ميراي الملحم | كاتبة لبنانية
في زمن الحروب والتّدهورات
الاقتصادية ، يسود منطق ” يا روح ما بعدك روح ” ..
يبدأ الشعب بِنهب بعضِه البعض بدل الإنتفاضة على مَن أذلّ حياته اليومية . يدبّ الخوف بِمَن ” لا حول له ” ، يخضع أكثر فأكثر لإفرازات هجينة مافيَوية ، حتّى تصبح ملاذه الوحيد للصمود ؛ إنْ من خلال تمسيح الجوخ أو من خلال تأمين مبرّرات وجوديّة لها . مع مرور الوقت ، تنتقل هذه الإفرازات من مرحلة الهجانة إلى الإقطاعيّة إلى الأصالة الوهميّة . ترتقي شأناً ، وتزداد سطوتها في البلاد . هذا ما شهدناه سابقاً خلال التّقاتل الأهليّ ، والتاريخ حاليّاً يعيد نفسه . مَن ذبح الوطن ، حكم بعد الأهليّة بلا منازع ورقيب مُحصّناً بإتفاقيات ؛ ليس فقط لم يُحاسَب لا بل تُوّجَ بطلاً منقذاً . واليوم خلال الأزمة الإقتصادية ، من الطبيعي ظهور فئات تعبت من البقاء في القعر لتستفيد من نفس النهج ، فلمَ لا ؟ ..
هذا التّفكير النّرجسيّ بِحدّ ذاته المتأرجح بين الخوف والصمود وبين الطمع والخضوع ، يؤدي إلى عدم قيام ثورات وتغييرات حقيقيّة في دول العالم الثالث رغم واقع الظلم والذل والتجويع ؛ وَإنْ بدأت بشكلٍ أو بآخر بالتعبير عن الرفض ، جُوبِهَت من هذه الإفرازات الهجينة وبقسوة ، لا من الطبقة الحاكمة . تبدأ بالإحتكار والتخزين وشتّى أنواع الفساد غير عابئة بمصير وطن أو شعب أو إقتصاد . من دون أي قرار أو تخطيط ، تتحوّل وتصبح هيَ الحصانة لتلك الطبقة الفاسدة المتحكّمة في الوطن . تلقائيّاً تعود الدورة السياسيّة إلى إعادة التموضع ، وتطعيم قاعدتها بوجوه غير مستهلكة . تحضنها تُعلّبها تُقولبها وتُقدّمها بشكل معارض لها . تدعمها بأقلامٍ صفراء وأبواقٍ رنّانة ، بشعارات مواجهة الفساد ومناظرات الإصلاح وأفكار منمّقة حديثة . إلّا أنّ الحقيقة في الصميم ، جُلّ ما تكون الوجه الآخر لنفس العملة ..
للأسف مستنقع خبيث بلادنا غارقة فيه . لا تغيير آتٍ ولا تقدّم ولا ازدهار حاصل في القريب ، طالما أنّ الحربَقة والمَلعنة هيَ ” وِجّ الصحّارة ” ، والإستثناء الفاسد هو القاعدة . لا رؤية واضحة والفوضى عارمة تتخبّط حتّى بين صفوف المثقّفين . نفق مظلم بلا نهاية نواجه ، وتنتشر الوطنية المطرّزة على مقياس كل فئة ، مُخوِّنة الأخرى . بات الحلم بِبلدٍ يُؤمّن أدنى المقوّمات اليوميّة مستحيلاً ، خاصّة في غياب قيادة شبابية منظمة مُمنهجة وطنية ..
أسئلة كثيرة تراود الأذهان ، وهمسات تتسارع خلف الأبواب .
هل نحن على مشارف نهاية وطن بصورتِه الحاليّة ، وترسيمِه من جديد على أساس متطلبات اللعبة الجيو-سياسية في المنطقة ؟
هل فعلاً أثبَتنا أنّ قدرنا البقاء رديفاً لِدوَل تمتَلكنا بحجّة الإمتداد الجغرافي والتاريخي أو بقوّة الدائن على المديون أو بالولاء الديني ؟
الله يرحم المواقف الوطنيّة ، الله يرحم رجالات غادرَت الحياة بِجيبٍ فقير وتاريخٍ غني .
الله يرحمنا ، زمن المعجزات انتهى ..