قاسم قصير | كاتب وباحث لبناني
الزيارة التي يقوم بها وفد من الحزب الى موسكو إبتداءً من أمس الأحد ليست زيارة عادية أو تقليدية، فهي تشكّل أهم تطوّر في العلاقة بين الحزب وروسيا على مدار العشرين عامًا الماضية.
العلاقة بين الطرفين تطوّرت خلال العقدين الأخيرين الى مستويات جدّية، سواء بسبب التطورات السياسية والإستراتيجية في لبنان أو المنطقة.
فما هي أبعاد هذه الزيارة؟ وما هي طبيعة العلاقة بين روسيا والحزب ؟ وهل هذه الزيارة مرتبطة بملف تشكيل الحكومة أو لها أبعاد أخرى؟
المطلّعون على تطور العلاقة بين الحزب وروسيا يؤكدون أنّها تطوّرت خلال العقدين الأخيرين بعد أن كانت قد شهدت في الثمانينات من القرن الماضي بعض الإشكالات بسبب اتّهام السوفيات (قبل سقوط الإتحاد السوفياتي) مجموعات تابعة للحزب باختطاف عدد من الدبلوماسيين السوفيات للضغط من أجل فكّ الحصار عن طرابلس من قبل مجموعات شيوعية ويسارية والجيش السوري.
كما أن بعض الصراعات بين الحزب والشيوعيين في تلك الفترة تركت بعض الآثار السلبية على تلك العلاقة ومن ثم تم تجاوز تلك المرحلة الصعبة.
ففي عهد الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين تطّورت هذه العلاقة بشكل كبير، وكان للتعاون الروسي – الإيراني الإستراتيجي انعكاسه الإيجابي على هذه العلاقة.
وقد لعب السفير الروسي السابق في بيروت ألكسندر زاسبكين دورًا مهما في تطوير هذه العلاقة خلال وجوده في بيروت.
لكن التطوّر الأهم الذي ساهم في تعزيز العلاقة كان استعمال المقاومة الإسلامية في لبنان صواريخ الكورنيت المضادة للدبابات في مواجهة العدوان الإسرائيلي عام 2006.
وقد كان لهذا الصاروخ الجديد والمفاجئ في قدرات الحزب دورًا مهمًّا في وقف الإجتياح الإسرائيلي البرّي في بنت جبيل ووادي الحجير وسهل الخيام، وهذا النجاح أعطى الصناعة العسكرية الروسية دعاية كبيرة.
وقد حصل الحزب على هذه الصواريخ من الجيش السوري، ومن ثم تم نقله إلى قطاع غزة واستعملته المقاومة الفلسطينية في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
أما التطور العسكري الهام في التعاون المباشر وغير المباشر بين الحزب والروس فقد جرى خلال الحرب السورية وبسبب الدور 4 الذي لعبه مقاتلو الحزب على الأرض، فيما كانت القوات الروسية الجوية تتولّى قصف المواقع التابعة للمجموعات المقاتلة ضد النظام السوري.
وهذا التنسيق الذي كان يتم إما عبر الجيش السوري أو المستشارين الإيرانيين وأحيانًا بشكل مباشر بين الطرفين، ساهم في تعزيز الثقة والتعاون بينهم.
وفي الوقت نفسه كانت العلاقة الدبلوماسية والثقافية والفكرية والسياسية والإستراتيجية والإعلامية والطالبية والدينية تترسخ بين الطرفين عبر سلسلة وفود من الحزب كانت تزور موسكو وتشارك في عدد من المؤتمرات واللقاءات.
كما راحت بيروت تشهد المزيد من التعاون بينه الطرفين عبر السفارة الروسية وعدد من مراكز الدراسات والابحاث.
وكان السفير زاسبكين له إطلالات دائمة عبر تلفزيون المنار وإذاعة النور، كما كان يشارك في الندوات واللقاءات الحوارية المختلفة في الضاحية الجنوبية، وهو أوّل من كشف قبل عامين عبر جريدة الأخبار عن خطة خارجية لزعزعة الأوضاع في لبنان.
وقد تحدث رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النيابية محمد رعد، في حديث خاص لـ”وكالة سبوتنيك”، عن تفاصيل زيارة وفد “حزب الله الذي يرأسه إلى العاصمة الروسية موسكو.
