خطفت الاضواء أمس محادثات الوسيط الاميركي في مفاوضات ​ترسيم الحدود​ البحرية بين لبنان واسرائيل عاموس هوكشتاين مع المسؤولين اللبنانيين التي تمخّض عنها موقف لبناني موحد يقوم على معادلة “لا نفط هنا ولا نفط هناك وترسيم الحدود أولوية”، ويشدّد على حق لبنان في الخط 23 وما فوق بمساحة تتراوح بين 300 و400 كلم2، ما يخلق خطاً جديداً بين الخطين 23 و29، على حد قول مصدر رفيع المستوى لـ”الجمهورية”، مؤكداً انّ الكرة باتت في ملعب الوسيط الاميركي الذي غادر لبنان مساء امس من دون أن تعرف وجهته اذا كانت اسرائيل او واشنطن او اي عاصمة إقليمية.

واضاف المصدر: “صحيح انّ لبنان كان مُنهمكاً بالانتخابات ومتخبّطاً بأزمته لكنه طلب من هوكشتاين الذي قدّم عرضاً خلال الزيارة التي قام بها في 8 شباط الماضي، العودة الى مناقشة الامر ولم يُقل له لا اننا “نقبل” أو “لا نقبل” ولو كنّا أجبناه حينها خطياً لأصبحنا ملزمين بهذه الاجابة وبالخطوط التي سنذكرها وهذا كان جزءا من التكتيك التفاوضي، وارتأينا ان نترك بيننا وبينه خط التفاوض مفتوحاً قبل تقديم إجابة خطية، يعني اننا لم نتأخر في الجواب، اعترضنا على الطرح وطلبنا منه العودة الى مناقشة الامر”.

وكشف المصدر ايضاً “انّ الوسيط الأميركي سبق أن أبلغ الى الرؤساء الثلاثة انّ في إمكانه الضغط على إسرائيل لتأجيل وصول الباخرة الى حقل كاريش الى ما بعد الانتخابات، ولبنان الرسمي كان يعلم انّ إسرائيل ستبدأ باستخراج النفط في هذا الوقت وفق العقد الذي ابرمته مع الشركة اليونانية منذ ٢٠١٩”.

وختم المصدر “انّ الكرة الان هي في ملعب الوسيط الأميركي الذي يتوجّب عليه حل هذا الامر مع الجانب الاسرائيلي، والّا فإن كل الخيارات مفتوحة أمامنا”. وأكد “أنّ هناك شبه تكامل في الموقف الذي يرتكز على معادلة واضحة: لا نفط هنا، لا نفط هناك والترسيم أولوية”.

وقالت مصادر معنية لـ«الجمهورية» انه طُرِحت الخريطة الخاصة بالاقتراح اللبناني في لقاء بعبدا. وبعدما توقّف الجميع امامها بعد شرح تفاصيلها سلّمت منها نسخة الى هوكشتاين وهي تعطي لبنان مساحة إضافية رفعت حصته من خط هوف الذي اعطاه 860 كلم2 الى 1200 كلم2.

 

خطاب نصرالله

عملياً، سمع هوكشتين، بعد طول انتظار، الجواب اللبناني على اقتراحه الذي قدّمه في شباط الماضي بالخط الحدودي 23 معدّلاً. الجواب “تضمّن ملاحظات عقلانية وتعدّ بمثابة طرح بديل. والآن، نحن من ينتظر الجواب الإسرائيلي لنبني على الشيء مقتضاه” بحسب ما قالت مصادر مطّلعة على لقاءات هوكشتين في بيروت أمس، لافتة إلى أن توافق الرؤساء الثلاثة على الموقف “زاده قوة موقف قائد الجيش العماد جوزف عون بالوقوف وراء قرار السلطة السياسية”، علماً بأن القائد عمّم على كل العسكريين، في الخدمة والمتقاعدين، عدم تناول ملف الترسيم إعلامياً.

ولم يكن عابراً، أمس، تزامن زيارة هوكشتين مع تحليق الطيران المُعادي على علوّ منخفض فوق قرى الجنوب وخرقه جدار الصوت. ومهما تكن دوافع العدو من وراء هذا “الاستعراض”، تبقى رغبة “تل أبيب” في تكريس “الهدنة” على الحدود وتحصينها بالتفاوض هي الطاغية، وخصوصاً أن العدو يحتاج إلى التفرّغ لمواكبة المشروع النفطي – الغازي الذي يُهندسه مع الأوروبيين. وفي هذا السياق، كان لافتاً استفسار هوكشتين عن كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الخميس الماضي ومدى جديّة الحزب واستعداده لتنفيذ تهديداته، وفق ما نقلت مصادر بارزة مطّلعة على أجواء الاجتماعات.

