مقالات مختارة

“مائة ألف مقاتل” معادلة ردع جديدة وتثبيت لقواعد إشتباك “أهلية”

سماهر الخطيب | كاتبة صحافية وباحثة في العلاقات الدولية

كما اجتاز السيد حسن نصرالله الذي توجته الانتصارات والتضحيات رمزاً لها، المرحلة الأولى من صعود المقاومة بصفتها قوة التحرير والردع في مواجهة خطر كيان الاحتلال، فإنه اجتاز المرحلة الثانية مع سفن كسر الحصار التي جلبت عبرها المقاومة المازوت الإيراني عبر سورية، اجتاز أيضاً الرهان الأميركي – الصهيوني بإشغال المقاومة بالفتنة الداخلية كطريق لتحقيق الهدف بأداة “جعجعية” إنما سقط هذا المشروع كغيره على أبواب المقاومة.

فمراحل صعود المقاومة منذ تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 إلى انتصار تموز 2006 وصولاً إلى معركة “سيف القدس” 2021 مروراً بانتصار سورية على الإرهاب ولن ننسى وقوف العدو على “إجر ونص” مترقباً الرد عام 2019 ولن ينتهي الصعود المقاوم بسفن الوعد الصادق التي كسرت الحصار ورسخت ليس فقط قواعد اشتباك جديدة بل قانون جديد يضاف إلى قانون البحار باعتبار السفينة لبنانية منذ إبحارها وأي اعتداء عليها هو اعتداء على أرض لبنانية..

لتترسخ قواعد جديدة في الإشتباك وتنتقل إلى الردع الاستراتيجي بين فعل مقاوم وفعل احتلال سارق للأرض ومنتهك للعرض .. وبعد ان ترسخت قاعدة الردع مع كيان الاحتلال والتي ترجمت بمقولة السيد حسن نصرالله “إذا اعتديتم فإنّ كل جنودكم ومستعمراتكم في عمق العمق ستكون ضمن أهداف ردّنا”، أي إن اعتديتم.. فليس هناك “خطوط حمراء”.. فبات حزب الله وقوى المقاومة تمتلك قوة مضافة إلى عتادها العسكري وهي فصل القول والفعل وإمكانية تحويل الكلام لأفعال وتمكنها من صياغة معادلات جديدة ترسخت بفعل المقاومة..

ولم يكتف حزب الله بترسيخ معادلة الردع مع الاحتلال بل مع أدواته أيضاً وأشهرها الأداة “الجعجية” بفرض معادلى ردع داخلية عنوانها الأساسي منع الحرب الأهلية وهذه الرسالة كانت الأبرز في خطاب أمين عام “​حزب الله​” ​السيد حسن نصر الله​، انطلاقاً من قراءة عميقة وموجزة  لمسار الأحداث التي أنتهت بـ”مجزرة” الطيونة.

حيث سعى السيد نصر الله إلى توصيف هذا المسار بدقة متناهية سارداً سلسلة من جرائم “القوات اللبنانية” ليصل إلى الإعلان عن عدد مقاتلي حزب الله قائلاً: “خذ علماً بأن الهيكل العسكري لحزب الله وحده يضم 100 ألف مقاتل”، مستدركاً أن “هؤلاء المقاتلين لم نجهزهم لحرب أهلية بل لندافع عن بلدنا في وجه الأعداء”، أي أن عدونا هو “إسرائيل” راسماً البوصلة الرئيسية مضيفاً بذلك قاعدة جديدة في الاشتباك إلى قاعدة “وإن اعتديتم!” مؤكداً أن المعركة التي سيخوضها حزب “القوات اللبنانية” ستكون خسارة بكافة المقاييس، قائلاً: “نحن حساباتنا صحيحة ولدينا ثوابت وأخلاق وقيم”، مضيفاً “لا تخطئوا الحساب واقعدوا عاقلين وتأدبوا وخذوا العبر من حروبكم وحروبنا”، مؤكداً أن “على الدولة وكل اللبنانيين الوقوف في وجه هذا السفاح والمجرم من أجل منع الحرب الأهلية”، مضيفاً “نحن قلنا للمرة الأولى رقم المقاتلين لمنع الحرب الأهلية وليس للتهديد بالحرب”.

