الدكتورة نازك بدير | كاتبة واكاديمية لبنانية
هل عرف لبنان منذ تأسيسه معنى السّيادة الحقيقيّة؟ وهل استطاع أن يكون في حقبة تاريخيّة معيّنة دولة مؤسّسات وقانون؟ أم أنه أخفق منذ إعلان دولة لبنان الكبير على عهد الجنرال غورو سنة 1920 إلى اليوم في إثبات وجوده كدولة ذات كيان مستقلّ؟ يبدو أنّه رؤوس متعدّدة مرتبطة بمصالح متعارضة حاولتْ على مدى السّنوات السّابقة أن تتحالف خدمةً لنفسها، فنجحتْ حينًا، وأخفقتْ أحيانًا كثيرة، فكانت حروبٌ، ونزاعات، وقتلٌ، وتهجير.
ما يطفو الآن على السّطح ليس سوى انعكاس أزمة البنية العميقة لمحاولة بناء الدّولة اللبنانيّة التي مهما جهدت بعض الأطراف لإنعاشها، إلّا أنّ القيّمين عليها في الدّاخل يبرعون في سبُل محاصرتها.
وكما قال جبران منذ أكثر من مئة عام: (لبنانكم مربّعات شطرنج بين رئيس دين، وقائد جيش لبنان.. حِيلةٌ يستخدمُها الثّعلب عندما يلتقي بالضّبع، والضّبع حينما يجتمع بالذّئب. لبنانُكم وفودٌ ولجانٌ، طوائف وأحزاب… لبنانُكم كذِب يحتجبُ وراء نقابٍ من الذّكاء…) حاله اليوم في العام 2021 قد لا يختلف كثيرًا عن السّابق، فهو أشبه ما يكون بغوّاصة محمّلة برؤوس نوويّة قابلة للانفجار في أيّ لحظة، يتحكّم بها مجموعة من الفاسدين، والمجرمين الذين وضعوا الشّعب أمام خيارَين: إمّا الموت، وإمّا الهجرة لمن استطاع إليها سبيلًا.
في الأصل، يفني المرء حياته مناضلًا في سبيل قضايا سامية، منها الذّود عن الوطن، ودرْء المحتلّ الغاصب. لكن المفارقة، أنّ العدوّ الذي يحاربك هذه المرّة، ويمعن في إقصائك وقتْلك هو مِن لحمك ودمك، ابن جلدتك، وهو نفسه النّاطق الرسمي باسم الشّعب.
وإذا صحّتْ مقاربة كيفيّة تعامُل السّلطة مع المواطن، من الممكن القول إنّها في أحسن الأحوال تعامُله معاملة” سيخ شاورما” فهي تمعن في تقطيعه نُتَفًا نُتَفًا، إلى أن يسقط عنه الدّهن والّلحم، ولا يبقى سوى سيخ الحديد مصلوبًا على النار. كذلك فعل القائمون على البلاد، سلخوا الضّحايا وهم على قيد الحياة، اجتّثوا أحلامهم، وأموالهم، وأعمالهم، وجرّدوهم من كل ما يملكون، فلم يبقَ سوى العظام.
السّؤال، ماذا سيبقى ليحكم أصحاب السّلطة غير هياكل من تراب؟ وهل سننتظر المئويّة الثّانية لنرى لبنان الدّولة؟