تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
الكل يدرك بعد مرور 18 عاماً على الغزو الأميركي للعراق عام 2003 أن كل ما عرضه وزير الخارجية الأميركي في ذلك العام الجنرال كولن باول لتبرير شن الحرب على العراق والحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي لهذا الغزو، كان أكاذيب ملفقة تشبه تماماً أفلام هوليوود الأميركية الخيالية، وفي النهاية لم تقتنع «لجنة الأمم المتحدة للاستقصاء والتحقق» المكلفة متابعة موضوع أسلحة الدمار في العراق بما عرضه باول في الخامس من شباط عام 2003 على الأمم المتحدة من هذه الأكاذيب وكان الكاتب الأميركي في مجلة «انترسيبت» الأميركية الإلكترونية جون شفارتس أثبت في تحليل له في شباط 2018 أن باول نفسه لم يكن مصدقاً للأكاذيب التي عرضها لكنه كجنرال سابق في الجيش الأميركي تعامل مع الموضوع على مبدأ «نفذ ثم اعترض».
يبدو أن باول نفذ كما رأينا ثم مات قبل أسابيع دون أن يعترض، لكن الجديد الذي تكشفه تلك الحرب وما عرضه باول، هو أن الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن هو الذي كان يمثل الحزب الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية والناطق باسم الحزب الديمقراطي بشؤون السياسة الخارجية.
في عام 2003 ظهر كأول المدافعين عن صحة كل ما عرضه باول معلناً دعمه لاحتلال العراق وهذا ما جعل الكونغرس يتجنب مناقشة أكاذيب باول ما دام الحزب الديمقراطي يؤيد قرار غزو العراق الذي اتخذته إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في ذلك الوقت، وهذا ما كشفه البروفيسور ستيفين زيونز في تحليل نشره في مجلة «تروث آوت» الأميركية في 19 تشرين أول الماضي واستشهد بالعبارة التي قالها بايدن لباول مباشرة بعد خطابه: «عرضت إثباتات قوية وغير قابلة للتفنيد وأنا فخور بأن أضم صوتي معك»، وهو نفس ما فعلته عضو الكونغرس التي أصبحت رئيسة الأغلبية الديمقراطية نانسي بيلوسي حين قالت في خطابها لدعم الغزو الأميركي: «إن ما عرضه باول أدلة ثابتة ولا أحد يشك بها»، وهو ما قاله جون كيري عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي في ذلك الوقت وتبناه هو وهيلاري كلينتون وإلى جانبهما، وكان أشد المتحمسين للدفاع عن أكاذيب باول جو ليبيرمان الأميركي اليهودي عضو الكونغرس ومرشح الديمقراطيين لمنصب نائب الرئيس عام 2000.
في عام 2003 كانت الولايات المتحدة بحزبيها الجمهوري والديمقراطي تعد نفسها القوة العظمى الوحيدة بعد انهيار الكتلة السوفييتية وتفكك دولها وما نتج عنها من أزمات حادة داخلية في روسيا، ولم تكن واشنطن تهتم إلا بتوسيع هيمنتها على أكبر عدد من دول العالم لكي تمنع أي دولة كبرى من منافستها أو الوقوف ضد سياساتها في الكرة الأرضية، وربما لم يشهد التاريخ السياسي للحزبين الجمهوري والديمقراطي تطابقاً في موقفهما العلني تجاه احتلال أي دولة مثل تطابقهما مع احتلال العراق ووسائل الخداع والفبركة التي اتفق عليها الحزبان.
وهذا ما أثبتته أيضاً سياسة كل منهما بعد فوز هذا الحزب أو ذاك في انتخابات الرئاسة فمنذ غزو أفغانستان عام 2001 وغزو العراق عام 2003 من قبل الرئيس الجمهوري بوش سار الرئيس الديمقراطي باراك أوباما بنفس سياسة بوش في أفغانستان والعراق إلى أن أجبرته المقاومة العراقية عام 2012 على سحب 95 بالمئة من القوات الأميركية واحتفظ بثمانية آلاف واعداً بسحبها فيما بعد.
في عام 2011 حين أعد أوباما مخطط حرب المجموعات الإرهابية على سورية والمشاركة بها، جاء الرئيس الجمهوري دونالد ترامب عام 2016 واتبع نفس سياسة الديمقراطي أوباما تجاه إيران وسورية والعراق واليمن والمنطقة، وها هو بايدن الديمقراطي يستمر منذ بداية العام 2021 بسياسة ترامب ضد هذه الدول.
في النهاية أصبحت كل شعوب ودول المنطقة تدرك أن أي تغيير في السياسة العدوانية الأميركية التي ينتهجها الجمهوريون أو الديمقراطيون لا يفرضها على أي منهم سوى انتصار هذه الدول وزيادة قدرة ردعها لعدوانهم ووحدتها ضد مخططاتهم وهذا ما فرضه انتصار سورية وحلفائها على الحرب التي جندت لها واشنطن كل قدراتها وتحالفاتها ولم تنجح بتحقيق أهدافها منذ عام 2011 حتى الآن.
لقد أصبحت لعبة الديمقراطيين والجمهوريين مكشوفة لكل شعوب ودول العالم.