لبنان والأزمة البنيوية : ” حكومة انقاذ ام حكومة كليلة ودمنة ؟ ” .
عمر معربوني | رئيس تحرير موقع المراقب
استمعت الى بيان جلسة مجلس الوزراء الذي تلاه وزير الإعلام السيد جورج قرداحي ولفت نظري قوله بأن النقاش في الإستراتيجيات مؤجل وان الأولوية ستكون للقضايا الضاغطة .
إضافة الى ذلك لفت نظري سقوط الألقاب في تعريف الرئيسين واقتصارها على كلمة سيدة وسيد بدل فخامة ودولة على الرغم من ان القرار بذلك مُتخذ سنة 1997 وتم التأكيد عليه مجدداً سنة 2019 .
في الموضوع الأول لا يوجد عاقل يفقه الف باء السياسة يمكنه المغامرة او الادعاء بان حكومة السيد نجيب ميقاتي ” رح تشيل الزير من البير ” والمثل هنا يتماشى مع ضفدع وزير الاقتصاد وعصفور وزير العمل إضافة الى نظرة فاحصة لمسودة البيان الوزاري الذي لم يتضمن أي إشارات لإصلاحات بنيوية واقتصر على توصيف الأزمة توصيفاً عابراً واعتماد عبارات كالسعي بالتعاون مع المجلس النيابي لإقرار قوانين في مواضيع الكابيتال كونترول ومعالجة المشاكل المالية الناتجة بعد 17 تشرين 2019 ، والعزم على تصحيح الأجور وزيادة ساعات التغذية الكهربائية الخ .. ما يشير الى خطوات ترقيعية وليس جذرية .
والأخطر بتعلق بصندوق النقد الدولي وهو ما لم يتم توضيحه بشكل واضح لمعرفة ما اذا كانت الحكومة ستنفذ كامل شروط صندوق النقد الدولي او انها تملك هوامش مناورة وتملص ؟
في الموضوع الثاني المتعلق بالألقاب من الواضح ان إعادة طرحه فيها دلالة شكلية لا اكثر ولا اقل يحاول مجلس الوزراء مجتمعاً من خلالها الإيحاء بالتواضع للناس وهو ما نأمله في المضمون وليس في الشكل .
ويبقى ان المشكلة الأكبر هي المكابرة التي تعيشها الطبقة السياسية في الهروب من تعريف الحالة الكيانية للبنان والتي انتهت وظيفته الفعلية التي أوكلت اليه من الإنتداب الفرنسي بعد انتهاء جولات الحرب وإقرار وثيقة اتفاق الطائف .
تكرر الطبقة السياسية بامتدادها الحالي ما أراده الرئيس الراحل رفيق الحريري بإعادة لبنان الى ما كان عليه قبل اندلاع الحرب سنة 1975 وهو امر يقارب الخطيئة لأنه خالف الوقائع والمتغيرات ، فلبنان ما كان يمكنه ان يعود على ما كان عليه لأسباب عديدة ساوجزها وهي :
- في القطاع المصرفي كان لبنان يؤمن الحركة المالية للعرب وخصوصاً الخليج الصاعد وهو ما استمر بزخم كبير حتى بداية الثمانيات من القرن العشرين وبدأ بالتراجع بعد ان بدأت الأسواق المصرفية بالظهور في الإمارات العربية المتحدة والبحرين وغيرها ما ادّى الى تراجع في زخم حركة المصارف في لبنان .
- كان مرفأ بيروت عصب حركة الترانزيت بين الغرب والعرب وهو الدور الذي تراجع كثيراً بعد نشوء سلسلة مرافيء ضخمة في الخليج وخصوصاً في السعودية والإمارات .
- في السياحة كان يجب تحديد حجم السياحة في لبنان والتي تراجعت بعدنشوء صناعة سياحة ناشئة في مصر والأردن والسعودية وسورية ارخص من لبنان وادت الى جذب اكثر من نصف السواح والمصطافين العرب الى هذه البلدان .
ولأن المساحة لا تتسع للغوص في شروحات تفصيلية اكتفي بالقول ان كارثة الكوارث كانت في الصرف على البنية التحتية بشكل لا يتناسب مع دور المطار والمرفأ والسياحة والحركة المالية ، لا بل ان ما تم صرفه يتجاوز حاجة لبنان عشرات المرات ، وهو امر حصل انطلاقاً من رسم سياسات مالية واقتصادية ونقدية ركّزت على الاقتصاد الريعي وتجاهلت لا بل نسفت أي دعم لقطاعات الإنتاج في الزراعة والصناعة التحويلية والصناعات الأخرى .
هذه السياسات التي قامت على المحاصصة أوصلت البلد الى الكارثة التي انفجرت دفعة واحدة بقرار أميركي وتواطيء داخلي من اتباع اميركا والهدف سحق المقاومة عبر إيصال اللبنانيين الى لحظة الغضب الكبرى وتحويلهم الى قنبلة تنفجر في وجه المقاومة وهو ما لم يحصل ولن يحصل .
اما الحل فهو ببساطة ما لم يُذكر في البيان الوزاري لحكومة السيد نجيب ميقاتي لا في توصيف الأزمة ولا في كيفية تجاوزها فالأغلبية من وزراء هذه الحكومة هم خريجو المدرسة الليبرالية في حين يحتاج الخروج من الأزمة عقولاً متحركة تحاكي في افكارها وبرامجها حلولاً جذرية وليس قصّ روايات تحاكي قصص كليلة ودمنة .
في التوصيف : العنوان الاساسي لأزمة لبنان وجود ازمة حكم بنيوية وليس ازمة حكومة .
في الحلول :
- التوجه الجدي نحو مؤتمر تأسيسي يحدد بوضوح العقد الاجتماعي والسياسي على اساس تحولات الإقليم
- رسم سياسة اقتصادية ومالية ونقدية تُخرج لبنان من الاقتصاد القائم على الريع والتوجه نحو اقتصاد انتاجي يراعي حجم لبنان وقدراته .
- العمل على ايجاد منظومة تكامل اقتصادي مع الجغرافيا المباشرة ( سورية – الاردن – العراق ) والانخراط بالتدريج في الحلف الاوراسي عبر الربط مع خط الشمال – الجنوب ( من بيلوروسيا شمالا حتى المحيط الهندي جنوبا ) وخط الحزام والطريق من (الصين الى منافذ البحر الابيض المتوسط ) .
- البدء باستخراج الغاز والنفط والتحول الى وظيفة الربط بين اوراسيا واوروبا عبر محاكاة مصالح الاحلاف الجديدة كناتج واقعي لمتغيرات الاقليم .
غير ذلك يعني البقاء في قلب الكارثة عبر تجديد الكيان بصيغته الحالية ما يعني الوصول عاجلا او اجلا الى تلاشي لبنان ككيان سياسي .