عامر ملاعب | كاتب وصحافي لبناني
“سوريا فاتيكان الدروز” أو “مكة” لا فرق، العبرة في معنى القول والدلالة، هكذا تُلخص علاقة الطائفة المنتشرة في أقاليم بلاد الشام الأربع مع الحاضنة، سوريا هي الإطار العام مهما تبدلت الظروف وتمايزت، وفي كل مناسبة تتجدد “البيعة” والعلاقة، لكن ما هي قصة الزيارة السنوية في أيلول لمشايخ الطائفة لأماكن ومناطق عديدة وعلى رأسها مقام النبي هابيل في منطقة الزبداني في ريف دمشق؟ وما قصة “لجنة التواصل الدرزية في فلسطين”؟.
منذ عدة أيام ضجت وسائل الاعلام بخبر منع السلطات الأردنية عبور وفد مشايخ “لجنة التواصل الدرزية” القادم من فلسطين الى سوريا، وهي بذلك كأنها قد تولت مهام سلطات العدو الصهيوني الذي يُمعن دوماً في منع وقمع المواطنين في فلسطين المحتلة، فما هي قصة الزيارة السنوية الى سوريا من دروز فلسطين والاردن ولبنان؟ ولماذا تتولى هذه المهمة في فلسطين لجنة تواصل خاصة بعيداً عن سلطة مشيخة العقل هناك؟.
لماذا زيارة مقام النبي “هابيل” وفي شهر أيلول؟
بحسب المتداول شعبياً يمكن استنتاج الرواية التالية، وهي الأقرب الى المنطق:
بعد الثورة السورية الكبرى في العام 1925 عاشت طائفة الموحدين في سوريا أياماً صعبة في لملمة الحالة الاقتصادية والاجتماعية ومواجهة سطوة الاحتلال الفرنسي الذي شدد من اجراءاته القمعية والمراقبة على حركة التنقل بين أقاليم بلاد الشام وخفض بالتالي من نسبة وسهولة التنقل والتبادل التجاري والاقتصادي وتهريب المطلوبين لهذه السلطات.
من هنا كانت فكرة تكريس زيارة دينية سنوية كغطاء عام لتسهيل التواصل بين مناطق لبنان وفلسطين والاردن وأختير تحديداً مقام النبي هابيل في منطقة الزبداني في ريف دمشق كنقطة وصل وسطية بينها، وحُدد الموعد في الاسبوع الأول من شهر ايلول مع نهاية موسم الحصاد وانخفاض حرارة الصيف وتكديس المؤونة وقبيل برد الشتاء والامطار والثلوج.
في أيلول من العام 1927 كانت أولى الزيارات، حيث وصلت الوفود من فلسطين ولبنان والاردن وسوريا الى المقام على سفح جبل قاسيون، وبعد أداء الصلاة والاستراحة والتواصل تتجه هذه الوفود لزيارة الأقارب في جرامانا والسويداء وصحنايا ومدن سورية عديدة قبل أن تُقفل عائدةً الى مواطنها. وقد توالت الزيارات دورياً باستثناء سنوات الحرب العالمية الثانية بعد تقطع السبل وانتشار الجيوش في بلاد الشام.
تغيّر مسار هذه الزيارة بعد احتلال فلسطين في العام 1948 حيث اقتصرت الزيارات على دروز لبنان وسوريا وفي بعض السنوات مع دروز الاردن، ثم غاب عن الزيارة دروز هضبة الجولان المحتل، وبغياب هذه الشريحة اقتصرت الزيارة على الاطار الديني البحت ولم تتخذ الطابع السياسي الا في العام 2010.
في العام 2010 تم ترتيب حضور أبناء الطائفة من الدول الأربع، إذ اجتاز أبناء الجولان معبر مجدل شمس بالتنسيق بين السلطات السورية وقوات الامم المتحدة (الاندوف) المرابضة هناك في أحضان جبل الشيخ، في حين سهلت السلطات الاردنية عبور الوفود من عرب فلسطين48 الى الاردن ثم سوريا، وبالطبع مع وفود لبنان وسوريا، وكانت لقاءات حافلة بالتضامن والوحدة والتعاون ودعم مواقف سوريا ومحور المقاومة وان تجنب المنظمون احراج الضيوف ومراعاة سبل عودتهم الى الديار، وانبثق عن اللقاء ترتيبات عديدة لتعميق التواصل ومنها “لجنة التواصل الدرزية في فلسطين”.
لجنة التواصل
في العام 2010 تشكلت لجان متابعة للتواصل مع أبناء عرب 48 والجولان المحتل وتعميق العلاقة بما يعزز روح التعاون وتجذير الموقف الوطني الرافض للإحتلال بكل أشكاله، وكان أبرزها لجنة التواصل الدرزية في فلسطين برئاسة الشيخ علي معدّي من قرية يركا في الجليل الأعلى مع نخبة من الوطنيين من مختلف القرى والمدن، وبتنسيق مع قوى وطنية عديدة، قد عملت على تطوير وتنظيم الزيارات الى سوريا والاردن وعقد لقاءات مع قوى وشخصيات درزية ووطنية في دول اوروبية عديدة بهدف بناء جيل جديد من الرافضين لوجود الاحتلال ومن رافضي الخدمة الالزامية في جيش العدو، وفي داخل سوريا كل عام وبحسب ما تسنح به ظروف الحرب السورية يومها.
الديني في خدمة السياسي
اليوم الأحد، سيصل وفد دروز لبنان من السياسيين الى دمشق، الأمير طلال أرسلان والوزير وئام وهاب وغيرهم، على رأس وفد كبير من المشايخ والفاعليات الاجتماعية، وستكون وجهتهم الأولى في لقاء رسمي مع رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد للتهنئة بإعادة انتخابه لولايةٍ رئاسية جديدة، ومن ثم استكمال جولاتهم الميدانية في اللقاءات المقررة في عدد من المناطق السورية.
إذن هذا العام ستكون الزيارة السنوية الى مقام النبي هابيل ذات بُعد سياسي كبير من ناحية منع وصول وفد أبناء فلسطين عبر الحدود الأردنية وتتويج الزيارة بلقاء سياسي مع الرئيس الأسد، ويترافق ذلك مع عودة العلاقات بين سوريا وعدد من الدول العربية وآخرها زيارة وفد رسمي لبناني الى دمشق.