فاطمة شكر | كاتبة واعلامية
لطالما اصطفت بعض القوى السياسية مع بعض بعضها البعض لكي تواجه قوى أخرى في الوطن على قاعدة أن البعض يستنجد بالآخر الأقوى، مقابل أن يشن حرباً في وجه من إعتبره ويعتبره عدواً له في وطنٍ وجد من أجل الجميع لا للطائفةٍ دون سواها.
وبما أن أرض لبنان خصبةٌ وتحتملُ التغيرات والتحالفات ، تنجحُ التحالفات والتسويات والرهانات في بلد قائم على الطائفيةِ والمحسوبيات والمحصاصة التي يقوم بها من يحكم الدولة، لا بل ويستولي عليها ويتفق على الآخر بحجة الدين والإلتزامات الطائفية . المهمة في لبنان تقتضي بأن يكون الطرف الآخر مستقوياً بالجهة المقابلة، من أجل تمرير ملفات الفساد وملفات الدولة ، وإقامة غطاء حقيقي يوصل بالطرفين الى بر الأمان حسب اعتقادهم.
سابقاً كنا نسمع عن «المارونية السياسية» وكيفية توجهاتها، ناهيك عن شكل حكمها وسياستها الداخلية والخارجية التي ما زالت مطبوعة في الذاكرة حتى يومنا هذا. حكم الموارنة لبنان منذ ما قبل الإستقلال وحتى اتفاق الطائف، الذي جاء لكي يعدّل في التوازنات الطائفية ويعطي الطوائف الأخرى حقها في التمثيل العادل في الدولة، بعد أن كانت الطوائف الأخرى غائبة عن مراكز ومؤسسات الدولة لا بل منسية، ومع مرور الزمن جاءت «الحريرية السياسية» عقب الحرب الأهلية لتكريس مفهوم «السنية السياسية» التي حكمت لبنان بأموالها وأموال الخارج الخليجي، وما زالت حتى يومنا هذا تستقطب وتحتضن أقطاباً سياسية معروفة في لبنان، لا بل إن هذه الأقطاب التي صارت قوية، ومن مختلف الطوائف، تصادق على ما قامت وتقوم به هذه السياسة، على الرغم من أن البعض يتهم هذه السياسة التي أعتمدت في لبنان منذ 30 سنة بالفساد ، وبأن ما وصل اليه الوطن هو نتيجة هذا الحكم الذي لا يزال يسيطر بشكلٍ أو بآخر على الدولة العميقة ، واليوم بعض من يطلق النار على هذه السياسة كان قد صادق عليها في المرحلة السابقة، لكن رهاناته وعلاقاته الجديدة دفعت به الى أن يرمي سهامه على هذه الطبقة التي استفاد منها حتى التخمة وفي القريب العاجل ربما.
لا يخفى على أحد أن حرب البيانات التي تدور رحاها بين قصر بعبدا و»ميرنا الشالوحي» من جهة، و»عين التينة» و»بيت الوسط» من جهة ثانية ، صارت واضحة للعيان، وهي لم تعد مخفية على أحد، ويحسم كل من في هذا الوطن أن الرئاسة الأولى والتيار الوطني الحر في حرب حقيقية مع الرئيس نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، في حين أن الخلاف الذي يدور في الكواليس بين الحزب والتيار والذي دعا كل من قيادييه الى لملمته بشكل سريع، دفع رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل الى رمي الكرة في ملعب السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحافي الأخير عندما استعان به كصديق، وطلب منه أن يكون حكمًا وأمينًا على تشكيل الحكومة، ناهيك على اصراره على شد عصب «تفاهم مارمخايل» بين حزب الله والتيار، واصفًا اياه بالمؤتمن على الحقوق، وانه يعرف أن السيد يقف على الحياد، غامزًا من موقع وتوجهات ومواقف بري.
بالمقابل يصر الحريري على أنه وبري واحد، في إشارةٍ الى تخلي جميع المكونات الداخلية عنه، فضلا عن جفاء خارجي وعدم رضى سعودي عليه إن لم نقل أكثر، وبهذا الكلام إعلان واضح عن وقوف الحريري وبري في خندق واحد لمواجهة العهد والتيار، من هنا نستطيع القول أننا دخلنا عهد «الثنائي الشيعي» الذي بدأت مختلف الأطراف في لبنان الإستقواء به نظرا لتماسكه، ناهيك عن مسكه مفاصل السياسية الداخلية والخارجية، إضافة الى قربه من القوى السياسية التي لم تعد تجد أي همزة وصل مع الآخر سواهما.
مصدرٌ مطلع على وثيقة الطائف، أكد أن قرارت الوثيقة كانت جاهزة ومحضرة، وترك للبنان بابٌ صغيرٌ فيما خص الإصلاحات، في حين أن الإستشارات كانت ملزمة في البداية و في بنود محددة تندرج تحت خانة الاصلاحات وتحديداً في اللامركزية الموسعة، وتابع المصدر أنه في المضمون وفي الشكل يبدو أن لبنان لا يستطيع أن يحكم نفسه بنفسه ، والأدلة أكثر من واضحة على مدى صلابة وقوة سوريا في فرض الحكم وتقرير تسمية رئيس للجمهورية أو للحكومة في المرحلة السابقة.
المصدر نفسه أكد أن وثيقة الطائف لم تنشر ولم تُنشر محاضره حتى اليوم، و سأل المصدر عن السبب وراء عدم نشره ؟
وعلى أمل أن يتمسك الجميع في هذا الوطن بالدولة من أجل أن يبقى لبنان، وأن يعود كما كان وأفضل، تبقى الطائفية البغيضة حاكمةً للدولة التي انهارت بفعل تكريس دور حكام الطوائف وإبعاد المواطنية والتخلي عن مصلحة لبنان كدولة.