نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
اعذرونا على هذه البداية الفظة ـ الفظة لاهوتياً على الأقل ـ كلبنانيين , لماذا يثأر منا الله ؟
ربما تأثراً بالتعليق الذي قرأناه للتو حول ما تفعله الكورونا بالبشرية . التعليق لدان براون , صاحب “شيفرة دافنشي” . بلغة مجازية سأل ما “اذا كانت حواء عشيقة الله . لهذا غضب , وألقى بنا في هذا الكوكب لكي يثأر منا . ولكن ياسيدي , وأنت الاله الرائع , ألا يكفي أنك شقيت أمامنا الطريق , بالورود , الى … جهنم ؟” .
وقال “الذي جاء في النصوص المقدسة أن حواء , عشيقتك الجميلة , هي التي أغوت آدم . ثم , أين هي العدالة حين تقتص منا هكذا على اثم ارتكبه رجل نشكك في أبوته لنا ؟” .
كلبنانيين , أيضاً , هل من شعب آخر في الدنيا أبتلي بما ابتلينا به ؟ طبقة سياسية لا تصلح حتى لادارة ناقة . قتال ليل نهار , على الشاشات , وأحياناً في الشوارع , حول من تكون له الحصة الكبرى من جثثنا . حتى جثثنا تقف مكتوفة الأيدي . عند الاخرين الجثث تصرخ . هكذا رأينا في “الكوميديا الالهية” . ثمة موتى يصرخون في وجه حملة الحطب …
أزمات على مد عينك والنظر . الفساد يأكل عظامنا . أين هي المختبرات الكبرى لتصنع لنا لقاحاً مضاداً للفساد الذي يقطع عنا الهواء , ويقطع عنا الماء , ويقطع عنا الكهرباء , ويقطع عنا الخبز , ويقطع علينا الطريق ؟ لا بلد آخر تقتله تلك السلالة الهائلة من الكورونا …
أكثر تشتتاً من أن تكون لدينا قضية . خمسة أو ستة ملايين لبناني يختزلون , في أكبر عملية ابادة في التاريخ , بخمسة أو بستة أشخاص لا ندري كيف أقنعونا بأنهم هبطوا علينا من السماء . كل الوقائع تؤكد أنهم انتقلوا الينا من الخنادق أو من القبور . وها هم يسوقوننا اما الى الخنادق أوالى القبور…
ايمانويل ماكرون يرى , بالنظرة الكلاسيكية اياها , أن مسيحيي لبنان “وديعة فرنسية” . لا تنسوا أن المسيح ولد هنا , في هذا الجزء من العالم , وعاش هنا , ومات هنا , وبعث هنا . المستشرق لوي ماسينيون لاحظ أن المكان الوحيد الذي يوجد فيه طريق مباشر بين الأرض والسماء هو الشرق .
ماذا عن السنّة والشيعة ؟ لندع برنار ـ هنري ليفي يقول “هؤلاء الذين يحترفون تدمير أنفسهم وتدمير الآخرين” . كتوراتي بشع , قال لمجلة “ماريان” ان لبنان هو العالة الكبرى التي ينبغي أن تزول أو أن تزال ؟ ماذا تفعل الطبقة السياسية عندنا , ومنذ عقود , سوى أنها تعمل , حرفياً , بكلام الفيلسوف الفرنسي . أن نزول أو نزال …
هل من لبناني يعلم الآن أين يضع رأسه , أو أين يضع قدميه ؟ لعل الاجابة عند ببغاءات الشاشات , بأدمغة الذباب أم بأدمغة الأبالسة ؟
حائرون حقاً . في القرن الحادي والعشرين , على ابن منطقة الهرمل أن يقطع 180 كيلومتراً للاستحصال على السجل العدلي . ما عليكم , يامعذبي الأرض , نواب ووزراء المنطقة أمنوا لكم حياة فاخرة في الحياة الأخرى . لا بطاقة هوية , ولا سجل عدلي. ولا الموت بالرصاص الطائش , ولا على أبواب المستشفيات .
هل نقسم لكم يا اصحاب المعالي , ويا أصحاب السعادة , بطرابيشكم الحمراء , بأننا اقتنعنا بأن الدنيا فانية , وبأن مكاننا في الآخرة !
رهاننا الآن على حالة الود بين ايمانويل ماكرون وجو بايدن . هل يقتنع الرئيس الأميركي بأن بقاء لبنان يعني بقاء المسيحيين وأن زوال لبنان يعني زوال المسيحيين ؟ نعلم أن يوشع بنون يقبع بعصاه في جدران البيت الأبيض . هذه العصا هي التي تدل على الطريق …
حتى الفرنسيون يقولون أن الادارة السابقة كانت ادارة الضباع . شلدون أدلسون , الملياردير النيويوركي وصديق بنيامين نتنياهو , كان يحرك الكثير من الخيوط . كان المايسترو في كل السياسات بالشرق الأوسط , لا دونالد ترامب الذي لا يعلم أساساً ماذا تعني عبارة “الشرق الأوسط” ..
أدلسون كان يمسك بأذني جاريد كوشنر , الطارئ على التعقيدات الجيوسياسية , والجيوستراتيجية , وحتى التعقيدات اللاهوتية , في المنطقة . هو من طرد ريكس تيلرسون وأحل محله مايك بومبيو , كما أتى بديفيد شينكر , لتسليم لبنان قطعة قطعة الى اسرائيل أو الى … الجحيم .
الأشقاء العرب باعونا الى يهوذا بثلاثين فضة . لا ندري ما اذا كنا على الخشبة أم على المشنقة . هذا جزاء كل من يكون تابعاً لايران ومعادياً لاسرائيل . المعادلة باتت هكذا اما ايران أو اسرائيل . حتى وان كان الفارق هائلاً بين ما تعنيه ايران وما تعنيه اسرائيل , نقول لأشقائنا لسنا ايرانيين , ولن نكون . لسنا اسرائيليين ولن نكون . بالفم الملآن … نحن عرب .
بعد كل الذي حصل , ويحصل , هل من شيء في الدنيا يدعى “العرب” ؟ بدأنا الكلام الفظ بالاعتذار منكم , وننهي الكلام الفظ بالاعتذار من الله . دعوه يثأر منا كيفما يشاء .