 

اتفاق الإطار

أمس أيضاً، كان ثمّة حرص على التأكيد أمام هوكشتين على التمسّك بمبدأ التفاوض غير المباشر، وهو ما سمعه في عين التينة خلال لقائه رئيس مجلس النواب. وهذا ما يفسّر البيان الذي خرج منها بعد مُغادرة الزائر الأميركي، وكان حمّال أوجه. إذ قال البيان إن بري أكد أن “اتفاق الإطار يبقى الأساس والآلية الأصلح في التفاوض غير المباشر استناداً الى النصوص الواردة فيه والتي تدعو الى استمرارية اللقاءات، وصولاً الى النتائج المرجوّة والتي تفضي الى ترسيم الحدود من دون المساس بحق لبنان بالحفر ولا سيما البلوك الرقم 9 الذي سبق أن لزّم”، لافتاً الى أن ما يجري الآن «مخالف للاتفاق من جهة، ويحرم لبنان من حقوقه في وقت يسمح فيه للكيان الإسرائيلي بالاستخراج والاعتداء، الأمر الذي يعرّض السلام في المنطقة ويفاقم من خطورة الأوضاع”.
سرعان ما طرح البيان علامات استفهام حول ما إذا كانَ من خارج التوافق مع رئيسَي الجمهورية والحكومة، وما إذا كان هناك مستجدّ سلبي في الزيارة؟

واوضحت مصادر قريبة من عين التينة لـ “الاخبار” بأن “كلام رئيس المجلس نبيه بري يعني أن ما يقوم به الوسيط حالياً يخالف اتفاق الإطار الذي جرى التوصل إليه مع الأميركيين”، مضيفة إن “بري كان يقصد العودة إلى هذا الاتفاق في حال موافقة الإسرائيليين أو عدم موافقتهم على مطالب لبنان. وإذا تجاوب العدوّ الإسرائيلي، فإن الاتفاق المقبل سيوقّع في الناقورة عبر وفد لبناني جديد يجري تشكيله وبمفاوضات غير مباشرة، وفي حال الرفض يُمكن العودة إلى طاولة الناقورة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة برعاية أممية ووساطة أميركية”.

 

اللقاءات ايجابية

وأجمعت مصادر لبنانية على أن اللقاءات كانت “إيجابية”، وقالت مصادر مواكبة للزيارة لـ”الشرق الأوسط” إن هناك “إمكانية كبيرة للتوصل إلى اتفاق يثمر استئنافاً للمفاوضات غير المباشرة بوساطة وتسهيل أميركيين وتحت علم الأمم المتحدة وفي مركزها في الناقورة” في جنوب لبنان. وعلمت “الشرق الأوسط” أن الرد اللبناني لم يكن مكتوباً، بل شفهياً، وأنه على ضوء الجواب الإسرائيلي على المقترح اللبناني الذي قدّمه عون شفهياً، تُقرر مسألة المفاوضات غير المباشرة.

وأشارت المصادر إلى أنه لدى التطرق إلى مسألة شروع إسرائيل بالإنتاج في منطقة متنازع عليها، قال هوكشتاين إن السفينة “تقف على مسافة بعيدة عن المنطقة المتنازع عليها بنحو ميلين ونصف الميل”، وأشار إلى أن معلوماته تفيد بأن السفينة ستبقى في هذه المنطقة.

 

الخط 29

وأشارت مصادر مطلعة لـ”اللواء” إلى أن الإقتراح اللبناني الذي تبلغه هوكشتاين في لقائه رئيس الجمهورية يقوم على التمسك بحقل قانا كاملا والخط الـ23 المستقيم، مؤكدة أن هناك وحدة في الموقف اللبناني الرسمي وقد تبلغه هوكشتاين من المسؤولين الذين التقاهم. وأوضحت أن الرئيس عون قدم الاقتراح المعدل شفهيا وهو مبني على التمسك بالحقوق السيادية.

وأشارت هذه المصادر الى انه لم يبحث في الخط 29، لافتة إلى أن الجانب الإسرائيلي يرفضه. ورأت أن من مصلحة الجميع الحصول على الثروة النفطية من دون أي تأخير.

واعتبرت مصادر سياسية ان اتفاق المسؤولين اللبنانيين على اعطاء الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، ردا لبنانيا موحدا، بخصوص ما طرحه من افكار سابقا، حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بانه مؤشر مهم في التعاطي مع هذا الملف الحساس في هذا الظرف الصعب، ولكن كان من الافضل لو تم ترتيب لقاء واحد يجمع كل المسؤولين مع الوسيط الاميركي، بدل تعدد اللقاءات، مع كل مسؤول على حدة، والاستماع إلى موقف ووجهة نظر، كل مسؤول لوحده، لان هذا التصرف يعطي انطباعا شكليا، بوجود وجهات نظر متعددة من هذه المشكلة، وهذا لن يكون في مصلحة الموقف اللبناني.