نشأت مسلماً في دولة ذات أغلبية مسلمة، وقضيت معظم أيام الجمعة بعد الظهر في مسجد، وأحضر صلاة الجمعة. الجزء الأول من صلاة الجمعة يقوم الإمام بالقاء خطاب – وهو خطاب أسبوعي نوعاً ما. وفي واحدة من تلك الخطب علمت كصبي صغير جدًا، عن محنة الفلسطينيين لأول مرة.
في الواقع ، إنها ممارسة شائعة بين الأئمة في جميع أنحاء العالم لإثارة القضية الفلسطينية في المساجد ، خاصة خلال خطب الجمعة ، والدعاء من أجل الشعب الفلسطيني.
في تلك الصلوات والمناقشات ، يظهر اسم “إسرائيل” لا محالة. في الواقع ، لا يحمل اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين أي غموض في الأفكار الإسلامية. وبالتالي فإن إدانة إسرائيل تأتي بشكل طبيعي للمسلمين في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك ، فإن ما يفلت من الوعي لدى جميع المسلمين تقريبًا هو العلاقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. بينما ينتقد المسلمون إسرائيل بحماسة لفظائعها ، غالبًا ما يقدسون المملكة العربية السعودية باعتبارها الوصية على أقدس الأماكن الإسلامية في تجاهل تام لدور المملكة في تأسيس الدولة الصهيونية في المقام الأول.
على الرغم من وجود تحيز عميق الجذور ضد إسرائيل بين المسلمين ، فمن المهم أن ندرك أن عدم انتقاد المملكة العربية السعودية ، إلى جانب إسرائيل ، لا يأتي من التحيز. في الواقع ، هذا الغياب لا يجد جذوره في التحيز ، بل في الافتقار الكامل للمعرفة. المعرفة بين الجيل الحالي من المسلمين ، وكذلك بين سكان العالم ، حول كيف لعبت المملكة العربية السعودية وملكها المؤسس، عبد العزيز بن سعود ، دورًا حاسمًا في إقامة دولة إسرائيل الصهيونية.
يكفي أن نقول إن هذا الجهل بأحدى أكثر الفترات خطورة في تاريخ العالم يبدو غير طبيعي البتة. من المثير للدهشة أن العالم ، وخاصة العالم الإسلامي، ظل في الظلام حول هذا الفصل الهام في تاريخ الشرق الأوسط. تتفشى الدعاية والإغفالات في الحسابات التاريخية لهذه الفترة.
المصادر الرسمية السعودية مثل موقع بيت آل سعود ، على سبيل المثال ، تتجنب أي ذكر لتورط بريطاني في تأسيس المملكة العربية السعودية. على الرغم من أن هذا الإغفال يبدو متوقعًا للكثيرين ، إلا أنه من الجدير بالذكر أنه حتى وسائل الإعلام الرئيسية مثل بي بي سي ، والمؤرخين البارزين مثل البروفيسور يوجين روغان وما إلى ذلك ، يصورون بشكل روتيني ابن سعود على أنه تصرف بشكل مستقل خلال الحرب العالمية الأولى ، وليس كأداة للإمبراطورية البريطانية.
لذلك ، مع الاعتراف بالطبيعة الخلافية للمسألة – ولتجنب أن تصبح “وجهة نظر” أخرى حول الموضوع – تعتمد هذه المقالة فقط على الأدلة الأولية المصدر والأطروحات والإعلانات الرسمية الأربعة التالية لتجميع وصف دقيق تاريخيًا للأحداث:
مراسلات مكماهون – حسين
معاهدة دارين
اتفاقية سايكس بيكو
وعد بلفور
لفهم الأحداث التي أدت إلى إنشاء كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية بشكل صحيح ، يجب علينا العودة إلى الشرق الأوسط في أوائل القرن العشرين.
1. مراسلات مكماهون – حسين
عند اندلاع الحرب العالمية الأولى في المنطقة ، عرض هنري مكماهون ، المفوض السامي البريطاني في مصر آنذاك على “حسين بن علي” شريف الحجاز (أو حاكم الحجاز – المنطقة العربية الغربية التي تقع فيها مكة والمدينة) دولة عربية مستقلة نظير مساعدة البريطانيين في محاربة الإمبراطورية العثمانية.
تقارب اهتمام الشريف حسين بالتخلص من حكامه الأتراك مع هدف الحرب البريطاني بهزيمة العثمانيين. قدم مكماهون هذا العرض عبر سلسلة من الرسائل المتبادلة بينه وبين الشريف حسين ، والمعروفة مجتمعة باسم مراسلات مكماهون-حسين. في 14 يوليو 1915 في رسالته إلى مكماهون ، ذكر حسين ، من بين أمور أخرى ، ما يلي كأحد مقترحاته:
-شدد الحسين على وجوب تحديد منطقة الاستقلال العربي لأنها للشعب العربي كله لا لشخصه. جاء ذلك في مذكرة بتاريخ 14/7/1915 أرسلها عبد الله باسم أبيه الشريف حسين إلى مكماهون، وفيها مطالبة باسم الأمة العربية باعتراف بريطانيا باستقلال البلاد العربية المشتملة على سورية الكبرى (وفيها فلسطين ولبنان)، والعراق، جنوبه وشماله، وجميع الجزيرة العربية (ما عدا عدن التي كانت آنئذ مستعمرة بريطانية). وأكدت المذكرة أن العرب فضلوا بريطانيا على غيرها، كما وعدت أن تفضل بريطانيا على غيرها في المصالح الاقتصادية في جميع البلاد العربية. وطالبت بعقد حلف دفاعي – هجومي بين العرب والبريطانيين، وبموافقة بريطانيا على إعلان خلافة عربية (رَ: الحسين، مذكرة 1915).
-في 24/10/1915 رد مكماهون على مذكرة الحسين بمذكرة تضمنت وعدا له بأن تعترف بريطانيا باستقلال العرب ضمن البلاد التي اقترحها الشريف وتأييده. غير أن المذكرة استثنت من سورية القسم الواقع غربي ولاية الشام. وقد ورد في هذه المذكرة “إن ولايتي مرسين واسكندرونة وأجزاء من بلاد الشام الواقعة في الجهة الغربية لولايات دمشق الشام وحمص وحماة وحلب لا يمكن أن يقال إنها عربية محضة. وعليه يجب أن تستثنى من الحدود المطلوبة. ومع هذا التعديل وبدون تعرض للمعاهدات المتعددة بيننا وبين بعض رؤساء العرب نحن نقبل تلك الحدود”.
وفي 5/11/1915 رد الشريف حسين بقوله “تسهيلاً للوفاق، وخدمة للأمة الإسلامية، وقراراً بما يكلفها المشاق والإحن، ولما لحكومة بريطانيا العظمى من الصفات والمزايا الممتازة لدينا، نترك الإلحاح في إدخال ولايات مرسين وأضنة في أقسام المملكة العربية. وأما ولايتا حلب وبيروت وسواحلهما فهي ولايات عربية محضة لا فرق بين العربي المسيحي والمسلم فإنهما أبناء جد واحد”[1].
ورد مكماهون في 13/12/1915 بقوله “سرني ما رأيت من قبولكم إخراج ولايتي مرسين وأضنة من حدود البلاد العربية.
أما بشأن ولايتي حلب وبيروت فحكومة بريطانيا العظمى قد فهمت كل ما ذكرتم بشأنهما ودونت ذلك عندها بعناية تامة. ولكن لما كانت مصالح حليفتها فرنسا داخلة فيهما فالمسألة تحتاج إلى نظر دقيق، وسنخابركم بهذا الشأن مرة أخرى في الوقت المناسب”.
وفي 1/1/1916 كتب الشريف حسين إلى مكماهون يقول: “أما الجهات الشمالية وساحلها فيما كان في الإمكان من تعديل أتينا به في رقيمنا السابق. هذا، وما ذاك إلا للحرص على الأمنيات المرغوب حصولها بمشيئة الله تبارك وتعالى. وهذا الحس والرغبة هما التي الزمتنا بملاحظة اجتذاب ما ربما أنه يمس حلف بريطانيا العظمى لفرنسا واتفاقهما إبان هذه الحروب والنوازل. إلا أننا مع هذا نرى من الفرائض التي ينبغي لشهامة الوزير صاحب الرياسة أن يتيقنها بأنه عند أول فرصة تضع فيها أوزار هذه الحروب سنطالبكم بما نغض الطرف عنه اليوم لفرنسا في بيروت وسواحلها”.
