحقيقية هو عندما تقوم وسائل الإعلام الأجنبية بأخذ صور الإعلام الحربي السوري على شاشاتها. هذا هو الانجاز الحقيقي. في النهاية، كل هذا العمل، كل هذا الجهد، كل هذا التعب، سهر المصورين والمراسلين ومن خلفهم ومن أمامهم، وتضحيات الجنود ودماء الشهداء أريد أن أظهرها بمكان، لماذا أريد أن أبشر بالاسلام في مكة! اهل مكة مسلمون، هذا الموضوع ينبغي أن نوليه أهمية كبيرة في عقلنا، لدينا الآن عملية ميكانيكية روتينية: نصوّر، ننتقي الصور، ونتصل بالتلفزيون السوري ونرسل له الأشرطة. هذا ضروري، يجب أن يحصل، هذه هي وسيلتك، بالطبع هذا صحيح، لكن هذا غير كافٍ. هناك الإنجاز وليس هنا.
الحادي عشر: أنا وأنت، الإعلامي الحربي السوري، جميعنا نعلم أن وسائل الاتصال الحديثة أسرع وأرخص وأفعل وأكثر جماهيرية. رجاءً، هذا السلاح يستخدمه عدونا أفضل منا، تجربة داعش تقول إن عدونا يستخدم الإعلام البديل حتى الآن أفضل منا. ينبغي أن نبذل الكثير من الجهد حتى نقفل هذه الثغرة ونسد هذه الفجوة.
وينبغي أن ننتبه إلى أن الجمهور المستهدف إجمالاً من الإعلام الحربي هم مقاتلون، لأننا نتحدث عن التأثير الإيجابي والسلبي، السلبي في العدو، الإيجابي في مقاتلينا، نرفع معنوياتهم وندمر معنويات الطرف الآخر. هؤلاء الجنود هم في ريعان الشباب، هؤلاء هم من الجيل الذي يتقن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وغير معني بمنشتات الصحف وغير معني حتى بالتلفزيون، هو معني أكثر بوسائل التواصل الاجتماعي، ينبغي أن نولي العناية الفائقة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
الثاني عشر: ألخّص، العدو هو أكبر أستاذ في الإعلام الحربي. الخصم والعدو هو أكبر أستاذ في الإعلام الحربي، لأنه هو مضطر ليتطور، مضطر لاستخدام أساليب، ولديه من الدعم الخارجي ومن الخبرات الكبيرة ومن الدعم المالي والسياسي ومن الدعم التقني الكثير. في تجربتنا في المقاومة الإسلامية في ما أسمي بحرب الأدمغة السبب الذي مكننا من المواجهة أن العقل الإسرائيلي والانتاج التقني الإسرائيلي كان حافزا لمهندسينا وإلى مقاومينا للتقدم والعمل المستمر من أجل سد الثغرة ومن أجل التوازي معه ومن ثم التقدم عليه.
اليوم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عبر المراقبة اليومية الدقيقة واللصيقة لشرح كيفية عمل الإعلام الحربي إن صح التعبير لدى العدو، تستطيع أن تفهم أهدافه وغاياته والجمهور المستهدف، ماذا يفعل، ماذا يقول، كيف، لماذا، متى، لماذا. كل هذه الأسئلة عندما تضعها أمامك على جدول تحليلي بسيط تستطيع أن تستفيد من كل ما راكمه الخصم من معرفة. هو أمامك بخطوة، أعطاك فرصة لتعدّ دفاعاتك ثم تقوم بالهجوم المضاد.
النقطة الأخيرة: إنني، وإذ أنحني أمام كل شهيد أو مقاوم في المعركة المستمرة بين الحق والباطل، بين الإسلام الأصيل والتكفير الارهابي، أنحني خاصة أمام شهداء الإعلام الحربي ومقاوميه المجهولين، وأقول إن معركة الإعلام الحربي لا تقل صعوبة عن المعركة العسكرية نفسها، وربما تكون ساحتها أكثر خطورة، لأنها ساحة النفوس والعقول، ولذا فإنها معركة كل ساعة وكل يوم، لا مجال فيها للتوقف والتراجع، بل معركة مستمرة دائماً، وعلينا أن نسأل أنفسنا كل يوم: ماذا نقدم من جديد إلى شعبنا وإلى أمتنا وإلى مجاهدينا وإلى مقاومينا الأبطال، وهي بهذا المعنى رسالة. الإعلام الحربي رسالة وليس وظيفة، رسالة لأنها تجعل دم الشهيد يزهر من جديد.