كارنيك سركيسيان | باحث في الشؤون الإقليمية .
رؤيا تحقيق “الإتحاد المشرقي” هي ثمرة بحث إستراتيجي معمق قام به “مركز الأبحاث الإستراتيجية لأرمينيا الغربية” منذ عام ٢٠١٦ وقد تم تضمين لمحة عنها في الباب السابع من الكتاب الصادر في بيروت بداية عام ٢٠٢٠ عن نفس مركز اﻷبحاث بعنوان “أرمينيا الغربية: مفتاح السيادة واﻷمن والإستقرار في الشرق اﻷوسط”. هذه الرؤيا هي حاجة إستراتيجية بعيدة المدى بالنسبة لكافة الشعوب واﻷمم في منطقة الشرق اﻷوسط، وتهدف إلى وضع نهاية للأطماع الغربية في المنطقة، وتحصينها أمنياً وإقتصادياً وثقافياً.
فاجأنا المقال الوارد في موقعكم الموقر، بقلم الباحث السوري في الشؤون السياسية السيد حيّان نواف المحترم بتاريخ ٢٤ آذار ٢٠٢١، بعنوان “بعنوان مشروع الشام الجديدة وإتفاقية الدفاع اﻷميركية اﻷردنية”.
كان متوقعاً أن تبادر القوى المعادية للمنطقة بالتصدي لمثل هذا المشروع ومحاولة إفشاله بشتى السبل والوسائل، بما فيها محاولة تشويهه من خلال تقديمه على أساس أنه مشروع أميركي-صهيوني، محققة بذلك هدفين رئيسيين وهما إغتيال المشروع قبل ولادته من جهة وضرب إسفين الشك بين دول المنطقة والمبادرين اﻷصيلين للمشروع وهم أرمن أرمينيا الغربية المحتلة من قبل النظام التركي من جهة أخرى. ولكن المفاجأة كانت في سرعة تصرف القوى المعادية لمنع إنتشار مثل هذه المشاريع الإقليمية التي تتعارض كلياً مع المشروع الصهيوني-الطوراني. ما يثبت أن رؤيا تأسيس “الإتحاد المشرقي” هي رؤيا صائبة، ومرعبة بنفس الوقت بالنسبة للقوى المعادية إلى درجة وجوب قتلها فوراً قبل أن تتحول إلى حقيقة.
من الطبيعي أننا لا نلوم السيد حيان نيوف المحترم بل نشكره للفت إنتباها إلى هذا التحرك اﻷميركي المفضوح، وفتح أمامنا المجال لتقديم رؤيانا الخاصة بمشروع “الإتحاد المشرقي” كما ورد في الباب السابع من كتابنا المذكور أعلاه والذي نود إرفاق نصه الكامل هنا للتوضيح ومنع التشويه.
كتاب “أرمينيا الغربية: مفتاح السيادة واﻷمن والإستقرار في الشرق اﻷوسط”
الباب السابع: ماذا بعد تحرير أرمينيا الغربية وكيليكيا
ضمن ظروف النظام العالمي الإنتقالي الحالي، العاجز عن تطبيق القوانين الدولية بحكم التشويه الجزئي الذي لحق بالمؤسسات الدولية، تقول التجربة العملية أن الحقوق والمعاهدات غير كافية لتطبيق العدالة، وخاصة فيما يخص الشعوب المظلومة والمضطهدة. في ضوء هذه الحقيقة، فإن الأمل الوحيد بالنسبة لحصول أرمينيا الغربية المحتلة على كافة حقوقها يكمن في واحدة، أو كلا الحالتين التاليتين:
الأولى: أن تفضي الحرب الكونية الحالية لإنجاز نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب قائم على إحترام القانون الدولي، يأخذ على عاتقه مهمة إصلاح المؤسسات الدولية وتفعيل آليات جديدة لتطبيق القانون وحقوق كافة الأمم والشعوب.
الثانية: أن يحصل توافق دولي (أو إقليمي إن تعذر الدولي) ومصلحة مشتركة في إدانة تركيا عن جرائمها السابقة والحالية، ووجوب إعادة هيكلتها وفق معاهدة سيفر وإعلان إستقلال كيليكيا، بإعتبار تركيا دولة فاشلة فاقدة لمتطلبات الإستمرار في المجتمع الدولي بتركيبتها الحالية، كأداة للمشروع الطوراني وضرب إستقرار المنطقة ورعاية الإرهاب الدولي.