وأجاب مكماهون في 10/3/1916، “وقد يسرني أن أخبركم بأن حكومة جلالة الملك صادقت على جميع مطالبكم، وأن كل شيء رغبتم الإسراع فيه وفي إرساله فهو مرسل مع رسولكم حامل هذا”. وكانت هذه الرسالة، وهي العاشرة، آخر المراسلات.
قام العرب بالثورة على الأتراك وأوفدوا بنصيبهم من الاتفاق. وحين طلبوا أن تفي بريطانيا بنصيبها فتعترف باستلالهم راحت بريطانيا تفسر الاتفاق بأنه يستثني فلسطين بحدودها الدولية عند نهاية الحرب العالمية الأولى. ودأبت الحكومة البريطانية بين الحربين العالميتين على القول إن التحفظ الوارد في رسالة مكماهون إلى الشريف حسين المؤرخة في 24/10/1915 يشمل ولاية بيروت وسنجق القدس المستقل، وبناء عليه “تكون فلسطين برمتها غربي الأردن مستثناء من تعهد السير هنري مكماهون”. ولكن هذه الدعوى البريطانية باطلة، إذ يتضح من تحليل رسالة مكماهون إلى الحسين أن فلسطين لم تكن موضع بحث أبداً. ولم تشملها التخفظات. فمن المعلوم أن السلطة العثمانية كانت مقسمة إدارياً إلى ولايات، وكل ولاية تشتمل على عدد من الساحق (الألوية) والأقضية. وكانت سورية منقسمة إلى ثلاث ولايات وسنجق مستقل عنها. وهي ولاية سورية وتدعى أيضاً ولاية دمشق، وولاية حلب، وولاية بيروت، وسنجق القدس الشريف. وكانت ولاية دمشق مثلاً تحتوي على أربعة سناجق منها حوران والكرك جنوباً وحماة شمالاً، وعلى عدة أقضية أخرى. كما كان سنجق القدس يضم عدة أقضية (رَ: الإدارة) .وقد جاء في رسالة مكماهون المؤرخة في 24/10/1915 “وأجزاء من بلاد الشام الواقعة في الجبهة الغربية لولايات دمشق الشام وحمص وحماه وحلب” والتي “لا يمكن أن يقال إنها عربية محضة”. إن ذكر المدن الأربع دون تمييز بينها رغم اختلاف وضعها الإداري يثبت أن الاستثناء كان لما يعرف اليوم بالأراضي اللبنانية مع جزء من ساحل سورية الشمالي، ولا يشمل الاستثناء فلسطين على الإطلاق.
ولو كان المراد من كلمة “دمشق” ولاية سورية على ما ذكره وزير المستعمرات البريطاني تشرشل في بيانه عام 1922 لما كان مكماهون بحاجة إلى ذكر حمص وحماة لأنهما تدخلان ضمن ولاية سورية دخول الأقسام الجنوبية. سنجق حوران وسنجق الكرك، ولكان يكفي أن يؤكد مكماهون أن الجهات الواقعة غربي دمشق وحلب تخرج من البلاد التي وعدت بريطانيا العرب باستقلالها. ولو كان المراد من إيراد لفظة “دمشق” سنجق دمشق لما كانت فلسطين لأن سنجق حوران وسنجق الكرك، ويقع غربيهما جزء من فلسطين، كانا مستقلين ومنفصلين عن سنجق دمشق. إن عدم ذكر سناجق الكرك وعجلون وعمان، كما ذكرت حمص وحماة، يدل بوضوح على أنه لم يكن المراد يومذاك إخراج القسم الواقع غربي شرق الأردن (أي فلسطين) من البلاد العربية التي تضمن بريطانيا استقلالها.
وتوكيداً لما تقدم من تحليل صريح مايكل مكدونيل رئيس المحكمة العليا بفلسطين أثناء قيام لجنة موم* (1939) بتحقيقاتها في المراسلات بين الحسين ومكماهون، صرح بأن “فلسطين كانت ضمن منطقة الاستقلال العربي. وإلا فلماذا تحدثوا عن مناطق دمشق وحمص وحماة وحلب وليست إحداها تقع إلى الشرق من فلسطين، وكلها تقع شمالها بعيداً عنها؟ إذا كان يجب وصف فلسطين فلماذا لا يتحدث عن بحيرة الحولة* ونهر الأردن* وبحيرة طبرية* والبحر الميت* كحدود شرقية؟”. وقد جاء في تقرير لجنة اللورد موم “إن حكومة صاحب الجلالة لم تكن حرة التصرف بفلسطين دون اعتبار وغائب ومصانع سكان فلسطين”.
وفي عام 1964 كشف النقاب عن وثيقتين سريتين تؤكدان التحليل السابق،الأولى مذكرة من عشرين صفحة عن الالتزام البريطاني للحسين “أعدتها دائرة الاستخبارات السياسية في وزارة الخارجية البريطانية للوفد البريطاني إلى مؤتمر الصلح في باريس (1919)”، والثانية ملحق من اثنتي عشرة صفحة عن “التزامات حكومة جلالته السابقة في الشرق الأوسط”. وكانت الوثيقتان تخصان ويليام لين وسترمان مستشار الشؤون التركية للوفد الأمريكي إلى مؤتمر الصلح، وحفظتا بجامعة ستانفورد مع التوصية بعدم كشف ما جاء فيهما إلا بعد وفاته. وقد ورد في القسم الرابع من المذكرة: “أما فيما يتعلق بفلسطين فإن حكومة جلالته التزمت في رسالة من السير هنري مكماهون إلى الشريف حسين بتاريخ 24 تشرين الأول 1915 بضمها إلى حدود المناطق العربية”.
ومهما يكن من أمر هذه المراسلات فإن تصرفات بريطانيا أثناءها (اتفاق سايكس – بيكو)* وبعدها (وعد بلفور)* أظهرت نياتها الاستعمارية في سلخ فلسطين عن جسم الأمة العربية والتمهيد لمنحها للحركة الصهيونية لتقيم عليها دولتها.
تركت هزيمة الإمبراطورية العثمانية على يد البريطانيين في الحرب العالمية الأولى ثلاث سلطات متميزة في شبه الجزيرة العربية. شريف الحجاز حسين بن علي مكة (في الغرب). ابن رشيد من حائل (شمال). والأمير عبد العزيز بن سعود من نجد وأتباعه المتعصبين دينيا الوهابيين (في الشرق).
2. معاهدة دارين
في 26 ديسمبر 1915 ، وقع السير بيرسي كوكس ، نيابة عن الحكومة البريطانية ، معاهدة دارين مع عبد العزيز بن سعود. المعروف أيضًا باسم حلف دارن ، جعلت المعاهدة أراضي آل سعود محمية بريطانية. كان الهدف البريطاني من المعاهدة هو ضمان سيادة الكويت وقطر والإمارات المتصالحة (الإمارات العربية المتحدة لاحقًا). تعهد عبد العزيز بعدم مهاجمة هذه المحميات البريطانية. كما تعهد بدخول الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط ضد الإمبراطورية العثمانية كحليف لبريطانيا.
كان توقيع بريطانيا على ميثاق دارين في ديسمبر يتعارض مع وعودها بالحماية المتبادلة للشريف حسين في أكتوبر. لأن معاهدة بريطانيا مع ابن سعود لا تلزمه بعدم مهاجمة الحجاز.
وشهدت المعاهدة أيضًا حصول عبد العزيز على 5000 جنيه إسترليني شهريًا “ضريبة” من الحكومة البريطانية. بعد الحرب العالمية الأولى ، تلقى مزيدًا من الدعم من البريطانيين. وشمل الدعم المزيد من المكافآت المالية ووفرة الذخائر الفائضة.
بعد إن سيطرت بريطانيا فعلياً على منطقة الخليج الفارسي ووقعت معاهدة الصلح البحري العامة مع شيوخ الساحل العماني عام 1820 م والمعاهدة السرية مع حاكم الكويت في عام 1899 م والتي تشبه لحد كبير لمعاهدة الصلح البحري العامة المذكورة اتجهت إلى تقوية نفوذها في الجزيرة والتي كان لها موطئ قدم يمثله بنو سعود في الرياض.
واجهت بريطانيا في منطقة الجزيرة وضعاً معقداً يختلف عن الوضع في الخليج الفارسي حيث استطاعت أن تحسم الأمور في المنطقة بواسطة قواتها البحرية بسبب ضعف الدولة العثمانية في حسمها للأمور وعدم تفهمها لطبيعة الصراع في هذه المنطقة ولكونها استطاعت تجزئة الساحل إلى محميات صغيرة لا تشكل لها تهديداً حتّى لو ظهر فيها رفض لوجود بريطانيا من قبل شعوبها, أما في منطقة الجزيرة ذات المساحة الشاسعة فالأمر مختلف فهي تضم قبائل كبيرة وتعيش صراعات طويلة ومعظمها تدين بالولاء للدولة العثمانية ما عدى بني سعود, كما إن الدولة العثمانية عملت على تقوية وجودها في الجزيرة لاعتبارات سياسية لأن المنطقة تضم مقدسات المسلمين والتي تعتبر نفسها مسؤولة عنها بالدرجة الأولى ولأنها احد موارد خزينتها, لذلك خططت بريطانيا على المدى البعيد تقوية موظفها ابن سعود لكي يستطيع السيطرة الكاملة على الجزيرة فاختارت موظفين لهم الخبرة في عملية إدارة الصراعات كالضابط (شكسبير) الذي كان يخطط المعارك لابن سعود وينفذها بنفسه الأمر الذي أدى إلى قتله في معركة (جراب) عام 1915 م ضد ابن الرشيد وكذلك (فيلبي) الذي أدار الأمور حتّى تحقيق كامل أهداف بريطانيا في الجزيرة.
أسباب توقيع اتفاقية دارين 1915 م :
كانت بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى بصورة عامة تتحرك بحذر في منطقة الجزيرة وكان الصراع السياسي بينها وبين الدولة العثمانية يسير ببطء وكانت بريطانيا توجه عملائها في المنطقة بعدم التأثير المباشر والمكشوف على نفوذ الدولة العثمانية التزاماً منها بالأعراف الدولية والعلاقات التي لا زالت تربطها بالدولة العثمانية لهذا نجد أن بريطانيا كانت غير راضية عن استعجال ابن سعود في إبراز خدماته الكبيرة لبريطانيا في القفز على هذه التوجيهات ففي عام 1911 م اجتمع شكسبير مع ابن سعود وقال له : (إن بريطانيا لن تقدم الدعم لأي زعيم عربي يحاول التخلص من الأتراك حيث أن لبريطانيا علاقات صداقة بهم..).
وقبل نشوب الحرب العالمية الأولى بأشهر أصبح الصراع السياسي في المنطقة بين بريطانيا والدولة العثمانية قد بلغ ذروته والذي ينطلق من المبنى الذي تبنته بريطانيا في أنها وريثة ممتلكات الدولة العثمانية في منطقة الخليج الفارسي والجزيرة والعراق والأردن وفلسطين والذي تقرر هذا نهائياً في معاهدة سايكس ـ بيكو بين بريطانيا وفرنسا عام 1916 م في موسكو لذلك حاولت بريطانيا أن تُعلم الدولة العثمانية من خلال اتفاقيات وقعتها مع ابن سعود أن موقعها في منطقة الجزيرة أصبح ضعيفاً كموقفها في الخليج الفارسي.
قامت بريطانيا في مارس عام 1914 م بإجراء اتفاق مع ابن سعود عن طريق ممثلها (آرثر باريت) تعهد فيه ابن سعود بتقديم كل مساعدة ممكنة ضد الأتراك واعترف ببقاء البحرين تحت سيطرة بريطانيا وضمان المحافظة على رعايا بريطانيا وتجارتها في الخليج الفارسي من أي طرف.
إن بريطانيا في واقع الأمر لا تعوّل على ابن سعود مجرداً ليحسم لها الأمر في المنطقة وإنما جاء إجراء هذا الاتفاق ضمن الضغوط السياسية والاستفزاز الذي مارسته بريطانيا في المنطقة فابن سعود لم يكن متفوقاً على ابن الرشيد فضلاً عن الشريف حسين.
وبعد نشوب الحرب العالمية الأولى ودخول الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا ضد بريطانيا وحلفائها لم يعد لبريطانيا أي تعهد لتركيا وإنما عملت على تقويض نفوذها في المنطقة ولما كان ابن سعود هو الذي اختارته لتنفيذ سياستها في الجزيرة أرادت أن تربطه باتفاقية رسمية تكون فيها الأمور واضحة لجميع الأطراف وان تحكم تبعية بني سعود خوفاً من تغيير الظروف كما إن بريطانيا بعد نشوب الحرب العالمية الأولى ودخول تركيا بجانب المانيا تريد تثبيت حقوقاً لها بعد نهاية الحرب ضمن نظرية تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية المطروحة في مناقشات الدول الاستعمارية قبل الحرب، كما أنها أرادت أن تعلن للجميع إن ابن سعود هو موظفها الذي لا يجوز لأحد التعرض له كما أنها أرادت أن تمسك بورقة قوية أثناء مباحثاتها مع فرنسا حول تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية.
ومن خلال هذه الاتفاقية والتي أظهرت تبعية بني سعود بصورة كاملة لبريطانيا وبذلك أصبحت المنطقة تحت السيطرة الكاملة لها أرادت أيضاً أن تظهر للرأي العام الإنكليزي جدوى دعمها لبني سعود.
ومن خلال هذه الاتفاقية أرادت بريطانيا أيضاً أن تقدم نموذجاً لمواصفات العملاء في المنطقة والذين يرغبون في طرح أنفسهم كموظفين لبريطانيا نص اتفاقية دارين 1915 م.
في شهر ديسمبر عام 1915 سافر (كوكس) المقيم البريطاني في الخليج الفارسي يرافقه (فيلبي) إلى القطيف واجتمع بعبد العزيز بن سعود في جزيرة دارين وتم توقيع اتفاقية حملت اسم الجزيرة يوم 26 ديسمبر عام 1915 م نصت على ما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
لما كانت الحكومة البريطانية من جهة وعبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود حاكم نجد والإحساء والقطيف والجبيل والمدن والمراسي التابعة لها بالا صالة عن نفسه وورثته وحلفائه وعشائره من جهة أخرى راغبين في توطيد الصلات الودية التي مر عليها وقت طويل ما بين الطرفين وتعزيزها لأجل توثيق مصالحهما فقد عينت الحكومة البريطانية اللفتننت كولونيل السر برسي كوكس المعتمد البريطاني في خليج فارس مفوضا من قبلها ليعقد معاهدة مع عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود
وقد اتفق اللفتننت كولونيل السر برسي كوكس وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود وأبرما المواد الآتية :
1 ـ تعترف الحكومة البريطانية وتقر أن نجدا والإحساء والقطيف والجبيل وتوابعها والتي يبحث فيها، وتعين أقطارها فيما بعد ومراسيها على خليج فارس، وهي بلاد ابن سعود وآبائه من قبل وبهذا يعترف بابن سعود المذكور حاكماً عليها مستقلاً ورئيساً مطلقا على قبائلها وبأبنائه وخلفائه بالارث من بعده على أن يكون ترشيح خلفه من قبله ومن قبل الحاكم بعده وان لا يكون الحاكم المرشح مناوئاً للحكومة البريطانية بوجه من الوجوه خاصة فيما يتعلق بشروط هذه المعاهدة
2 ـ إذا حدث اعتداء من قبل إحدى الدول الأجنبية على أراضي الأقطار التابعة لابن سعود وخلفائه بدون مراجعة الحكومة البريطانية وبدون إعطائها الفرصة للمخابرة مع ابن سعود وتسوية المسألة فالحكومة البريطانية تعاون ابن سعود بعد استشارته إلى ذلك القدر وعلى تلك الصورة الذين تعتبرهما الحكومة البريطانية فعالتين لحماية بلدانه ومصالحه
3 ـ يتفق ابن سعود ويعد بان يتحاشى الدخول في مراسلة أو وفاق مع أية امة أجنبية أو دولة وعلاوة على ذلك بأن يبلغ حالاً إلى معتمدي السياسة من قبل الحكومة البريطانية عن كل محاولة من قبل أية دولة أخرى في إن تتدخل في الأقطار المذكورة سابقاً
4 ـ يتعهد ابن سعود بان لا يسلم ولا يبيع ولا يرهن ولا يؤجر الأقطار المذكورة ولا قسماً منها ولا يتنازل عنها بطريقة ما ولا يمنح امتيازا ضمن هذه الأقطار لدولة أجنبية أو لرعايا دولة أجنبية بدون رضي الحكومة البريطانية وبان يتبع مشورتها دائماً وبدون استثناء على شرط أن لا يكون ذلك مجحفاً بمصالحه الخاصة
5 ـ يتعهد ابن سعود بحرية المرور في أقطاره على السبل المؤدية إلى المواطن المباركة وان يحمي الحجاج في مسيرهم إلى المواطن المباركة ورجوعهم منها
6 ـ يتعهد ابن سعود كما تعهد آباؤه من قبل بان يتحاشى الاعتداء على أقطار الكويت والبحرين ومشايخ قطر وسواحل عمان التي هي تحت حماية الحكومة البريطانية والتي لها صلات عهدية مع الحكومة المذكورة و إلا يتدخل في شؤونها وتخوم الأقطار الخاصة بهؤلاء ستعين فيما بعد
7 ـ تتعهد الحكومة البريطانية وابن سعود على عقد معاهدة أكثر تفصيلاً من هذه على الأمور التي لها مساس بالفريقين
كتب في 18 صفر سنة 1334 الموافق 26 ديسمبر سنة 1915 م.