وليس خافياً على أحد من متابعي الأوضاع والأحداث اللبنانية إلى أن تثبيت هذه المعادلة الردعية، جاء بعد سلسلة من الأحداث الأمنية التي كانت قد شهدتها البلاد في الفترة الماضية، ما يفسر أنّ اضطرار وضعها كما قال السيد نصرالله لمنع الحرب الأهلية وليس التهديد بالحرب كسبب جوهري يفسّر تثبيت “الردع الداخلي”، وبعقلانية وحكمة السيد حسن اعتبر احداث الطيونة هي جزء من مسار عام لم ينته، فالمطلوب جر “حزب الله” إلى اقتتال داخلي وإفراغه من قاعدته الشعبية ومؤيديه بأية وسيلة، بل التصعيد في المواجهة لتصل إلى مواجهة مع الجيش اللبناني الذي مازال صمام أمان الشارع اللبناني، وهذا المسار رُسم بقرار دولي واقليمي. حيث لفت الأمين العام لحزب الله إلى أن “عدونا يريد حرباً أهلية، فأميركا تريد حرباً أهلية كما فعلت في دول وتريد سلب سلمنا الأهلي”.

ولم يتوانى السيد نصرالله في خطابه بالأمس إلى الإضاءة على هذا المشروع الخبيث من هذه الزاوية حين تطرّق بحديثه إلى الفيديوات التي انتشرت عن إطلاق أحد العناصر النار باتجاه المتظاهرين، فكان واضحاً بأن التعامل مع هذه الحادثة مختلف، عبر التأكيد على أن ​المؤسسة العسكرية​، بـ”الرغم مما حصل”، هي الضمانة الوحيدة لوحدة لبنان. مؤكداً بالقول أن “عناصر الجيش اللبناني هم إخواننا وأعزاؤنا وهم جزء من المعادلة الذهبية التي نتمسك بها”.

ولم يكتف السيد حسن نصرالله بوضع “معادلة ردعية” بل خصص القسم الأكبر من خطابه، للرأي العام المسيحي، ليس الهدف استعطافه بل تحييده عن الحالة “الخبيثة” المتمثلة بـ”القوات” فكان توجهه إليهم كالطبيب الذي يستأصل السرطان الخبيث من باقي الجسد السليم، وبالتالي إسقاط جميع ما يحمله “القوات” من شعارات كاذبة تقول بأن “حزب الله” هو عدوّ “للمسيحيين”، من خلال نفي تلك الشعارات وتلك السرديّة التي يتبنّاها “جعجع” وأتباعه منذ سنوات، وليس نفيها فقط بل أكد السيد نصرالله في خطابه أن السياسة التي يعتمدها “جعجع وحزبه” هي من تمثّل التهديد الأول للرأي العام المسيحي، سارداً سلسلة من الشواهد على تأكيداته، مفنداً وقائع لا تزال شاهدة سرمدية على صدق أقواله.. كموافقة الحزب على قانون الستين ومشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي الانتخابي، الذي أسقطه رئيس “القوات” ​سمير جعجع​، ولاحقاً على ​قانون الانتخاب​ الحالي، الذي أقرّ بدعم من “حزب الله” و”حركة أمل”، من دون تجاهل التذكير بدوره في ضمان التمثيل المسيحي الوازن في الحكومات المتعاقبة، وفي انتخاب رئيس الجمهوريّة ​ميشال عون​، الذي يمثّل القسم الأكبر من المسيحيين.

في المحصلة،  كان إصرار السيد نصر الله على التعامل مع حادثة الطيونة على أساس أنها تختلف عن أيّ أحداث مشابهة، إصراراً واضحاً ترجم على قاعدة أن “القوات” يمثل ميليشيا هدفها جر البلد إلى الحرب الأهليّة، بهدف بناء كانتون مسيحي لا مكان فيه لأي فريق آخر، وجاءت معادلة الردع لتسقط هذا المشروع في مهده وليفرض السيد نصرالله معادلة ردعيّة على كل من يفكر في الذهاب إلى الحرب الأهلية، مؤكداً لعموم المسيحيين من هو العدو بالدلائل والوقائع.. ويبدو أن الرسالة وصلت للعدو والصديق وأن قواعد الإشتباك باتت واضحة المعالم والخطوط الحمراء صعبة التجاوز..

 

مستشارة التحرير في بلدنا نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى