لبنان إلى حالة الطوارئ العامة ؟
كنب عمر معربوني الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية: بحسب المادّة رقم 1 من المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5/8/1967 تُعلن حالة الطوارئ او المنطقة العسكرية في جميع الأراضي اللبنانية او في جزء منها:
1- عند تعرض البلاد لخطر مداهم ناتج عن حرب خارجية او ثورة مسلحة او اعمال او اضطرابات تهدد النظام العام والامن او عند وقوع احداث تأخذ طابع الكارثة.
2- كما تشير المادة 2 من المرسوم الاشتراعي 52 الى :
- تعلن حالة الطوارئ او المنطقة العسكرية بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء على ان يجتمع مجلس النواب للنظر بهذا التدبير في مهلة ثمانية أيام وان لم يكن في دور الانعقاد.
3- كما تشير المادة 3 من المرسوم نفسه الى :
- تتولى السلطة العسكرية العليا صلاحية المحافظة على الامن وتوضع تحت تصرفها جميع القوى المسلحة ويفهم بذلك قوى الامن الداخلي والامن العام والجمارك ورجال القوى المسلحة في الموانئ والمطارات ومخافر الاحراج وفي وحدات الحراسة المسلحة ومفارزها بما فيهم رجال الإطفاء وتقوم هذه القوى بواجباتها الأساسية وفقا لقوانينها الخاصة وتحت امرة القيادة العسكرية العليا.
4- تختار السلطة العسكرية العليا, بقرار بعض العناصر من هذه القوى لتكليفها بمهام خاصة تتعلق بالعمليات الحربية والامن وحراسة النقاط الحساسة وعمليات الإنقاذ, فتصبح عندئذ خاضعة للقوانين المعمول بها في الجيش فيما يتعلق بأنظمة الانضباط, وفي هذه الحالة تستفيد هذه العناصر من تعويض مباشرة العمليات الحربية المنصوص عنها في قانون الجيش .
بالنظر الى مضمون المادّة رقم 1 نجد أنّ لبنان في وضعه الحالي يحتاج وبشدّة الى الدخول في حالة الطوارئ العامة ، فلبنان منذ سنة ونصف تقريباً دخل مرحلة استثنائية في تاريخه ككيان سياسي سواء لجهة الاضطرابات التي تهدد النظام العام او لجهة وقوع احداث تأخذ طابع الكارثة .
والسؤال هنا : هل يمكن اعتبار نتائج تدابير المصارف وما نتج عنها من ارتفاع مخيف في سعر صرف الليرة اللبنانية وما ينتج عن جائحة كورونا وتدّني القيمة الشرائية للبنانيين ونتائج انفجار مرفأ بيروت احداثاً تأخذ طابع الكارثة ؟
الجواب الطبيعي والمنطقي هو نعم ، فماذا ننتظر بعد ليدخل لبنان في التوصيف القانوني مرحلة الكارثة ؟
لكننا ورغم ما يمر به لبنان لم تصل الحكومة الى مرحلة الاعتراف العملي بالكارثة وخصوصاً منها المتعلق بالكارثة الاقتصادية والمالية وبقيت حالة الطوارئ العامة تتأرجح كمواد قانونية بين التجاذبات والسجالات السياسية المعتادة ما يؤشر الى دخول لبنان مرحلة اكثر سوءاً وكارثية .
في البعد الاقتصادي وهو البعد الذي يلامس معيشة اللبنانيين ويهددهم بمزيد من الرزوح تحت خط الفقر لا تزال القوى السياسية المختلفة أسيرة نظرية الاقتصاد الحرّ التي سقطت سقوطاً مريعاً مع انفجار مرفأ بيروت ولم تتجرأ هذه القوى بعد على مجرد التفكير بإجراءات تحدّ من التدحرج نحو قعر الهاوية وتُنقذ ما يمكن إنقاذه .
في المواد القانونية ليس هناك ما يُشير الى تفاصيل في كيفية معالجة الكوارث الاقتصادية والوبائية وتُرك الأمر للاجتهاد الموضعي ببعده الزمني أي وقت وقوع الكارثة .
ولأن للأزمة الاقتصادية جذور لا يمكن قلعها بسهولة بسبب التوازنات الطائفية والمذهبية القائمة .
حتى اللحظة لا حلول شافية على الطريق والسلطة تستجدي رضى صندوق النقد الدولي والتوجه شرقاً كحل للخروج من الكوارث لا يجد إجماعاً ولا حتى مجرد ابداء الرغبة في مناقشة التوجه نحو الشرق .
اما والحال كما هو معروف فلن نتأخر كثيراُ في الدخول في مرحلة شديدة الخطورة وما هو مندرج ضمن التجاذبات السياسية لا يمنع الذهاب الى بعض الإجراءات التي تخفف من حدّة دخولنا في الكارثة وعلى رأس قائمة هذه الإجراءات الغاء الوكالات الحصرية وتحرير الاستيراد من عنق مافيات الجشع ، ففي البعد القانوني وبالرجوع الى مضمون المادة 1 من المرسوم الاشتراعي 52 نحن في قلب مجموعة من الكوارث الموصوفة وليس في قلب كارثة واحدة .
علماً بأنه سيكون لإلغاء الوكالات الحصرية نتائج جيدة تحسّن من القدرة الشرائية للبنانيين سواء كان ذلك مرتبطاً بغذاء اللبنانيين او بصحتهم .
وعلى سبيل المثال لا الحصر سأورد مثالاً لما تُمكن ان تكون عليه النتيجة بالمقارنة بين سعر دواء واحد تعطيه وزارة الصحة للمرضى مجانا وهو دواء تركيبته العلمية هي ريتوكسيماب – rituximab ، هذا الدواء موجود في لبنان بأربعة أسماء تستورده اربع شركات معروفة ولديها عقود مع وزارة الصحة ولكنها تمتنع اغلب الأوقات عن تسليمه بحجج مختلفة لتعود وتبيعه للمرضى في السوق السوداء بأسعار خيالية .
هذا أمر ، والأمر الثاني يرتبط بسعر الدواء حيث نجد استناداً للائحة أسعار وزارة الصحة للدواء نفسه أربعة أسعار ، فسعر الشركة السلوفينية هو الأغلى حيث يبلغ سعر الدواء مليونين و700 الف ليرة لبنانية ، في حين ان وكيلي الشركتين السويسرية والألمانية يبيعونه بمليون و732 الف ليرة لبنانية في حين ان وكيل الشركة الإيرانية يسلم الدواء نفسه ب 870 الف ليرة لبنانية فقط بفارق خيالي عن باقي الشركات .
هذا المثال ليس الهدف منه الترويج للدواء الإيراني بقدر ما هو إشارة الى كيفية تحكُّم التجار بغذاء ودواء اللبنانيين .
وما ينطبق على الدواء ينطبق على حليب الأطفال وغالبية المواد الغذائية الرئيسية .
ختاماً : اليس ما نعيشه يستوجب على السلطة الذهاب وبسرعة الى إجراءات تحمي اللبنانيين ولقمة عيشهم ودواءهم ؟
نحن اكثر من أي وقت مضى نحتاج الى حالة الطوارئ عامّة حقيقية وليس مجرد حالات طوارئ تخديرية لا تقدم ولا تؤخر .