انتهى النص
مناقشة بنود الاتفاقية :
1 ـ أقرت بريطانيا في البند الأول سيطرة ابن سعود على نجد والإحساء والقطيف والجبيل وتوابعها والتي اعتبرتها حسب التعبير الوارد في الاتفاقية (بلاد ابن سعود وآبائه من قبل..)
في حقيقة الأمر إن هذه البلاد لم تكن في يوم من الأيام تابعة لبني سعود أو تحت سيطرتهم فهذه العائلة لم يستطع احد من المؤرخين إن يثبت أنها تمت بأية صلة إلى هذه الأرض فهذا (لزلي مكلوغلن) من أصدقاء العائلة يقول : (فإن السجلات الأولى الأكثر وثوقاً وتعود بنسبهم إلى مطلع القرن الخامس عشر الميلادي.. الجد الأول المعروف لابن سعود هو مانع المريدي دعي مانع سنة 1446 م دعاه قريب له لينتقل من منطقة القطيف إلى منطقة وادي حنيفة قرب الرياض)
فلا نريد هنا أن نبحث بصورة تفصيلية عن اصل هذه العائلة ولكن نريد أن نشير على الأقل أن هذه العائلة لم تكن لها سلطة تذكر على أية منطقة في الجزيرة وإنما المتيسر من المعلومات التاريخية أن جدهم جاء إلى الدرعية واستطاع بعملية غدر السيطرة عليها وبعد ذلك سيطر على الرياض واستمر الصراع على الرياض بينه وبين آل الرشيد، فحتى لو قبلنا إن اصل هذه العائلة من القطيف كما يقول (مكلوغلن) فإنها لم تكن عائلة معروفة أو لها أي وزن في التاريخ القبلي لمنطقة القطيف كما لبقية القبائل لذلك فتعبير (بلاد ابن سعود وآبائه من قبل..)
يكشف لنا أمرين :
الأول : إن هذه العائلة في أصل وجودها في المنطقة هو من صنع بريطاني
ثانيا : إن هذا التعبير يراد منه في الحقيقة إن هذه المناطق المذكورة أصبحت تحت سيطرة بريطانيا لكي تكون وثيقة تستخدمها في نهاية الحرب التي كانت تركيا قد دخلتها إلى جانب المانيا ضد بريطانيا وحلفائها والتي كانت هذه المناطق من الناحية الرسمية تحت النفوذ التركي
وهذا الأمر يشير إليه البند الرابع من الاتفاقية الذي لا يجيز لابن سعود أن يسلم أو يبيع أو يرهن أو يؤجر الأقطار المذكورة ولا قسماً منها ولا يتنازل عنها بطريقة ما
جاء في البند الأول أيضاً (يعترف بابن سعود حاكماً عليها ـ نجد والإحساء والقطيف والجبيل وتوابعها .. مستقلاً ورئيساً مطلقاً على قبائلها وبأبنائه وخلفائه بالارث من بعده)
أن تعبير (مستقلاً) جاء مخالفاً للحقيقة والواقع الذي يعيشه عبد العزيز بن سعود فهو لم يكن مستقلاً هو أو أبناؤه الذين حكموا من بعده لا من حيث الحركة الظاهرية التي يعيشها هؤلاء أو من حيث الوثائق التي تذكر علاقة بريطانيا بهم فقبل اكتشاف النفط كان ابن سعود يتقاضى راتبا من قبل المكتب الهندي التابع للمخابرات البريطانية فكيف يكون مستقلاً وهو موظف يتقاضى راتباً من بريطانيا والذي تم رفعه من (500) جنيه في الشهر إلى (5000) جنيه في الشهر بعد توقيع هذه الاتفاقية
ثم أننا نلاحظ أن ابن سعود في أحرج الظروف التي واجهته لم يستطع أن يتجاوز أوامر (فيلبي) الذي كان يدير السياسة الفعلية في الحكم السعودي فعندما ضغط قادة جيش عبد العزيز عليه في أن يهاجم الشريف حسين ويثأرون منه في حادثة (الخرمة) كان الأمر الذي وجهه (فيلبي) هو مقاتلة ابن الرشيد خلاف رغبة جيش عبد العزيز وفي اجتماع مع هؤلاء القادة رد ابن سعود على خطاب (فيصل الدويش) مخاطباً الجميع : (أما فيما يتعلق بمحمد بن رشيد فالحقيقة أن الإنكليز قد ألحوا عليّ بمهاجمته لماذا اخفي ذلك عليكم)
كما أننا نلاحظ أن تعبير حاكماً مستقلاً ورئيساً مطلقاً على قبائلها جاء واضحاً انّه أصبح حاكماً مستقلاً على القبائل دون الأرض وهذا ما تريده بريطانيا أي أن المطلوب منه ترويض القبائل للقبول بسياسة بريطانيا والتحول من الولاء للدولة العثمانية إلى بريطانيا
إما عبارة (لا يكون الحاكم المرشح مناوئاً للحكومة البريطانية بوجه من الوجوه)
قد جعلت الحاكم من بني سعود منفذاً للسياسة البريطانية بكل إشكالاتها لأنه لا يحق له المخالفة بأي وجه من الوجوه وهذه العبارة تظهر لنا خساسة هؤلاء الحكام لأنه لم يحدثنا التأريخ إن علاقة بين طرفين كانت بهذه المهانة لأنه عادة عندما يكون طرف تابع لطرف قوي فان هذا الطرف القوي يعطيه بعض التصرف على وجه الاستقلال أما أن لا يخالفه بأي وجه من الوجوه فلم تعرف السياسة أو العلاقات الدولية هذه الصيغة، ولهذا علق الكاتب الفرنسي المسيو (جان جاك بيرسي) على الاتفاقية قائلاً : (الذي يجهله العموم أو يغفل عن ذكره الكثيرون من المؤرخين أنه ليس مشرِّفاً … لا للعرب ولا للبريطانيين… إذ أنه لقاء مساعدة مالية شهرية قدرها خمسة ألاف جنيه إسترليني اعترف سلطان نجد للبريطانيين بحق الإشراف على علاقاته الخارجية كجميع أمراء الخليج الفارسي والجنوب العربي وتعهد عبد العزيز بن سعود بان لا يتنازل عن أي شبر من أراضيه في أي حال من الأحوال وان لا يقيم علاقات مع أية دولة إلاّ بعد الحصول على موافقة الحكومة البريطانية بذلك)
ونلاحظ في البند الأول عبارة (وتعترف الحكومة البريطانية وتقر إن نجداً والإحساء والقطيف والجبيل وتوابعها والتي يبحث فيها وتعين أقطارها فيما بعد..)
