سامي كليب | كاتب وإعلامي لبناني .
ختم أمين عام الحزب خطابه الليلة متوجها بالتحذير التهديدي الى القيادة الاسرائيلية، قائلا : “كفى لعبا بالنار، نحن لا نريد مواجهة او حربا لكن ان فرضتموها فسوف نخوضها، وان قصفتم مدنا سنقصف مدنا وان قصفتم قرى سنقصف المستوطنات ، وان قصفتم المدنيين فشعبكم كله جيش احتياطي، وقد تواجهون وقائع لم تألفوها منذ العام 1948″…. لكن عبارة ” كفى لعبا بالنار” لم تقتصر على الاسرائيلي الذي يقوم بمناورات واسعة حاليا عند حدود لبنان وسورية، وانما كانت العنوان الأبرز لكل المواضيع التي تناولها، لماذا؟:
· هو توجه أولا الى دعاة فرض الفصل السابع في لبنان، معتبرا أن هذا الأمر قد يقود الى الحرب، وان التدويل قد يؤدي الى الاحتلال. فلا يمزحّن أحد بهذا الأمر، قالها نصرالله في تعبير مرادف ل “كفى لعبا بالنار”.
· هو وجّه تحذيرا مبطّنا لكل التدخلات الخارجية، وربما عنى في ذلك أيضا التفاهم الفرنسي الأميركي الأخير، مشددا على ان الأهم هو التفاهم الداخلي وان الضغوط الخارجية لا تنفع.
· دافع عن الرئيس ميشال عون لكنه قال ضمنيا لبعض رموز التيار الوطني وجمهوره وعلى الأرجح لرئيسه جبران باسيل ” كفى لعبا بنار” التصريحات والخطابات العلنية التي تساعد المتربصين. ففي الآونة الأخيرة تكثّف الكلام الصادر عن التيار او رموزه حول ضرورة اعادة النظر ب ” تفاهم مار مخايل ” بين الحزب والتيار، وتحميل الحزب مسؤولية عدم المساعدة في معركة الفساد وغيرها.
· صحيح أن نصرالله تبنى وجهة نظر رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري حيال رفض الثلث المعطّل في الحكومة العتيدة، والتمسك بوزارة الداخلية، لكنه وجّه اليه أيضا وضمنيا عبارته ” كفى لعبا بالنار” حين نصحه عن الكفّ بالتمسك بحكومة من 18 وزيرا والذهاب صوب حكومة من 20 الى 22 كي لا يشعر أي طرف بالغبن. لكن حتى الآن هذا الأمر مرفوض عند الحريري المتمسك بحكومة ال 18 والمستقلة والتي تضم اختصاصيين.
· ” كفى لعبا بالنار” تنطبق أيضا على من دعاهم أمين عام حزب الله لنشر نتائج التحقيقات بتفجير المرفأ ( وهذه مروحة واسعة تبدأ بالقضاء وتصل الى الأمن والجيش)، وهو تبنى الكثير من تشكيك الناس حيال علاقة مشبوهة بين شركات التأمين وبعض القضاء المكلّف بهذا الملف.
· ” كفى لعبا بالنار” قالها لبعض الرؤوس الحامية في الجيوش الالكترونية التي قد تفجّر حروبا في الداخل خصوصا تلك التي سارعت الى اتهام الحزب باغتيال الناشط لقمان سليم بعد تحميله ايضا مسؤولية تفجير المرفأ، لكنه وجّهها أيضا وللمرة الأولى ضد بعض الرؤوس الحامية في جمهور المقاومة نفسها، فدعاهم للكف عن السباب والشتم وتخوين الناس مُذكّرا بالثوابت الاخلاقية والقرآنية. هذه كانت لفتة هامة وضرورية بعدما صار بعض السخفاء والسطحيين من هذه الجيوش يخونون من سبقوهم بسنوات طويلة في طريق مقاومة اسرائيل، ومن هم أكثر ثباتا من بعضهم في النضال .
· “كفى لعبا بالنار” رسالةٌ وجهها الى الادارة الاميركية الجديدة، التي وان كان رحّب ضمنيا بخطواتها حيال اليمن والتخلي عن صفقة القرن، الا أنه اتهمها باعادة انعاش داعش في العراق وسورية ، مؤكدا ان من ألحق الهزيمة بهذا التنظيم الارهابي في المرة الاولى سيهزمه مجددا، خصوصا ان نوايا أميركا الحالية هي البقاء في سوريا والعراق وليس الرحيل عنهما كما قال.
· “كفى لعبا بالنار” قالها للذين طبعوا او يطبعون علاقاتهم مع اسرائيل. وكان لافتا تنويهه هنا بالشعبين المصري والاردني، واشادته بالجزائر وتونس شعبا وقيادة ودولة، مشيرا الى ان الادارة الاميركية تبدو وكأنها قد اسقطت الصفقة في مسألة الدولتين ومستقبل القدس والتفاوض.
كان الخطاب هادئا بالشكل، محذرا او مهددا بالمضامين الخارجية، ساعيا للتهدئة في الداخل حيث حاول الموازنة بين الرئيسين عون والحريري خصوصا ان الخطاب الأخير للحريري تجنّب اي لهجة استفزازية ضد الحزب. لعلّ هذا يُمهد لوساطة الحزب مجددا بين الرئاستين اذا ما حصل تجاوب جدي، رغم صعوبة ذلك بشدة في هذا المرحلة .
كان نصرالله كذلك يميل نحو لغة المنتصر في عدد من الجبهات، ضد داعش، وفي اليمن والعراق وسورية وصولا الى فلسطين، وما لم يقله الكلام اختصرته الابتسامات التي تخللت الكثير من محطّات كلامه، فهو أتقن منذ سنوات طويلة تطويع لغة الجسد لجوهر الخطاب، ولعل هذا من الخطابات النادرة التي لم يرفع فيها صوته .
لم يسم الامارات العربية بالأسم حين تحدث عن التطبيع، لكنه بالمقابل ،وفي سياق اليمن والتطبيع وصفقة القرن، استعاد لغة الشجب ضد المملكة العربية السعودية، معتبرا أنها واسرائيل أكثر القلقين حاليا، ومؤكدا أن ايران التي لم تتنازل قيد انملة في عهد ترامب، لن تغير موقفها الآن. هذا الهجوم على السعودية يزيد لا شك في احراج الرئيس الحريري الذي طالب في خطابه الأخير بوقف مهاجمة الدول الشقيقة، والذي نصفُ مشكلته مع الرياض ان لم يكن أكثر يكمن في عدم مواجهته فعليا للحزب.
الخطاب بهذا المعنى اندرج تحت شعار ” كفى لعبا بالنار”، لكنه اندرج ايضا تحت رغبة الايحاء بأن المحور الآخر بات ضعيفا، وهذا ضروري على الأرجح الآن حيث تكثّف اسرائيل هجماتها على مواقع لايران والحزب في سوريا وتخترق أجواء لبنان فوق محور المقاومة وتتحدث عن ” ايام قتالية” اي ضربات في لبنان ، وهو ما حذر نصرالله من انه غير مقبول ويجر الى حرب ، كما انه ضروري فيما ترتفع لهجة الاتهامات ضد الحزب من خصومه في لبنان مترافقة مع تجديد الدعوة لاسقاط الرئيس عون، وتستعيد الساحتان العراقية والسورية موقعهما في التفاوض أو المواجهة العتيدتين بين أميركا وايران وروسيا، وتفكّر القيادة الاسرائيلية في كيفية منع التفاوض.
موقع خمس نجوم .