فقال النائب رعد إن “العلاقة بين حزب الله وروسيا بدأت منذ سنوات، وتحكمها نقاط اهتمام مشترك ومصالح مشتركة ونظرة واحدة أو متقاربة جداً نحو الأوضاع في المنطقة وضرورة استقرار هذه المنطقة من أجل أن تستثمر شعوبها خيرات الدول، التي تقيم فيها أو تنتمي إليها”.
*وأضاف النائب رعد*: “قبل سنتين أو بضع سنوات قمنا بزيارة إلى موسكو وجرى النقاش حول تطورات الأوضاع في المنطقة ولبنان، واليوم بعد التحولات الكثيرة والعديدة التي حصلت خلال السنوات القليلة الماضية كان لا بد من إعادة تحريك النقاش حول آفاق المرحلة المقبلة في ضوء هذه التطورات”.
*وأشار النائب رعد إلى أنّ “الدعوة التي تلقيناها تهدف إلى إعادة فتح النقاش حول آفاق المرحلة المقبلة بعد ما تحقق من إنجازات لمصلحة شعوب المنطقة في المرحلة الماضية”.
*ورداً على سؤال حول إمكانية تطرق المباحثات إلى ملف تشكيل الحكومة اللبنانية .
أشار رعد، إلى أنّه “ليس هناك جدول أعمال محدّد النقاط، قد نمرّ على موضوع تشكيل الحكومة، لكن في سياق تقييمنا لأوضاع لبنان وضرورة الاستقرار فيه والسعي من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة”.
وأوضح أنّ “جلسات النقاش سوف تتحدد ما بين وزارة الخارجية ولجنة الخارجية في مجلس الدوما وبعض المسؤولين واعتقد أنّنا ستتاح لنا فرصة اللقاء مع بعض المسؤولين في مستوى وزارة الخارجية”.
هذه التصريحات للنائب رعد تؤكد أنّ الزيارة لها أبعاد. أما الشأن المحلي اللبناني وتشكيل الحكومة فسيكون من ضمن نقاط البحث لكنّه ليس السبب المباشر للزيارة. وتوقيتها ليس مرتبطًا بأي حدث داخلي.
وكانت مصادر دبلوماسية شرقية في بيروت أوضحت في لقاء صحافي قبل يومين أنّ “تشكيل الحكومة اللبنانية شأن محلي لبناني وروسيا تدعم الإستقرار في لبنان وتشكيل الحكومة ولكن ليس لها مبادرة خاصة”.
على ضوء هذه المعطيات فإن زيارة وفد حزب الله الى موسكو ستكون مرتبطة بكل التطورات في المنطقة سواء في سوريا او اليمن او العراق، والشأن اللبناني هو من ضمن هذه الملفات.
قد يكون التراجع في الدور الأميركي في المنطقة والفراغ الحاصل بسبب هذا التراجع عاملًا مهمًا لكي يدفع الروس نحو ملء هذا الفراغ وتعزيز علاقاتهم مع كل القوى اللبنانية.
إضافة إلى دورهم المتزايد على الصعيد العربي، الذي تجلّى مؤخّرًا في زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى الخليج العربي والحديث عن حل سياسي للأزمة السورية.
وقد بحث لافروف في لقاءاته بالإمارات والسعودية أيضًا في كيفية إنهاء الحرب في اليمن، في ظل وجود دعوة أميركية إلى الحلّ السياسي.
وبالتالي يجب أن يكون لإيران وحزب الله دور في المساعدة للوصول إلى حل سياسي في اليمن ومن البوابة الروسية المساعدة ايضاً، مع الاشارة إلى أن إيران تدعم موقف أنصار الله في وقف الحرب بواسطة الحزب وشرط ذلك وقف إطلاق النار ووقف الغارات الجوية وفتح المنافذ البحرية والبرية وإيصال الغذاء إلى اليمنيين المحاصرين قبل أي حديث عن حلّ سلمي أو سياسي.
ويضاف إلى ذلك التنسيق الروسي – التركي – الإيراني، الذي انضمت إليه قطر مؤخرًا.
نحن إذن أمام مرحلة جديدة من التطورات المحلية والإقليمية والدولية، ولذلك نشهد تطوّرا في الدور الروسي في لبنان والمنطقة وزيارة وفد حزب الله إلى موسكو في هذا الإطار.