لبنان بين مسارَين لا تسوية ولا من يسوون، لكم دينكم ولي دين
علي كوثراني | كاتب وباحث لبناني
بخطوة البواخر، المقاومة، وبالمختصر، وباللبناني الدارج، “دَوبَلت” عن الكيان والدولة والحكومة وكل تحمله هذه الصِيَغ من تبعيةٍ للغرب.
أما ربط اتصال رئيسي وماكرون بتشكيل الحكومة، فهو ضربٌ من ضروب الوهم والخيال، وهو أيضًا تعبيرٌ عن آفةٍ كيانيةٍ لبنانيةٍ هي الهوس بالتسويات. هو ربطٌ ناتجٌ عن عقلٍ مريضٍ قاصرٍ عن فهم إيران والمقاومة وطبيعة العلاقة التي تربطهما وعن فهم مسألة التحرر بشكلٍ عام.
تشكيل الحكومة، كما كل شيء، لا يُفهَم إلا من خلال سياقه. الطوائف المحاصرة الجائعة صُدمت، كما الأمريكي، بهذه الخطوة، وشعرت، أي الطوائف، أن وزر الحصار كله سيقع على ما يرضخ، أي عليها. بينما بقيت المقاومة على المقلب الآخر أقل المتأثرين بالحصار، وها هي فوق ذلك تتحدى وتكسر عامودًا من أعمدة الهيمنة والتبعية في المنطقة.
هنا جاء التدخل الأمريكي السريع والمرتبك: وعودٌ خُلَّبيةٌ وأوهامٌ بالجملة، لا سيما فيما يخص الكهرباء والمحروقات والمساعدات، وحاضنةٌ رسميةٌ حاملةٌ لهذه الأوهام، أي الحكومة العتيدة.
هو قرارٌ أمريكيٌّ صرفٌ، أتى بعد طول عرقلةٍ، فقط للرد على الخطوة الجريئة التي افتتحت فعاليات كسر الحصار باستقدام البواخر. أما القصد، فهو قطع الطريق على اجتماع اللبنانيين حول كسر الحصار، ولا حتى من باب السكوت الذي قد يُفسَّر بالرضى. فالبواخر ليس الحل كما أمرت السفيرة.
أما دخول الطوائف في هذه الداومة، فلا يعني بالضرورة اقتناعها بوعود السفيرة، وإن كنا لا نُنزِّه عقول البعض عن ذلك. دخول الطوائف في هذه الدوامة هو في غالبه تعبيرٌ عن شعور هذه الطوائف بالعجز والرهبة أمام الأمريكي، وعن أطماعٍ كيانيةٍ مجهريةٍ كالصراع على آخر القروش الباقية والطموحات الانتخابية السخيفة، وعن محاولةٍ من الطوائف لكسب بعض الوقت لعل وعسى وعلى مبدأ نادرة جحا والملك والحمار.
الحقيقة أن المقاومة لم تعدْ تكترث بالوضع الحكومي الذي “عبَّرت مؤخرًا” عن يأسها منه، إذ شقت لها مسارًا مختلفًا. يكفي النظر إلى طبيعة الشخصيات التي تم توزيرها في هذه الحكومة، لا سيما أؤلئك الذين يحسبهم البعض على المقاومة.
في لبنان الآن مسارين لا ثالث لهما: أولهما الحصار وما يندرج تحته من حكومةٍ للتغطية على العروض الشرقية الحقيقية بالأوهام تبدأ بالمساعدات وتنتهي بالشام الجديد، وثورةٍ غب الطلب للمزيد من الضغط، وأشياء أخرى بالأمن وبغيره. وثانيهما بداية تشكُل جبهةٍ لكسر الحصار.
فلا تسوية ولا من يسوون. لكم دينكم ولي دين.