سقط مشروع النظام العالمي أحادي القطب، ولا يلوح في الأفق أي أمل لعودته، إلا في حال تطورت الأحداث ووقع المحظور بإندلاع حرب عالمية موسعة ومدمرة تخلط الأوراق وربما تقلب موازين القوى الحالية. هذا ربما ما كانت تصبو إليه الجهات التي تقف وراء المغامرة الأميركية الأخيرة التي أدت لإغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. برأينا أنه تم توريط الطرفين في هذه الأزمة أملاً في إندلاع شرارة مواجهة عسكرية كبرى بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية تتحول إلى حرب عالمية شاملة. الطرف الإيراني يبدي عقلانية مسؤولة ويعمل على إحباط المخطط وعدم الإنزلاق في مواجهة مباشرة مع إحتفاظه بحق الرد المناسب لحجم العدوان.
دول مثل تركيا و”إسرائيل” ومن تستخدمهما ستكون، المستفيدة الوحيدة لإندلاع مثل هذه الحرب، ليس لأن نتائجها محتومة، بل لأن البديل عنها هو الخسارة الحتمية.
من الخطأ بمكان الظن أن العالم أحادي القطب ستكون قيادته بيد الولايات المتحدة الأميركية. هي ستكون الواجهة والعصا الضاربة، بينما القيادة الحقيقية ففي مكان آخر.
لماذا تُشن الحروب وتُسقط أنظمة حكم في العالم بقوة السلاح بحجة “نشر الديمقراطية”، بينما تتخذ القرارات المصيرية، التي ممكن أن تقتل الملايين من الشعوب الأصيلة وتدمر منطقة مهمة من العالم وتعود بها قرن إلى الوراء، في أكبر دولة ديمقراطية من قبل ثلاثة أشخاص خارج الأطر الناظمة، ليس فقط في المؤسسات الدولية بل في تلك الدولة ذاتها. لماذا يتم رفض إمتلاك التكنولوجيا الذرية عن دول مثل إيران وكوريا الشمالية بسبب أنظمتها “الشمولية والغير ديمقراطية”، بينما الخطر الأكبر يأتي من أكبر الدول “ديمقراطيةً”..؟
الجواب على كل هذه الأسئلة والهواجس يأتي بضرورة إنشاء تكتل مشرقي يضم أمم وشعوب المنطقة على أساس أستراتيجي – أمني – إقتصادي يملك قوة الردع وقدرة فرض نفسه كعضو مؤثر في المجتمع الدولي ويشارك بفعالية في وضع أسس النظام العالمي الحقيقي والفاعل في المستقبل.
تحتاج منطقة الشرق الأوسط إلى تكتل متجانس له رؤية موحدة لجهة صون وحماية السيادة المطلقة فيها ، وتحصين نفسها أمنياً وأقتصادياً، وبالتالي سياسياً واستراتيجياً. وكلمة السر في هذا التكتل هي “متجانس” بكل ما لها من معنى. من دون تكتل مماثل لا ضمانة أن لا تتكرر عمليات استفراد كل أمة على حدى، ولو بعد حين.
* * *
الولايات المتحدة الأميركية بحاجة إلى ثلاثة أدوات في المنطقة كي تكون قادرة على استخدام آلتها العسكرية الضخمة، وهي تركيا و”إسرائيل” ومن بعدهما دول الخليج. لم تعد مسرحيات “العداء” التركي – “الإسرائيلي” تنطوي على أحد اليوم، ولا الكباش المصطنع بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا. رأينا كيف تكالبت كلها ضد القرار السوري السيادي بعد تحريرها لمدينة سراقب الإستراتيجية.
في ضوء هذا الواقع، إن أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط لن يتحقق قبل تحجيم وتفكيك دور الأدوات الثلاثة، وخاصة الأداتين الأهم، لأن الثالثة هي تحصيل حاصل. وإذا كانت المواجهة مع إسرائيل دونها عقبات، حتى وهي في أضعف حالاتها، بفعل إمتلاكها للسلاح النووي والدعم السياسي المطلق من قبل قسم مهم من الغرب، تبقى تركيا اليوم هي الحلقة الأضعف وسقوطها سيكون له مفعول الدومينو على كلٍ من “إسرائيل” والخليج المرهون للخارج.
