مفيد سرحال | كاتب وباحث لبناني
بين مقتلة الطيونة في بيروت ومذبحة جسر الرئيس في دمشق، وشائج دم مهراق،وسياق متصل ممهور ببصمة تخريب اجرامية مأجورة،تتقاطع مصلحيا” وتكتيا” خدمة لاستراتيجية أعمق وأبعد على مستوى المكاسرة ولي الأذرع ونزاع الارادات في اقليم ملتهب بين محورين ونهجين ورؤيتين تتجاذبان حاضر ومستقبل المنطقة لجهة النفوذ والخيارات الاستراتيجية وخارطةمصادر الطاقة والمسالك البرية والبحرية .
في تفجير دمشق محاولة يائسة لوقف اندفاعة الدولة الوطنية السورية وجيشها الباسل المنتصر على الارهاب وداعميه ومشغليه استعدادا لبسط سلطتها على كامل التراب السوري واجراء آخر عمل جراحي لاستئصال القيح الارهابي من ادلب. فجاء عبث العصملي المرتبك المأزوم في علائقه وخياراته والحائر بدوره ومصير مداخلاته الصفيقة في بلاد العرب، لتجويف العروبة وتوسيع عباءة الرياسة لضحايا الربيع العربي.
ناهيك عن اطماعه ومساوماته على مناطق نفوذ الكرد فاذا به يختار اللعب بالأمن للتشويش على مفاوضات جنيف حول الدستور السوري واعطاء جرعة لإخوانه محاولا زيادة ارباحه وتحسين شروطه التفاوضية الخاسرة لان شرق سوريا عائد من باب تحصيل الحاصل ليبقى لنا كعرب في ذمة العصملي كيليكيا والاسكندرون وستعود يوما..
في الطيونة مآرب ومرام مضمرة كان مأمولا”تحققها بالقنص غيلة وغدرا في وضح النهار بعد حشد قواتي ليلي معلوم مرصود لدى جميع القوى الامنية والعسكرية سبق التظاهرة السلمية بساعات معدودات استعدادا…،كرمى لعيني المأزوم في مأرب (اليمن) عبر فعل تحفيز تفاوضي اراده السعودي موضعيا موجعا يؤسس لمنصة صدام يتنكب تحريك أذرعها الوكيل الحصري لمملكة الخير في لبنان عقب ادارتها الظهر للحلفاء المتقاعسين المترددين الخائفين من مواجهة حزب الله .
هذه المواجهة التي دفع ثمن عدم خوض غمارها الرئيس سعد الحريري موقعه الحكومي الرياسي وامواله التي جرى تصفيتها عن بكرة ابيها.
اذا”سبعة أقمار نثر دماءها الامير بوساطة الأجير على طاولة التفاوض مع ايران للقول للايرانيين لكم (حوثيوكم) في اليمن ولنا( قواتنا) في لبنان الحاضرة المتأهبة للصدم حيث لم يجرؤ آخرون لارباك الساحة اللبنانية واستفزاز قوة (المئة الف) تارة بخطاب الكراهية والتحريض بمؤازرة عوكر وابواقها وطورا” بالمواجهات العسكرية لاستدراج حزب الله الى عراك بالوحل الداخلي بغية اسقاط صفة المقاوم عن وظيفته علة وجوده التي تعملق بفعلها محليا واقليميا كقوة لجم للثور الصهيوني الهائج .
سراب صحراوي يزاوج اضغاث احلام تراود جعجعة خُلَّبية وجهل مطبق وبصيرة مثقوبة ومخيلة معطوبة لا تفقه الموازنات المادية بين القوى وأُمِّية بيِّنة في قراءة ألف باء تقدير الموقف .
لقد امتص حزب الله وقيادة المقاومة الصدمة كما احتوى غيرها من التحرشات بقوة الصبر وعقلانية القوة القادرة على سحق الجبال ان اشار سيدها بالبنان حرصا على وحدة لبنان وسيادته وحريته واستقلاله.
وفي هذا المضمار تصح استعارة مقولة الفيلسوف الالماني هيغل عن (مكر التاريخ) اي حصول ما ليس متوقعا في السياق المعتاد للتاريخ.. فان مكر الماكرين سيقود وفق مصادر عليمة الى ان ما بعد حادثة الطيونة وتكشف ابعادها ليس كما قبلها كما ليس بذهن وحسابات المخططين والوالغين بدم الأبرياء وبصورة اوضح يتبدى ((مسار إسلامي)) لبناني مختلف تماما فرضته اللحظة الدموية وظروف موضوعية تقاطعت مع الحدث.
هذا المسار الاسلامي يمكن اختصاره بتجاوز ظاهر للاصطفاف الضدي الحدي للمسلمين بين ايران والسعودية الى وحدة اسلامية (سنية ،شيعية،درزية) سيما وان السعودية من خلال اجراءاتها الماحقة ماديا ومعنويا بحق الرئيس سعد الحريري حررته من سطوتها وسعيه الدائب لمحاباتها وخطب ودها، وقدمت بالمقابل الدكتور سميرجعجع رئيس القوات اللبنانية على ما عداه من المسؤولين اللبنانيين خاصة داخل الطائفة السنية ما سيفضي حتما”وفق مراقبين ومطلعين الى حلف اسلامي عريض بين الرئيس الحريري والثنائي الشيعي تجسيدا لفكرة الوحدة الاسلامية في وجه المنهج التقسيمي الممول من بعض العرب والغرب وسيترجم في الانتخابات النيابية القادمة لوائح مشتركة على غرار تلك التي شهدتها انتخابات 2005 اثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري بقوة دفع ثلاثية مع اختزال القوات من رباعية الحلف.
ان هذا النفس الاسلامي الوحدوي المستجد سيكون مقبولا ومرحبا به من بعض العرب لاسيما الامارات والكويت.
وبدأت حياكة تمظهراته بعناية فائقة ،وصياغة آلياته وسبل ترجمته في الغرف المغلقة ودراسة كيفية بلورة اطاره العملي كون الوحدة الاسلامية المرتكز الاساس لوحدة لبنان والعامود الفقري لبقاء وديمومة الكيان على طريق وحدة وطنية شاملة حقيقية تسقط معها أحلام تجزيئية ذوت في غياهب التاريخ والتجارب المرة…
صحيح بعض الشر يستولد خيرا ورحم الله هيغل…