كمال ذبيان | كاتب وباحث سياسي
لم يعد بامكان لبنان ان يحتمل تسويات، وهو قام عليها كياناً ونظاماً، فاما هو دولة مكتملة بذاتها، تنتمي الى وطن هو من صناعة ابنائه، او هو مولود غير شرعي سماه الجنرال الفرنسي المستعمر هنري غورو، «دولة لبنان الكبير»، وقد خضع لتجاذبات لبنانية داخلية، بين مؤيد له، لا سيما لدى المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً، بان «لبنان الكبير» قام من اجلهم، وكانوا لا يريدونه مع الاقضية التي ضمت اليه، في وقت كان رفض لبناني وازن، لانسلاخ لبنان عن سوريا بما هي «بلاد الشام» في التكوين الجغرافي، والنشوء التاريخي، والدورة الاقتصادية الواحدة.
فلبنان الذي نشأ كدولة مطلع ايلول 1920، يتخبط في ازمات، هي ناتجة عن ازمة اساسية وجودية، مرتبطة بالهوية والنظام، ولم تمنع التسويات التي حصلت منذ قرن، في ان يتم اتفاق لبناني حولهما بالرغم من ما سمي «صيغة العيش المشترك» وما عُرف «بالميثاق الوطني» بين شخصيتين سياسيتين بشارة الخوري ورياض الصلح، سارا في فلك السياسة البريطانية، ضد الكتلة الوطنية برئاسة اميل اده الذي كان يوالي فرنسا ووجودها في لبنان، ونصّبته رئيساً للجمهورية، لكن البريطانيين نجحوا في ان يزيحوا الفرنسيين، ويكون لهم نفوذ في لبنان عبر الثنائي الخوري ـ الصلح، حيث ارتضى الاول بلبنان ذو وجه عربي، والثاني بالانفكاك عن المطالبة بالوحدة السورية او العربية.
هذه التسوية يتم استحضارها، في اشارة الى انها لم تعمّر، وانفجرت اول ازمة في لبنان، مع محاولة بشارة الخوري التجديد لعهده في رئاسة الجمهورية، فحصل التزوير في الانتخابات النيابية عام 1947، وبدأ النظام الطائفي يهتز، وفق مرجع سياسي مخضرم يشير الى ان الثنائية المارونية ـ السنية في الحكم، انفك عراها في الممارسة، مع شعور السُنة بانهم ليسوا شركاء في السلطة، ودخل النظام السياسي في اول اختبار في العام 1952 في «ثورة بيضاء» ضد عهد بشارة الخوري، ثم ثانية في العام 1958 وكانت حمراء، ضد عهد كميل شمعون، لتتوالى الازمات والحروب الداخلية، التي تشعلها احيانا مشاريع خارجية، وتحالفات مع قوى سياسية لبنانية، كما في صراع نفوذ على لبنان، واستخدام ساحته في حروب امم ومصالحها.
فاستحضار هذه الوقائع والاحداث ولو باختصار، للاشارة، الى ان لبنان الذي قام على التسويات وانشأ نظاما سياسياً اعتمد فيه على الطائفية، ولم يعد قابلاً للحياة، وهو بات في «موت سريري»، وكل شيء فيه انهار، حتى القضاء، دخل في النزاع السياسي عليه، وما حصل في موضوع التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، والخلاف الداخلي حوله، وتعطيل عمل الحكومة، ثم حصول احداث الطيونة ـ عين الرمانة، والروايات المتناقضة حولها، وامتناع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من التوجه الى مديرية مخابرات الجيش للاستماع اليه، في ما حصل في الطيونة، والتفاف قواتي حوله في مقره في معراب، كلها اشارات سلبية تحقن الشارع نحو انفجار، اذ تعم الكراهية صفوف غالبية اللبنانيين، في توجه الى انهم يقتربون من الصدام، اذا ما صدر القرار الخارجي.
ومحاولة البطريرك الراعي، انتاج تسوية ما، لما جرى في الطيونة، وللتحقيق في تفجير مرفأ بيروت، انما هو تأجيل للازمة التي وضع صاعق تفجيرها داخلياً.