الظروف السياسية الإقليمية والعالمية الحالية مناسبة بشكل منقطع النظير لجهة إمكانية تحجيم وتفكيك الدور التركي، لأسباب عدة نذكر أهمها:
• تركيا اليوم تفتقد للغطاء الدولي بعد إنكشاف دورها في رعاية وإدارة أبشع أنواع الإرهاب الدولي. حتى حلفائها ومشغليها لن يجرؤوا على تأمين الغطاء لها حتى ولو رغبوا، كذلك “شهر العسل” الذي تتشبث به تركيا مع موسكو ليس مضمون استمراره لكون تركيا عاجزة عن تحقيق شروطه.
• التخبط التركي جعلها ترتكب جملة من الأفعال الخارقة للقانون الدولي، ولا يمكن لمشغليها تغطية مخالفاتها إلى الأبد.
• هناك جملة من المعاهدات والإلتزامات الدولية الغير منفذة بخصوص أرمينيا الغربية وكيليكيا والتي لم يعد بالإمكان تجاهلها والتعتيم عليها، خاصة مع وجود تكتل سياسي أرمني قوي (أرمن أرمينيا الغربية في المهجر) ينشط اليوم بشكل تصعيدي.
• هناك عامل مهم لا أحد يعيره أي إهتمام اليوم، وهو الأرمن المتواجدين على الأراضي المحتلة (أرمينيا الغربية) والذي يصل عددهم اليوم إلى ما لا يقل عن ١٥ مليون أرمني متخفين كمسلمين أكراد وأتراك ولكنهم منظمين ومسلحين وينتظرون الوقت المناسب. هذا العدد لا يأخد بالحسبان العلويين الظاظا وعددهم اليوم يفوق ٢٥ مليون، حيث نسبة لا بأس به منهم بات يلوح بأصوله الأرمنية…!
• تورط تركيا في دخول الأراضي السورية سيجعلها عاجلاً أم آجلاً عرضة لمقاومة شرسة ستؤدي بها إما للدخول في صدام مع مجمل محور المقاومة في المنطقة، سيشارك فيها أرمن أرمينيا الغربية حتماً، وتخسر “حليفيها” الروسي والإيراني. أو أنها ستندحر وتتكسر هيبة قواتها المسلحة الأمر الذي سيخلق لها مشاكل داخلية جدية في قدرتها على مواجه كفاح تحرري من الداخل من قبل الأرمن وغيرهم. مع الأخذ بعين الإعتبار أن المشروع الطوراني يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي والصيني والإيراني على حدٍ سواء. (شمال غرب إيران يعتبر جنوب أذربيجان حسب المشروع الطوراني)
إن تحجيم تركياً من حيث مساحة الأراضي التي ستعود للأرمن وللأكراد سيضعف مكانتها وتأثيرها في المنطقة، ولكن ليس هذا فقط ما سيشلّها ويجعلها عاجزة عن لعب أي دور عدائي تجاه المنطقة لفترة لا تقل عن مائة عام. ففي عام ٢٠١٥ وبمناسبة الذكرى المئوية للمجازر التي تعرض لها الشعب الأرمني، قامت الهيئة التأسيسية للمجلس الوطني اﻷعلى لأرمينيا الغربية بحساب التعويضات المالية المترتبة على تركيا وفق معايير الأمم المتحدة والمعاهدات ذات الصِّلة، فبلغت هذه التعويضات ١٢،٦ ترليون يورو ستضع تركيا تحت دين لا يكفي كامل مخزونها الوطني لتغطية جزء منه.
من جهة أخرى، ستقوم دولة أرمينيا الغربية بعد إستقلالها باستثمار جزء يسير من هذه التعويضات في مشاريع إنمائية على مستوى المنطقة بأكملها وليس فقط في تنمية إقتصادها الوطني. وهذا ما سيساهم في ترسيخ الأمن والإستقرار الجماعي لمنطقة مهد الحضارة الإنسانية بأكملها.
كثيرة هي المعلومات الغائبة عن الرأي العام العربي، وحتى الأرمني، فيما يخص قضية أرمينيا الغربية ومنعكسات عودتها لشغل مكانتها في أسرة المنطقة، والأسرة الدولية بشكل عام.
عندما يتم تناول قضية عودة أرمينيا الغربية مع حقوقها بالجدية المطلوبة، تصبح قضية إعادة إحياء معاهدة سيفر للسلام لا مفر منها، ولو بتعديلات إن إقتضي الأمر. وبذلك تجد بعض المشاكل العالقة الأخرى في المنطقة حلولا قانونية، مثل حق الأكراد في تقرير مصيرهم في المنطقة الواقعة بين الحدود الدولية السورية وحدود أرمينيا الغربية (معاهدة سيفر البنود ٦٢، ٦٣ و٦٤).
