الدكتور عمران زهوي | كاتب وباحث لبناني
بداية مآسي لبنان الاقتصادية كانت شبيهة بأزمات الأسواق الناشئة عموما. فقد بلغت ديون البلاد مستويات غير مستدامة، وفَقَد القطاع المصرفي ملاءته، وسط عجز هائل في ميزان المدفوعات. وقد أسفرت هذه الأزمة عن تداعيات مهولة، وإن متوقعة. فما كان من الحكومة إلا أن تخلّفت عن سداد ديونها في العام 2020، وتخلّت كذلك عن سياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي. وسُرعان ما تهاوت قيمة الليرة بشكل كبير، وتهافت المودعون على المصارف، ما استتبع فرض قيود صارمة على حركة السحوبات من الودائع والتحويلات إلى الخارج. ونتيجةً لذلك، توقّف النشاط الاقتصادي، إذ قدّر صندوق النقد الدولي أن إجمالي الناتج المحلي سجّل انكماشًا بنسبة 34 في المئة في فترة 2020-2021. وترافق ذلك مع تسارع وتيرة التضخم، وارتفاع معدلات البطالة، وتآكل المداخيل والثروات، ما دفع أعدادا متزايدة من السكان نحو براثن الفقر.
في الدول التي حصل فيها انهيار مالي قام مجلس النواب في معظم تلك الدول إلى إقرار قانون capital control وهذا الدور الوطني الطبيعي التي يستوجب على ممثلي هذا الشعب وحاملي الثقة، ولكن للأسف هم تابعين لأركان الـ «سيستم» الذي سرق مقدرات الوطن والمواطن والمغترب.
بل تفاقم الانهيار بفضل القرارات الهيمنية التي اتخذها حاكم المصرف مع حكومة دياب والتي ناهز بها الدعم الى أكثر من نصف مليار دولار شهريا والتي ذهبت لزبانية «السيستم» من تجار ومن ثم المهرّبين والنازحين واللاجئين ولم يستفد من ذلك المواطن الفقير سوى 6% ولم تتعدَّ الـ 10%، وآخر تقارير البنك الدولي ان 70% حلمهم بات الهجرة من لبنان.
لم يكتفِ السيستم بذلك بل ذهب كل الدعم لكارتيلات النفط والدواء وغيرهم وآخر إبداعات هذه المنظومة بالاتفاق مع حاكم المصرف صرف 828 مليون دولار في شهر تموز من هذا العام في ظل أزمة مفتعلة بطلب خارجي وأدوات داخلية.
من الضروري احتواء الأزمة، وكان يمكن احتواؤها من قبل. وقد أتت النتائج كارثية تحديداً بسبب التقاعس التام عن اتخاذ الإجراءات اللازمة. تُظهر قاعدة بيانات آفاق الاقتصاد العالمي الخاصة بصندوق النقد الدولي 114 حالة شهدت فيها دول العالم انكماشا بنسبة 10 في المئة أو أكثر خلال فترة سنتين. من بين هذه الحالات، إن معدل الانكماش في لبنان هو عاشر أسوأ معدّل في العالم، وهو الأسوأ على الإطلاق إذا استثنينا الحالات المرتبطة بالحروب. وقد سجّل لبنان خلال عامَين فقط المستوى نفسه من الانهيار الذي وصلت إليه فنزويلا – التي تُعطى نموذجا عن دولة متوسطة الدخل تعاني من سوء إدارة وتتخبّط في خضم أزمة مالية – خلال فترة ست سنوات.
وضع برنامج طارئ لإرساء الاستقرار أولوية تهدف إلى الحدّ من العواقب الوخيمة التي خلّفتها الأزمة اللبنانية. في الأوضاع المثالية، تتولّى حكومة مستقلة تمتلك صلاحيات تشريعية طارئة بوضع هذا النوع من البرامج. لكن ذلك مستبعد في حالة لبنان. لذا، ينبغي أن يشكّل البرنامج الطارئ لإرساء الاستقرار خارطة طريق إقتصادية للحكومة التقليدية التي يجري التفاوض بشأن تأليفها راهنا.
وهذا البرنامج يبدأ بإنهاء نظام الدعم وتنظيم حركة التحويلات النقدية. أي إلغاء نظام الدعم غير المستدام والعشوائي. فباستثناء بعض الأصناف كالخبز والدواء، يجب أن تتماشى أسعار السلع المحلية مع الكلفة الفعلية للاستيراد ولا يمكن أن يستفيد الغني والفقير بنفس النسبة.
يلي هذه الخطوة بشكل فوري تطبيق نظام التحويلات النقدية لمساعدة الفئات الأكثر فقراً.
يمكن تطبيق خطة التحويلات النقدية هذه من دون اللجوء إلى احتياطي لبنان من العملات الأجنبية، إذ ثمة مبالغ خارجية كبيرة متاحة أمامه لصرفها على وجه السرعة، أوّلها قروض البنك الدولي التي تصل قيمتها إلى 546 مليون دولار، وتشمل القرض الموافَق عليه أساسا بقيمة 246 مليون دولار لإنشاء شبكة أمان اجتماعي طارئة، إضافةً إلى إعادة توظيف أموال القروض الأخرى الموافَق عليها. لكن الحصول على هذه الأموال مشروط أولًا بإنشاء الحكومة شبكة الأمان الاجتماعي التي علقت في متاهة بيروقراطية مستعصية. إضافةً إلى ذلك، ثمة مبلغ 370 مليون دولار من المساعدات الإنسانية التي تمّ الالتزام بتقديمها خلال مؤتمر المانحين الدوليين لدعم لبنان الذي انعقد في 4 آب/ أغسطس 2021 برعاية فرنسا.
نعم هناك حلول في لبنان لكل الملفات وتحديدا لوقف الانهيار المالي والاقتصادي..
من إنهاء الوكالات الحصرية لفتح السوق أمام المنافسة المشروعة وهناك مشروع قانون بالمجلس النيابي لرفع الاحتكار.
والأهم أن نبدأ بتطبيق قانون فصل السلطات وأهمها هو استقلالية القضاء (هناك مشروع قانون وهو المفكرة القانونية)، وتفعيل الهيئات الرقابية والمحاسبة. والانتقال من دولة اقتصادها ريعي الى المنتج وتسهيل وحماية المنتجات اللبنانية الزراعية والصناعية. وتفعيل خطه النقل العام والتي ستحل أزمات كبيرة ومنها تخفيف الحاجة الى المحروقات وتخفيف الازدحام، ومن أهمها أيضا وضع خطة الكهرباء على السكة الصحيحة للانتهاء من المعضلة التي كلّفت الخزينة عشرات المليارات والتي أهدرت (سرقت)!! واستغلال المياه التي تذهب الى البحر وتحويلها الى كل المناطق التي بمعظمها تشتري المياه، بالإضافة الى الطاقة الكهرومائية والتي ممكن أن تغطي أكثر من نصف حاجة لبنان للكهرباء (صديق للبيئة)، مع إعادة تفعيل عمل المصارف وإقرار قوانين من مجلس النواب تحمي المودعين وأموالهم لإعادة الثقة مع المغترب والمقيم، لما لها دور كبير في تحريك العجلة الاقتصادية. وأمور أخرى واهمها الكهرباء والنقل العام ستعمل لتحسين الوضع وبناء اقتصاد منتج ووقف الانهيار المالي والاقتصادي.