إن هذه العبارة تعني أن هذه المناطق التي قررت بريطانيا أن تكون خاضعة لها عن طريق ابن سعود ليست نهائية وإنما ستضاف إليها مناطق أخرى حسب تغير الظروف السياسية في المنطقة ورؤية بريطانيا الاستعمارية لها والتي هي السبب الرئيسي لدخولها الحرب وقد صرح (كوكس) بذلك أثناء توقيع الاتفاقية يقول (فيلبي) الذي حضر توقيع الاتفاقية بعد تقليد عبد العزيز لقب سلطان فال كوكس : ( وفي المستقبل القريب سنقلدك وسام سلطنة نجد والحجاز وملحقاتهما ثم نجعل منك ملكاً بعد تسليمك عسير وبعض الإمارات الأخرى لنطلق عليها اسمكم فتصبح المملكة السعودية)
ثانيا ً : البند الثاني يبرز لنا أمرين :
الأمر الأول :
هو التأكيد على أن المناطق التي يسيطر عليها ابن سعود هي محمية بريطانية لا يجوز الاعتداء عليها من أي طرف خارجي ولما لم يكن أي من الأطراف التي تحيط بابن سعود لها المصلحة أو القدرة على الاعتداء على ابن سعود فان هذا الأمر موجه للدولة العثمانية حيث إن جميع الأطراف التي تحيط بابن سعود هي ضمن النفوذ البريطاني
أما الأمر الثاني:
هو إفهام ابن سعود إن أي خلل في العلاقة مع بريطانيا أو بمعنى آخر إن التمرد على الأوامر البريطانية فان بريطانيا ستسمح لطرف خارجي بالتعرض لابن سعود وهو احد مبادئ السياسة البريطانية مع عملائها وهذا ما يعنيه التعبير في البند الثاني (إذا حدث اعتداء من قبل إحدى الدول الأجنبية على أراضي الأقطار التابعة لابن سعود وخلفائه بدون مراجعة الحكومة البريطانية)
3 ـ أما البند الثالث من الاتفاقية فيبرز لنا بصورة جلية إن بني سعود ما هم إلاّ موظفون لدى الإدارة البريطانية فلا يجوز لهم التصرف بأي أمر باستقلالية إلاّ عن طريق المعتمد البريطاني في المنطقة كما إنها في هذا البند من الاتفاقية أعلمت بريطانيا الدول الأخرى بأن المناطق التي يسيطر عليها ابن سعود هي أراضي تعتبر خاضعة للتاج البريطاني فلا يجوز لأي دولة التصرف فيها بأي شكل من الأشكال وهذا يشمل الامتيازات للتنقيب عن النفط التي تحاول الأخرى الحصول عليه
وكان البند الرابع من الاتفاقية صريحاً وقطع كل أمل في ذلك، هذا البند والبند الثالث يعتبر في حقيقته بنداً واحداً إلاّ إن المعتمد البريطاني جاء به تأكيداً للبند الثالث
4 ـ إن ما جاء في البند السادس يجب أن لا يقودنا إلى ان نفهم ان ابن سعود يتمتع باستقلالية بحيث يستطيع أن يعتدي على الجهات المحيطة به وإنما في حقيقة الأمر أن هذا البند وضعه المعتمد البريطاني لعدة أمور وهي :
ا ـ لكي يُطَمئِن محميات بريطانيا بعدم حدوث اعتداء عليها من قبل ابن سعود لأنها كانت تخشى ذلك وتبث هواجسها لبريطانيا
ب ـ لكي يكون هذا البند عامل ضغط على الشريف حسين الذي تريد بريطانيا سرعة تخليه عن الدولة العثمانية وسقوطه نهائياً في أحضان بريطانيا ففي التعبير الذي ورد في هذا البند (يتعهد ابن سعود كما تعهد آباؤه من قبل أن يتحاشى الاعتداء على أقطار الكويت والبحرين ومشايخ قطر وسواحل عمان..) استثنى الحجاز من ذلك أي أن بريطانيا لا تعترض مبدئياً على اعتداء ابن سعود على الحجاز
ج ـ التأكيد على ابن سعود من خلال هذا البند إن منطقة نفوذه ستتعدى مستقبلاً المناطق الحالية التي يسيطر عليها وخاصة الحجاز.
نتائج الاتفاقية :
1 ـ تبلور دور ابن سعود من خلال بنود الاتفاقية وأن دوره هو القضاء على كل نفوذ للدولة العثمانية في المنطقة تحت توجيهات الإدارة البريطانية
2 ـ أعطت لابن سعود زخماً كبيراً في المنطقة اتجاه الزعماء التقليديين وخاصة محمد ابن رشيد الموالي للأتراك ونتيجة للاتفاقية فقد تم تزويده بالأسلحة التي يحتاجها في صراعه وتم انتداب خيرة الموظفين في الحكومة البريطانية في المنطقة للتخطيط الميداني لحركة عبد العزيز الأمر الذي جعل ابن رشيد منشغلاً مع ابن سعود دون تقديم العون للأتراك
3 ـ أصبحت منطقة الجزيرة ساحة لصراع بريطانيا وتركيا كان ضحيتها أبناء المنطقة وممتلكاتهم
4 ـ أصبحت هذه الاتفاقية الأساس الذي تحركت بموجبه بريطانيا في المنطقة والإدارة الأمريكية من بعدها في استغلال ثرواتها والاستهانة بطموحات أبنائها في امتلاكهم إرادتهم
5 ـ نتيجة لهذه الاتفاقية تم تحييد شعب الجزيرة في الصراع الدائر بين المسلمين من جهة وبين الصهاينة من جهة أخرى حول اغتصاب فلسطين.
6 ـ نتيجة لهذه الاتفاقية أصبحت ارض الجزيرة ساحة للمغامرين الإنكليز في البحث عن النفط الذي أدى اكتشافه إلى بروز صراع جديد بين الأمريكيين والبريطانيين كان ضحيته أبناء المنطقة كما حدث حول واحة (البريمي)
هل انتهت اتفاقية دارين؟
للوهلة الأولى يبدو أن هذا السؤال في غير محله لأن الاتفاقية قد ألغيت رسمياً باتفاقية جدة الموقعة في 20/5/1927 م لكن هناك أمران لابد من الخوض بهما لكي تتبين لنا أهمية هذا السؤال وأنه في محله :
الأمر الأول :
هو أن نظرة متفحصة لبنود اتفاقية جدة المذكورة يتبين لنا إن هذه الاتفاقية لم تغير شيئاً في بنود اتفاقية دارين عام 1915 م ما عدا أن بريطانيا رفعت نظام بني سعود من التبعية بصيغة موظفين وعملاء إلى حكام بالمعنى الظاهر لحكام الدول ففي البند الأول من الاتفاقية المذكورة ينص على إن :
(يعترف صاحب الجلالة البريطاني بالاستقلال التام المطلق لممالك صاحب الجلالة ملك الحجاز وملحقاتها) فهذا البند لا يختلف في جوهره عن البند الأول في اتفاقية دارين عام 1915 م والذي ينص على : (تعترف الحكومة البريطانية وتقر إن نجداً والإحساء والقطيف والجبيل وتوابعها… وهي بلاد ابن سعود وآبائه من قبل وبهذا يعترف بابن سعود المذكور حاكماً عليها مستقلاً ورئيساً مطلقاً على قبائلها)
والفرق في ذلك جاء في إضافة الحجاز إلى سيطرته بعد نهاية الشريف حسين كما إن مخاطبة ابن سعود من قبل الحكومة البريطانية بالملك لم يكن غريباً فبريطانيا هي التي اقترحت قيام مملكة باسم المملكة العربية السعودية بعد إن أظهر ابن سعود قدراً كبيراً من التبعية التي لم يسبقه احد من قبل، ثم إن تقويته وإسباغ الألقاب عليه كان ضمن ما خططت له بريطانيا لكي يكون ابن سعود ممثلاً للعرب والمسلمين وهذا ما درجت عليه الإدارة الأمريكية أيضاً
أما البند الثاني من الاتفاقية والذي نص على أن : (يسود السلم والصداقة بين صاحب الجلالة البريطاني وصاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها ويتعهد كل من الفريقين المتعاقدين بان يحافظ على حسن العلاقات مع الفريق الآخر وبأن يسعى بكل ما لديه من الوسائل لمنع استعمال بلاده قاعدة للأعمال غير المشروعة الموجهة ضد السلام والسكينة في بلاد الفريق الآخر)
فهو لا يختلف عن الفقرة التي وردت في البند الأول من اتفاقية عام 1915 م والتي تنص : (على أن يكون ترشيح خلفه من قبله ومن قبل الحاكم بعده وان لا يكون الحاكم المرشح مناوئاً للحكومة البريطانية بوجه من الوجوه)
فالأصل في الموضوع أن لا يخالف بنو سعود بريطانيا ولا تهم صيغة العبارات فهي لا تحتاج إلى توجيه فهي موجهة في أصل مبنى بني سعود في الحكم وأما تغيير العبارات فالظروف الموضعية هي التي اضطرت بريطانيا إلى تغييرها وتغيير شكل معاهدة دارين 1915 بمعاهدة جدة، فالذين اعتمدوا على بريطانيا من طالبي الرئاسة كالشريف حسين وغيره قد أصابهم الإحباط بعد تنصل بريطانيا من عهودها التي قطعتها لهم، كما إن دعاة معاونة بريطانيا لتحقيق دولة عربية كبرى والتخلص من السلطة التركية التي أساءت بالفعل معاملة شعب المنطقة أدركوا أيضاً كذب الوعود البريطانية، يضاف إلى ذلك إن شعب الجزيرة غير بعيد عما يحدث في المناطق الإسلامية الأخرى والقريبة منه كالعراق مثلاً الواقع تحت الانتداب البريطاني فقد استطاع على أثر ثورة 1920 أن يحصل على استقلاله
كما أن انكشاف العداء السافر لبريطانيا اتجاه المسلمين ومصادرتها لحقوقهم في فلسطين بإعطائها وعداً للصهاينة بجعلها وطناً قوميا لهم ومساهمتها في المجازر التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني وبتنفيذ بني سعود وبصورة مباشرة وغير مباشرة جعل بريطانيا تدرك حجم المعارضة لها في المنطقة
ولعل ما جرى في المؤتمر الإسلامي الأول الذي عقد في عام 1926 م مؤشراً كبيراً على نظرة بريطانيا المذكورة ففي هذا المؤتمر ألقى ابن سعود كلمة افتتاحية رد عليه شيخ الأزهر ممثل مصر في المؤتمر بكلمة فضح فيه موقف بني سعود حيث نبه إلى التناقض في كلمة ابن سعود حيث جاء في احد فقراتها (إننا لا نقبل تدخلاً أجنبياً في هذه البلاد الطاهرة أيا كان نوعه)
فقال شيخ الأزهر (إن كلمة أجنبي هذه مجملة فإذا كان المراد بها من يدين بالإسلام فذلك ما يؤيده فيه كل العالم إلاّ أن تطبيق ذلك مع الجمع بين سلطنة نجد ومملكة الحجاز يحتاج إلى دراسة المعاهدات التي عقدتها نجد مع الدول الأجنبية خشية أن يكون فيها ما يحمل إقرار الجميع بوجه من وجوه التدخل الذي نهى عنه الملك وضرب لذلك مثلاً بأنه إذا فرض أن لدولة أجنبية حق التدخل في تعيين سلطان نجد من بين آل سعود (إشارة) إلى اتفاقية دارين 1915 م) كان معنى ذلك أن لهذه الدولة حق التدخل في تعيين ملك الحجاز ما دام سلطان نجد هو ملك الحجاز)
هذه الأمور التي ذكرناها جعلت بريطانيا تخشى المتغيرات المحتملة في المنطقة لذلك كان عليها إلغاء معاهدة دارين 1915 وإبرام معاهدة جدة مع بقاء جوهر اتفاقية دارين في هذه الاتفاقية الجديدة
الأمر الثاني :
بعد الحرب العالمية الثانية خرجت بريطانيا منها متضررة اقتصادياً، ففي الوقت الذي كانت مديونة للولايات المتحدة بمبلغ 450 مليون دولار أخذت تسعى للحصول على قرض منها، وبالفعل تم تقديم قرض من الولايات المتحدة قدره (4/4) مليار دولار في ديسمبر 1945 م.
هذا الأمر جعل بريطانيا كما يقول (بنسون لي جريسون) أقل ميلاً لتحدي سياسات واشنطن فيما يتعلق بالسعودية
وأخذت بريطانيا تدريجياً تتنازل للإدارة الأمريكية عن نفوذها في المنطقة (وفي فبراير 1947 اضطرت بريطانيا للاعتراف بأنها نتيجة لإجهادها خلال الحرب لم تعد لديها القوة العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية للاضطلاع التي دأبت على انتهاجها قبل الحرب كقوة عالمية …)
وتأسيساً على ذلك أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية وريثة بريطانيا في المنطقة وهذه الوراثة جعلت الولايات المتحدة صاحبة النفوذ الفعلي فيها لهذا لا يمكن القول أن الاتفاقيات التي أبرمتها بريطانيا مع عملائها في المنطقة ومن أهمهم بنو سعود قد انتهى مفعولها فلو تصفحنا حركة علاقة بني سعود مع الإدارة الأمريكية نلاحظ بجلاء أنها مرسومة وفق اتفاقية دارين عام 1915 م والتي تدور حول ثلاثة محاور هي تنفيذ السياسة الغربية وحماية بني سعود وخلط الأوراق على المسلمين والعرب لترسيخ الكيان الصهيوني في المنطقة ونهب ثروات الخليج الفارسي والمنطقة.
3. اتفاقية سايكس بيكو
في 19 مايو 1916 ، توصل ممثلو بريطانيا العظمى وفرنسا سرًا إلى اتفاقية عُرفت باسم اتفاقية سايكس بيكو. هدفت الاتفاقية إلى تقسيم معظم الأراضي العربية الواقعة تحت الحكم العثماني بين البريطانيين والفرنسيين في نهاية الحرب العالمية الأولى. تم الاتفاق ، في المجال المعين لها ، على السماح لكل بلد بإنشاء إدارة أو سيطرة مباشرة أو غير مباشرة حسبما يرغبون وبما يراه مناسبًا.
قام دبلوماسيان ، بريطاني وفرنسي ، بتقسيم خريطة إحدى أكثر المناطق تقلبًا في العالم إلى دولتين تقطعان مجتمعات عرقية ودينية. أهملت الاتفاقية السرية إلى حد كبير السماح بنمو القومية العربية في المستقبل. التي كانت الحكومة البريطانية تستخدمها في تلك اللحظة لصالحها ضد الأتراك.
بعد قرن من الزمان، لا يزال الشرق الأوسط يتحمل تبعات المعاهدة. يواصل العديد من العرب في جميع أنحاء المنطقة إلقاء اللوم على أعمال العنف اللاحقة في الشرق الأوسط، من احتلال فلسطين إلى صعود ما تسمى”الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، على معاهدة سايكس بيكو.
وبالفعل، فإن توقيع بريطانيا على هذه المعاهدة يتعارض بشكل مباشر مع ما وعدت به لشريف الحجاز في أكتوبر من العام 1915، فإن خيانة بريطانيا لوعودها بدولة عربية مستقلة دفعتهم في النهاية إلى إطلاق كلبهم المهاجم ابن سعود على الشريف حسين والإطاحة به. سمح هذا للبريطانيين بتفعيل اتفاقية سايكس بيكو ، وبالتالي إقامة دولة إسرائيل الصهيونية.