أما الشعوب الأخرى، مثل الآشوريين، السريان، الكلدان والإيزيديين، والتي حولهم الإستعمار الغربي إلى “أقليات عرقية ودينية”، سيستعيدون هويتهم القومية كشعوب أصيلة في المنطقة وسيتمتع من يرغب منهم في العيش ضمن حدود أرمينيا الغربية بكافة حقوقهم كأصيلين لا فرق بينهم وبين باقي السكان (حسب ما يقتضيه البند٩٣ من معاهدة سيفر من حيث ضمان دولة أرمينيا الغربية لهذه الحقوق). وبهذا يتم وضع نهاية لمشكلة الهجرة إلى الخارج وتبقى هذه الشعوب على أرض لهم فيها جذور ولا شيء يغريهم أو يرغموهم على الرحيل والهجرة.
بتاريخ ٣٠ أكتوبر ٢٠١٨، أي في الذكرى المئوية لإتفاقية الإستسلام العثماني أمام دول الحلفاء في بلدة مودروس Armistice of Mudros 30 October 1918 ، وكترجمة عملية لإلتزام أرمينيا الغربية الوارد في البند ٩٣ من معاهدة سيفر،تم في مدينة بيروت التوقيع على البيان التأسيسي الأولى لإنشاء المجلس الوطني الشامل لكيليكيا، بمبادرة من المجلس الوطني لأرمن كيليكيا ومجموعة واسعة من القوى العربية والسريانية والآشورية في لبنان وسورية وأنطاكية، إيذاناً بإنطلاقة الكفاح الوطني الجامع لتحرير كيليكيا من نير الإحتلال العثماني. تلك كانت البداية، وسيشهد عام ٢٠٢٠ تكثيف العمل الكفاحي على الأرض.
الأرمن الذين دخلوا الدين الإسلامي مرغمين خلال حقبات مختلفة من الزمن، ستكون لهم حرية أختيار عقيدتهم ولن يُرغم أحد على تغيير دينه، فالمواطنون الأرمن في أرمينيا الغربية ستكون هويتهم القومية مصانة ومكفولة في دستور البلاد بغض النظر عن إنتمائاتهم الدينية. فدولة أرمينيا الغربية ستكون دولة علمانية بإمتياز. ستعطي كل التسهيلات لكافة الأديان ولكن شريطة ألّا يدخل الدين في شؤون الدولة، من مبدأ الدين لله والوطن للجميع.
قادة أرمينيا الغربية يرون منطقة الشرق الأوسط بعد تحرير أرمينيا الغربية وكيليكيا، منطقة قوية ومستقرة بشعوبها الأصيلة ودولها القوية التي يجب أن تتوافق لتشكيل نوع من الإتحاد الإستراتيجي الإقتصادي والأمني تربط بينها إتفاقيات دفاع مشترك ومشاريع تنموية مشتركة ضمن خطة تكامل إقتصادي وأمني يضمن لها حضور لائق في عالم المستقبل. هذا الإتحاد يمكن أن يبدأ بين كلٍ من أرمينيا الغربية، كيليكيا، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الجمهورية العربية السورية، العراق، لبنان، فلسطين والأردن. كما يمكن أن تنضم إليه مصر واليونان وقبرص الموحدة. أما ما يتبقى من تركيا، فلها حرية الإنضمام في حال استجابت للشروط التي ستضعها الدول المؤسسة للإتحاد. كذلك الأمر بالنسبة “لإسرائيل” بعد إقامة دولة فلسطين الديمقراطية، وتخليها عن نزعتها الصهيونية واستجابت لشروط الإنضمام.
إتحاد كهذا سيضم من ٣٠٠ إلى ٣٥٠ مليون نسمة، بمساحة من ٣,٥ مليون إلى ٤,٢ مليون كم٢ تضم خمسة بحار (المتوسط، الأسود، قزوين، الأحمر والخليج)، وجيوش وطنية متطورة وذات خبرة يصل عديدها مجتمعة إلى عدة ملايين مدعومة بالإعتماد الذاتي لإنتاج حاجتها من الأسلحة المتطورة،. يبقى أن يتم تبنى خطط إقتصادية متكاملة قوامها التكنولوجيا والزراعة والسياحة والصناعات بكافة أشكالها وخاصة القائمة على التقنيات الحديثة، التي يمكن لأرمينيا الغربية لعب دور محوري فيها.
كان هذا تلخيص لما يخص المنطقة والجوار. أما فيما يهم المجتمع الدولي، فإن دولة أرمينيا الغربية لن تدخل في أية أحلاف سياسية. بالمقابل هي ستشارك، وحتى ستقوم بمبادرات لإنشاء تجمعات إقتصادية، ثقافية وتنموية، تساعد على جعل كامل المنطقة ساحة لتلاقي المصالح الدولية وليس لإختلافها وتصادمها. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال إنشاء مشاريع عصرية دولية في المنطقة تفسح في المجال لشراكة حقيقية للكفاءات والخبرات والمعارف مقابل تقاسم عادل للمكاسب الناتجة.
أرمينيا الغربية لن تكون ممراً أو مقراً لأية قوة ضد أخرى في العالم، وبتضافر الجهود والنيات الحسنة مع دول الجوار يمكن لهذا المبدأ أن يعم المنطقة بأكملها، مما سيؤدي إلى أن تكون من مصلحة القوى العظمى الحفاظ على هذه الصيغة الجديدة في الشرق الأوسط أوالمشرق الحديث، وليس العكس كما كان لقرن مضى.
في النهاية، آن الأوان للقوى العالمية التي سعت لعقود إلى ترسيخ النظام العالمي أحادي القطب، لتعي أن مشروعها غير قابل للتطبيق، وحتى لو نجحوا بتطبيقه فلا حظوظ له بالحياة والاستمرار. عليها أن تعي أيضاً أن الزمن قد تغيير، وأن زمن المستعمرات وفرض الإرادات بالأساطيل والقوة العسكرية قد ولى. هذا عصر التكنولوجيا، حيث فتىً صغير بإمكانه اليوم دخول الأنظمة الإلكترونية لأضخم الدول في العالم والعبث بمصيرها. حتى الأرمن، في حال لم تثمر جهودهم في تحرير أرمينيا الغربية عن طريق القانون الدولي، ليسوا بحاجة اليوم لمنظمات مثل الجيش الأرمني السري لتحرير أرمينيا طالما أن البر والبحر والسماء أصبحت مكشوفة ومفتوحة أمام العلم والعقل المبدع.
الأرمن وكافة شعوب المنطقة ليسوا ممن يهوون عداء أحد في العالم، بل جل ما يطلبوه هو رد العدوان الخارجي والتطاول على السيادات والإرادات الحرة.
أرمينيا الغربية ستسعى دوماً لنسج أفضل العلاقات الثنائية والتعاون المثمر في كافة المجالات مع جميع دول العالم، مع أفضلية لا جدال فيها للدول والأمم التي لم تعتدِ قط على مصالح شعوب المنطقة، والتي على العكس من ذلك وقفت إلى جانبها عند المِحَن.
إن الإدارة العالمية المركزية مطلوبة، ولكن ليس وفق صيغة “الحكومة العالمية الواحدة” التي تقودها “نخبة” من الناس، بل ضمن صيغة منظمة الأمم المتحدة بعد إدخال إصلاحات جذرية عليها تمكنها من القيام بدورها وفق المبادئ الأساسية لإنشائها وجميع المعاهدات والإتفاقيات والقوانين الدولية التي تكفل سلامة العلاقات الدولية وأمن البشرية جمعاء، كما تمنع حل الخلافات عن طريق الحروب وتسلط الدول القوية على الضعيفة منها، وتضع أسس إقتصادية تحد من الإحتكارات الدولية ومبدأ العقوبات الإقتصادية البربرية أحادية الطرف، التي تنافي مبادئ حقوق الإنسان والمبادئ المؤسسة للقانون الدولي والوثائق والإعلانات العالمية وقيم الحضارة البشرية، وتستبدلها بتشجيع التكامل الإقتصادي الدولي من أجل إزدهار البشرية وتطوير الحضارة الإنسانية متعددة الثقافات، على أساس إعتبار البشرية عائلة واحدة على الكرة الأرضية، كما يراها المفكر الأممي والشاعر الأرمني الكبير واهان تيكيان (أحد أعضاء الوفد الوطني الأرمني في مؤتمر باريس للسلام ١٩١٩).