نضال بركات | كاتب وباحث سوري
يبدو أن القمة التي تستعد لها العاصمة العراقية بغداد في الثامن والعشرين من الشهر الجاري لقادة دول جوار العراق باشراف أمريكي استعدادا للمرحلة المقبلة كي تنسحب من المنطقة بعد أن تضمن مصالحها عبر أدواتها في المنطقة .
إذا دققنا بالدول المشاركة في هذه القمة نلاحظ التناقض بين سياسات هذه الدول وهي العراق وإيران والسعودية وقطر والأردن والكويت ومصر وفرنسا وتركيا لأن معظم المشاركين هم أدوات أمريكية وهم من كانوا الأداة التنفيذية لتمويل ودعم ونشر الإرهاب في الدول التي لا تدور في الفلك الأمريكي ، ولكن إيران تختلف عن بقية الدول وهي الأساس في محور المقاومة وسببت قلقا كبيرا للأمريكيين والإسرائيليين لقوتها ومواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ولرفضها الإملاءات الأمريكية ، لهذا أرادت واشنطن هذه القمة لضمان مصالحها من خلال تقارب دول الخليج مع إيران خاصة وأن بغداد سبق لها وأن استضافت ممثلين عن إيران والسعودية على غرار ما كان يجري من مباحثات مماثلة في العاصمة العمانية مسقط ..
وتأتي هذه القمة عقب قمة ثلاثية عقدت في بغداد وجمعت مصطفى الكاظمي وملك الأردن الملك عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في السابع والعشرين من حزيران الماضي وعقدت تحت أسم الشام الجديد في تناقض كبير على هذه التسمية في غياب قلب الشام وهي سورية وهنا يخطر ببال الكثير من المتابعين أسئلة عديدة حول أسباب انعقاد القمة الثلاثية والتمهيد للقمة في نهاية الشهر الجاري ومنها ….. لماذا انعقاد هذه القمم في العراق … ؟ وهل للكاظمي المقرب من واشنطن الدور في ذلك… ؟ وهل هذه القمة مقدمة لانسحاب أمريكي من المنطقة… ؟ وهل يمكن أن تسعى واشنطن من وراء هذه القمة وقف التمدد الروسي والصيني… ؟ وهل لقرار واشنطن الإنسحاب من أفغانستان وما جرى من تداعيات على هذا البلد وعلى أتباعها والخشية من الفوضى في المنطقة دورا في انعقاد قمة بغداد… ؟ أم أن واشنطن تريد عبر أدواتها من دول الخليج ومصر وتركيا التواصل مع إيران في القمة لضمان مصالحها عبر حلول تريدها وتعويم العراق الكاظمي كي يكون محورا أساسيا لها في المنطقة …. والسؤال الأهم لماذا وجود فرنسا التي ليست جارة للعراق في هذه القمة …؟ الواضح من حضور الرئيس ماكرون للقمة بأنه لن يكون بعيدا عن الأعين الأمريكية ، وقرار المشاركة جاء عقب اتصال ماكرون بالكاظمي ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن واشنطن التي لا تحضر القمة بسبب جرائمها بحق الشعب العراقي ولكنها ليست بعيدة عنها ، وبالتالي فإن وجود دول الخليج وإيران قد يكون مقدمة لحلحة مشاكل المنطقة وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الجميع وضمان مصالح واشنطن قبل انسحابها من المنطقة ..
أين سورية من هذه القمة ؟ وهل سيشارك الرئيس الأسد فيها…؟
لقد بات واضحا بأن الرئيس الأسد لن يشارك في هذه القمة بعد أن تلقى رسالة من مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق نقلها فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي تمحورت حول انعقاد هذه القمة، وأهمية التنسيق السوري – العراقي حول هذا المؤتمر والمواضيع المطروحة على جدول أعماله ، ولكن وزارة الخارجية العراقية التي هي من نصيب الأكراد أصدرت بيانا نفت فيه دعوة الرئيس الأسد للمشاركة في القمة رغم أن الخبر الرسمي السوري لم يشر إلى ذلك وحتى الحشد الشعبي أصدر بيانا نفى ما ذكرته الخارجية العراقية وتضمن فيه ما جاء في مضمون الخبر الرسمي السوري ، والغريب في أن هذه القمة التي هي لدول جوار العراق أن لا تشارك فيها سورية وهي الجارة الأقرب إلى العراق فهل عدم مشاركة سورية كان من خلال فيتو أمريكي أو من قبل أدواتها الذين كانوا الأداة التنفيذية لدعم وتمويل الإرهابيين في سورية …؟
بكل الأحوال سورية لا يهمها ذلك وليست من الدول التي تسعى للمشاركة في قمة تضم في معظمها قادة تسببوا في نشر وتمويل الإرهاب في سورية، لكن الذي يطمئن دمشق مشاركة إيران القوة الأساسية في محور المقاومة في هذا المؤتمر ….
المؤكد بأن سورية ستكون حاضرة بقوة في هذا المؤتمر وهي مازالت الأساس لكل المعادلات في المنطقة وانعكاس ذلك على مجمل السياسات الدولية خاصة وأن سورية أفشلت مشاريع الغرب رغم أقذر حرب تشن عليها في التاريخ ، وبصمودها انعكس على السياسة الدولية و قدرة الصين وروسيا على إنهاء التفرد الأمريكي بالعالم ، وبالتالي فإن ما قد ينتج عن القمة سينعكس على مجمل السياسيات الدولية خاصة وأن واشنطن تريد من وراء هذه القمة إيقاف التمدد الصيني والروسي…
من يتابع التطورات في المنطقة يرى أن القمة لها هدف حددته واشنطن لمصالحها والكاظمي ليس مستقلا في قراره ولا يريد الاستفادة من كل ما جرى ويجري في المنطقة ، وإذا كانت سورية هي الدولة الأساس في المنطقة فإن صمودها أقلق الأعداء وأفقد واشنطن صوابها وباتت قوتها وهيبتها على المحك وهي تستعد للإنسحاب من المنطقة ، ولكن تريد ضمان مصالحها عبر أدواتها المشاركة في هذا المؤتمر فلماذا لا يستفيد الكاظمي من ذلك ويكون قريبا من الذين أفشلوا المشروع الأمريكي في المنطقة…؟
الواضح من كل ما يجري بأن واشنطن هي التي تتحكم بأدواتها ولا أحد يستطيع معارضتها رغم أن سياستها الواضحة لا تهتم لأدواتها وهي تدير ظهرها لهم في حال خسرت مشروعها أو تحققت مصالحها وأفغانستان خير شاهد على ذلك، وبالتالي فإنه من الضروري أن يتعظ الكاظمي مما جرى في افغانستان ، بكل الأحوال فإن هذه القمة ستعقد وقد تحدث فيها مفاجات للمشاركين فيها … فهل تتحقق المصالحة بين السعودية وإيران؟ وهل يمكن للقمة أن تذلل الصعوبات التي تعترض الاتفاق النووي بين إيران والغرب ؟ وهل يلتقي الرئيسان السيسي وأردوغان ؟ كل ذلك غير مستبعد خاصة وأن أردوغان يسعى لذلك بمساعدة قطرية ولكن إلى الآن لم يحدث أي اختراق خاصة وأن السيسي يعترض على سياسة أردوغان في سورية وليبيا وتونس والعراق والصومال التي هي السبب الرئيس للمشاكل في هذه الدول …..
إن المهم من إنعقاد هذه القمة هي الرؤية الأمريكية للمنطقة بعيدا عن التأثير الصيني والروسي ولهذا ترغب في ترتيب الأوضاع في المنطقة قبل انسحابها من الشرق الأوسط بعد انسحابها من افغانستان والتداعيات الخطيرة لانسحابها من هذا البلد ، ولهذا كانت القمة الثلاثية في بغداد في حزيران الماضي والقمة المقبلة نهاية الشهر الحالي لضمان مصالحها قبل الانسحاب ودعم الكاظمي ليكون الاساس لها في المنطقة وتسويقه للانتخابات المقبلة من أجل ابقاء كل ما تعانيه المنطقة بإشرافها وادارتها وفرض الحلول المناسبة لها وفق مصالحها …