4. وعد بلفور
لم يكن “وعد بلفور” من أهم تصريحات السياسة الخارجية البريطانية في القرن العشرين سوى خطاب قصير غامض ليس له وضع قانوني. لم يناقشها البرلمانيون. ومع ذلك ، فقد كان أحد أهم الأحداث التي أدت في النهاية إلى إنشاء دولة إسرائيل. ناهيك عن الصراع بين اليهود والعرب منذ ذلك الحين.
في هذه الرسالة المؤرخة في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 ، كتب وزير الخارجية البريطاني ، آرثر بلفور ، إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد ، كرئيس صوري للجالية اليهودية في بريطانيا:
“إن وجهة نظر حكومة جلالة الملك تؤيد إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وستبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف ، على أن يكون مفهوماً بوضوح أنه لن يتم فعل أي شيء قد يضر بالمدنيين والدينيين. حقوق المجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين ، أو الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر “.
لاحقًا أدرجت بريطانيا هذه الرسالة ضمن شروط انتدابها على فلسطين. وهكذا أصبح مطلبًا قانونيًا على بريطانيا.
لفهم أصول الإعلان بشكل أفضل ، نقوم بفحص ورقة موثقة بدقة من قبل مشروع بلفور. وهو يوثق تفاصيل مهمة حول سبب استعداد حكومة الحرب البريطانية في ذلك الوقت بشدة لدعم إنشاء “الوطن القومي اليهودي” في فلسطين المأهولة بالعرب.
من خلال الإشارات الشاملة إلى عشرات الكتب والتقارير الإخبارية ومذكرات مجلس الوزراء من الأرشيف الوطني للمملكة المتحدة ، يرسم التقرير صورة حية للتلاعب البارز وراء الكواليس – تشكيل صياغة هذا الإعلان والمداولات واعتماده في نهاية المطاف. التقارب غير العادي للعديد من الشخصيات القوية والمؤثرة في السياسة البريطانية – بما في ذلك رئيس الوزراء الحالي والسابق – لدعم القضية الصهيونية لم يغب عن المؤلفين. تشير الأدلة التفصيلية إلى أن الإمبراطورية البريطانية بأكملها ، في أعمالها المتعلقة بمستقبل فلسطين ، تصرفت ككيان صهيوني. وتقول الورقة في تحليلها للأحداث:
“كان يعتقد على نطاق واسع أن مؤامرة يهودية غامضة ولكنها جيدة التنظيم كانت مصممة على تحديد نتيجة الحرب. يمكن لنفوذهم ، وقبل كل شيء ، أموالهم ، التأثير على روسيا أو الولايات المتحدة أو ألمانيا ، لصالح بريطانيا أو لصالحها. لذلك كان كسب التأييد الدولي لليهود في مصلحة بريطانيا الحيوية ؛ الإساءة قد تكون قاتلة. بما أن وايزمان ألمح إلى أن الصهيونية تتحدث باسم يهود العالم ، فقد استتبع ذلك أنه يجب مساعدة الصهاينة. كتب [رئيس الوزراء] لويد جورج في وقت لاحق ، أنها مسألة عقد “عقد مع يهود”.
من المهم أن نلاحظ أن مجلس الوزراء البريطاني ، أثناء اعتماده وعد بلفور ، تصرف تحت الانطباع بأن غالبية الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم كانوا صهاينة وسيشيدون بأعمال بريطانيا. ومع ذلك ، في الواقع ، ظل الصهاينة أقلية صغيرة جدًا بين اليهود لسنوات عديدة قادمة.
على سبيل المثال ، في كتابه A Peace to End All Peace: Creating the Modern Middle East ، 1914-1922 (Penguin ، London ، 1991) ، يحسب ديفيد فرومكين أنه في عام 1913 ، وهو التاريخ الأخير الذي كانت فيه أرقام ، حوالي واحد بالمائة فقط من يهود العالم قد أشاروا إلى تمسكهم بالصهيونية (ص 294). بعبارة أخرى ، على الرغم من أن الرواية الرسمية تدعي أن وعد بلفور قد تم تبنيه لصالح الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم ، فإن الحقيقة الأساسية تشير إلى أنه بالأحرى كان الصهاينة داخل الإمبراطورية البريطانية (والتي كانت تقريبًا كل شخص كان أي شخص في الحكومة البريطانية في ذلك الوقت. ) الذي دبر هذا الإعلان استخدم محنة الشعب اليهودي كذريعة لتبرير هذا المشروع غير العادل.
والجدير بالذكر أن النقاشات والمداولات التي سبقت اعتماد هذا الإعلان لم تشمل أي تمثيل عربي. ولا يعتقدون أنه من الضروري القيام بذلك. في حين وافقت بريطانيا على إعادة بناء فلسطين كموطن قومي للشعب اليهودي، مما يعني عدم وجود مكان للغالبية العربية الحالية ، كان عدد قليل جدًا من العرب على دراية بأن مثل هذا الاقتراح كان وشيكًا. ولم يكن من الممكن استشارة العرب في فلسطين نفسها (ثم جادل رئيس الوزراء لويد جورج لاحقًا) لأنهم كانوا في أرض العدو ، وبالتالي اعتبروا أنهم يقاتلون ضد بريطانيا.
الآن، كما نرى من خلال مراجعة الوثائق التاريخية الأربع المذكورة أعلاه ، لعبت الإمبراطورية البريطانية ، طوال حملتها في الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط ، لعبة خداع ومخادعة مع الشعوب العربية ؛ تقديم وعود كاذبة مع عدم نية الوفاء بها.
إنها لعبة شائعة جدًا في بناء الإمبراطورية، وبالتأكيد أكثر شيوعًا في تاريخ الإمبريالية البريطانية. ومع ذلك ، وكما هو الحال دائمًا ، لا يمكن لإمبراطورية أن تنجح في خيانتها بدون جماعة محلية متواطئة ؛ خائن من بين الضحايا. وفي هذه الحالة بالذات، قدمت هذه المجموعة نفسها في صورة عبد العزيز بن سعود.
للتحقيق في دور ابن سعود ، قمنا بفحص مقال عام 2016 للباحث المستقل نعمان عبد الواحد. يؤيد الأدلة الأولية من دراسة كاشفة للدكتور عسكر العنزي ، بعنوان إنشاء المملكة العربية السعودية: ابن سعود والسياسة الإمبراطورية البريطانية ، 1914-1927 (لندن: روتليدج ، 2010) مع أعمال بارزة أخرى في تاريخ مثل ولادة المملكة العربية السعودية (لندن: فرانك كاس ، 1976) بقلم غاري ترويلر وملك الصحراء: حياة ابن سعود (لندن: كتب الرباعية ، 1980) لديفيد هوارث إلخ.
لعب عبد العزيز بن سعود بين عامي 1915 و 1926 ككبش ضارب للإمبراطورية البريطانية. في جوهره ، كان الدور القوي لابن سعود هو ما مكّن البريطانيين من تحقيق أهدافهم الإمبريالية والصهيونية. الأهداف التي تمخضت عنها معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور.
كما يوثق الدكتور العنزي في دراسته لعام 2010 ، فإن شريف الحجاز ، بمجرد انتهاء الحرب ، أراد أن يفي البريطانيين بوعودهم في زمن الحرب كما ورد في مراسلات مكماهون – حسين. من ناحية أخرى ، أراد البريطانيون من الشريف قبول رؤية الإمبراطورية الفعلية للجزيرة العربية. رؤية تقسم العالم العربي بينهم وبين الفرنسيين وتنفذ وعد بلفور.
ومع ذلك ، أعلن الشريف أنه لن يبيع فلسطين أبدًا لوعد بلفور للإمبراطورية. ولن يقبل أي حدود عشوائية جديدة رسمها الإمبرياليون البريطانيون والفرنسيون عبر شبه الجزيرة العربية.
بعد مؤتمر القاهرة في مارس 1921 ، أرسلت الإمبراطورية ت. لورنس “لورنس العرب” لمقابلة الشريف حسين.
عرض عليه لورانس دفعة سنوية قدرها 100000 جنيه إسترليني (العنزي 2010 ، ص 111) لكن الشريف رفض التنازل. وعندما فشلت الرشوة المالية في إقناع الشريف ، هدده لورانس باستيلاء ابن سعود على السلطة.
