وضاح عبد ربه | رئيس تحرير صحيفة الوطن السورية
فوجئ البعض من السوريين من الذين كانوا يتوقعون أو ينتظرون تغييراً كبيراً في الحكومة السورية بإعادة تكليف المهندس حسين عرنوس رئيساً لمجلس الوزراء، في حين لم يتفاجأ البعض الآخر ممن لديه قراءة مختلفة للأوضاع داخل سورية وخارجها، والذين يرون أن التغيير الآن ليس مناسباً، ولن يفيد ولن يغيّر من الواقع شيئاً، وأن الأفضل الحفاظ على استمرارية “رأس” الحكومة وإعادة تشكيل الوزارة وإعفاء الوزراء الذين أخفقوا في إدارة وزاراتهم أو في تنفيذ خطط الحكومة أو حتى في التواصل مع المواطنين وتلبية احتياجاتهم وفقاً للإمكانيات المتاحة، و طبعاً إعفاء من تدور حولهم شبهات الفساد الإداري والمالي.
وبالنسبة لهذا البعض تحديداً، فالمهندس عرنوس الذي عين في حزيران من العام الماضي، تمكن ومن خلال الإمكانيات والموارد المحدودة جداً من إدارة -قدر المستطاع- شؤون الدولة، وواجه خلال العام الأخير موجة من الأزمات بدءاً من الحرائق التي كلفت الدولة أكثر من ٤٠ مليار ليرة سورية تم توفيرها على الفور من الموازنة العامة للدولة لتعويض المتضررين، مروراً بشح مادة القمح حيث عاشت سورية أياماً كان الاحتياطي لديها لا يتجاوز ٧٢ ساعة وتمكن المهندس عرنوس وفريقه المعني من استقدام الطحين بسرعة قصوى من دول صديقة من دون أن يشعر المواطن بأي خلل كبير في توزيع مادة الخبز، وصولاً لتعقيدات وصول توريدات المشتقات النفطية، و”أزمة كوفيد” وما نتج عنها من ركود اقتصادي وأزمات أصابت القطاع الصحي، هذا كله بالإضافة إلى الهدف الأسمى الذي كان باستمرار يوجه فيه السيد رئيس الجمهورية بضرورة تحسين المستوى المعيشي للمواطنين وزيادة الرواتب والأجور وتأمين الموارد، وهذا ما حصل من خلال إعادة تنظيم آليات الدعم بحيث يصل إلى مستحقيه واستخدام المال الموفر لضخه في سلم الرواتب والأجور كما حصل مؤخراً.
ويقول منطق هذا البعض: إنه لا مؤشرات اليوم على قرب انتهاء هذه الأزمات، فالحرب لم تنته بل اشتدت وأصبحت موجهة على المواطن السوري مباشرة، وإن استقدام فريق حكومي جديد قد يلبي طموحات البعض الآخر في رؤية وجوه جديدة في الحكومة أو على رأسها، لكنه لن يغير من الواقع شيئاً، ومن الأفضل -وفقاً لهذا المنطق- البقاء على من بات يدرك الملفات بشكل جيد ويعرف الأدوات واللاعبين القادرين على مواجهة ما تتعرض له سورية من أزمات بدلاً من الدخول في حقل تجارب جديد قد يكلف هدراً للوقت ونتائج لا تختلف كثيراً عما شاهدناه في الفترة السابقة. فالأولوية الآن ليست للتغيير على الرغم من أهميته بالنسبة للكثير من السوريين الذين لديهم وجهة نظرهم الخاصة.. الأولوية لاستمرار العمل بحثاً عن موارد وموردين، ولاستكمال تحرير الأراضي في الجنوب وفي الشمال والشمال الشرقي، وللاستثمار في الطاقات المتجددة وتوفير ما أمكن من طاقة للمواطن وللصناعي، إلى حين تنضج الظروف السياسية والاقتصادية وتتراجع حدة الحرب والإرهاب الاقتصادي الممارس على السوريين، يمكن وقتها التفكير في فريق جديد ربما من “خارج الصندوق” يكون قادراً على استكمال ما بدأته الحكومات السابقة وإطلاق عملية إعادة إعمار سورية حيث تكون توفرت الموارد لذلك، وسن التشريعات اللازمة التي تنقل سورية من مرحلة إلى مرحلة مختلفة عنوانها “البناء”، على أمل ألا يطول ذلك، ولن يطول، فكل المؤشرات تؤكد على أن تطور الأوضاع السياسية وما يحصل في المنطقة عموماً في العلن وفي السر، يبشر بخير قادم وباستعادة للثروات السورية.
لذلك فإن التغيير من أجل التغيير لن يخدم سورية حالياً، ولنتذكر أن الأزمات التي يعاني منها كل سوري في الداخل والخارج ليس سببها حكومة أو نهج، بل سببها حروب وعقوبات، وهذا لا يعني بالتأكيد ألا تتم محاسبة وزراء اخفقوا، ولننتظر تشكيل الحكومة ونر من يستبقي المهندس عرنوس ومن يعفي؟ ومن الوجوه التي ستدخل الحكومة الجديدة.