أثناء التفاوض مع الشريف حسين ، زار لورانس أيضًا قادة آخرين في شبه الجزيرة العربية. وحذرهم من الدخول في تحالف مع الشريف. أخبرهم ، إذا فعلوا ذلك ، ستطلق الإمبراطورية العنان لابن سعود والوهابيين عليهم. بعد كل شيء ، كان ابن سعود والوهابيون التابعون له تحت رعاية بريطانيا (العنزي ، ص 111).
في الوقت نفسه، بعد المؤتمر ، سافر وزير المستعمرات آنذاك ونستون تشرشل إلى القدس. وهناك التقى بنجل الشريف، عبد الله ، الذي عينه البريطانيون أميراً لمنطقة جديدة تسمى شرق الأردن. طلب منه تشرشل إقناع “والده بقبول الانتداب على فلسطين والتوقيع على معاهدة بهذا المعنى”. إن لم يكن “البريطانيون سيطلقون العنان لابن سعود على الحجاز” (العنزي ص 107).
في غضون ذلك ، وضع البريطانيون خططًا لإسقاط ابن رشيد في حائل في الشمال. رفض ابن رشيد كل الطروحات من الإمبراطورية البريطانية. اقتراحات قدمت إليه عبر ابن سعود ليصبح أحد دمى الإمبراطورية (العنزي ص 45-46 ، ص 101-102).
وبدلاً من ذلك ، وسع ابن رشيد أراضيه شمالاً إلى الحدود الفلسطينية الجديدة. كما قام بتوسيع أراضيه إلى حدود العراق في صيف عام 1920. وفي ظل القلق من أن ابن رشيد قد يسعى إلى تحالف مع الشريف حسين، اتفق تشرشل مع الضابط الإمبراطوري السير بيرسي كوكس في مؤتمر القاهرة على أنه “ينبغي إعطاء ابن سعود” فرصة احتلال حائل ”(العنزي ص 104).
بحلول نهاية عام 1920 ، كان البريطانيون يغمرون ابن سعود بـ “منحة” شهرية قدرها 10000 جنيه إسترليني من الذهب ؛ علاوة على دعمه الشهري. كما حصل على أسلحة وإمدادات وفيرة ، بلغ مجموعها أكثر من 10.000 بندقية ، بالإضافة إلى حصار حرج وأربعة مدافع ميدانية مع مدربين بريطانيين هنود (العنزي ص 104).
أخيرًا ، في سبتمبر 1921 ، أطلق البريطانيون العنان لابن سعود في حائل التي استسلمت رسميًا في نوفمبر 1921. وبعد هذا الانتصار ، منح البريطانيون لقبًا جديدًا لابن سعود. لم يعد “أمير نجد وشيخ عشائرها” بل “سلطان نجد وتوابعها”. كانت حائل قد انحسرت في تبعية سلطان نجد في الإمبراطورية.
مع وجود ابن سعود الآن على حدود الشريف حسين متخماً بالسلاح البريطاني، رتبت الإمبراطورية جولة جديدة من المحادثات مع عبدااله نجل الشريف حسين ؛ وصاغت معاهدة قبول الصهيونية. عندما تم تسليمها إلى الشريف حسين برسالة مرفقة من ابنه يطلب فيها “قبول الواقع” ، لم يكلف الشريف حسين نفسه عناء قراءة المعاهدة وبدلاً من ذلك قام بتأليف مسودة معاهدة بنفسه ترفض التقسيمات الجديدة لشبه الجزيرة العربية ، وكذلك وعد بلفور ، وأرسله إلى لندن للمصادقة عليه (العنزي ص 113).
بعد ثلاث جولات أخرى من المفاوضات في عمّان ولندن ، أدركت الإمبراطورية أن الشريف حسين لن يتنازل أبدًا عن فلسطين للمشروع الصهيوني لبريطانيا العظمى أو يقبل التقسيمات الجديدة في الأراضي العربية (العنزي ، ص 112-125).
في مارس 1924 ، أعلن البريطانيون أنهم أنهوا جميع المناقشات مع الشريف حسين (العنزي ص 129). في غضون أسابيع ، بدأت قوات ابن سعود وأتباعه الوهابيين في إدارة ما أسماه وزير الخارجية البريطاني اللورد كرزون “الركلة الأخيرة” للشريف حسين وهاجموا المنطقة الحجازية (العنزي ، ص 106). بحلول سبتمبر 1924 ، كان ابن سعود قد اجتاح العاصمة الصيفية للشريف حسين، الطائف.
استولى ابن سعود على أقدس مكان في الإسلام، مكة ، في منتصف أكتوبر 1924. تنازل الشريف حسين عن العرش وذهب إلى المنفى الحجازي في العقبة. حل محله ابنه علي كملك وجعل من جدة قاعدته الحكومية. خوفًا من أن الشريف حسين قد يستخدم العقبة كقاعدة لحشد العرب ضد ابن سعود ، أعلن البريطانيون أن على الشريف حسين أن يغادر العقبة أو أن ابن سعود سيهاجم الميناء. وردًا على ذلك ، رد الشريف حسين قائلاً:
“لم أعترف قط بالانتداب على الدول العربية وما زلت أحتج على الحكومة البريطانية التي جعلت من فلسطين وطنا قوميا لليهود”. (العنزي ص 119).
تم إجباره بعد ذلك على الخروج من العقبة ، وهو ميناء تم تحريره من قبل الشريف حسين نفسه من الإمبراطورية العثمانية خلال “الثورة العربية”. في 18 يونيو 1925 ، غادر الشريف حسين العقبة على متن سفينة HMS Cornflower.
بدأ ابن سعود حصاره لمدينة جدة في يناير 1925. واستسلمت المدينة أخيرًا في ديسمبر 1925. وقد أنهى هذا أكثر من 1000 عام من حكم أحفاد النبي محمد.
اعترف البريطانيون رسمياً بابن سعود ملكاً جديداً للحجاز في فبراير 1926. وحذت دول أوروبية أخرى حذوها في غضون أسابيع.
أعادت الإمبراطورية البريطانية تسمية الدولة الوهابية الموحدة الجديدة في عام 1932 باسم “المملكة العربية السعودية” (المملكة العربية السعودية). ادعى جورج ريندل ، وهو موظف يعمل في مكتب الشرق الأوسط في وزارة الخارجية في لندن ، الفضل في الاسم الجديد.
في الختام ، لا يجد أي مراقب حكيم للإمبريالية البريطانية أنه من المدهش أن تخون الإمبراطورية البريطانية وعودها للعرب بدولة عربية مستقلة بعد الحرب العالمية الأولى. ومع ذلك ، عندما يقوم زعيم عربي بالخيانة ويصبح عميلا للإمبراطورية البريطانية ؛ عندما يذبح هذا العميل العرب الذين يتجرأون على مقاومة الخداع الصهيوني. وأخيراً عندما عين ملكاً للجزيرة العربية مكافأة له على خيانته من قبل نفس الإمبراطورية الغادرة التي خدعت الشعب العربي. عندما يفعل أمير عربي هذا يصبح خائنا. ويبقى خائنا الى الابد. لأنه لا يمكن لأي قدر من الثروة أو الدعاية أن يغير الحقيقة الواضحة: أن عبد العزيز بن سعود أصبح ملكًا للجزيرة العربية – وعائلة آل سعود “أفراداً للعائلة المالكة” – لأنه خان العرب وأصبح عميلاً للإمبراطورية البريطانية ؛ ومن الآن فصاعدًا نفذت المخططات الصهيونية للإمبراطورية في شبه الجزيرة العربية.
في الواقع ، فإن المفارقة المريرة التي يجب على المسلمين ليس معرفتها فحسب بل اجتثاثها أن أقدس موقعين في الإسلام تحكمهما اليوم العشيرة السعودية والتعاليم الوهابية لأنها ساعدت الإمبراطورية البريطانية على إرساء أسس الصهيونية في شبه الجزيرة العربية أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى.
المصدر: الواقع السعودي
الكاتب :
الموقع :www.alalamtv.net
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2020-12-15 14:12:46
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي