كيف تفكر تل أبيب بحروبها المقبلة؟
تحسين الحلبي | كاتب وباحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
حين يعجز قادة الكيان الإسرائيلي عن تحقيق أهدافهم بوساطة الحروب الخارجية سرعان ما يلجؤون إلى إعداد الخطط البديلة أو التي تسبق عند الضرورة حروبهم العسكرية الخارجية ولذلك جاءت دعوة السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة غيلعاد ايردان للبدء في دعم الترويج لحملات تطالب الغرب باستخدام الداخل الإيراني لإسقاط القيادة الإيرانية تأكيداً لهذه الخطة البديلة في السياسة الإسرائيلية بعد التسليم الأميركي – الغربي – الإسرائيلي بالعجز عن تحقيق أهدافهم بوساطة الحرب الخارجية، ففي مقابلة أجرتها الإذاعة العسكرية الإسرائيلية في تل أبيب يوم الجمعة الماضي سئل السفير ايردان عما ستفعله حكومته من أجل التخلص من القيادة الإيرانية فأجاب: «في النهاية سنظل نعمل على إنهاء وجود هذه القيادة في إيران ونغير النظام الحاكم هناك بوساطة الداخل الإيراني» وطالب الدول الغربية كلها بزيادة حصارها لإيران وشن حملات تساهم في تنفيذ هذه الخطة.
وكان بعض المحللين الأميركيين في مجلة «أنتي وور» الأميركية الإلكترونية قد استغرب صدور هذا التصريح الرسمي العلني للعمل على تغيير النظام من الداخل لأن الولايات المتحدة نفسها لا تفضل الإعلان عنه وهي في مجرى المفاوضات مع إيران حول الموضوع النووي، ومع ذلك يبدو أن السفير ايردان أراد استخدام الإذاعة العسكرية الإسرائيلية وإطلاق تصريحه الداعي إلى التركيز على استخدام الداخل الإيراني في هذه الظروف ضد القيادة الإيرانية بهدف تخفيف فزع الجنود من أي حرب خارجية قد يشنها الجيش الإسرائيلي ضد إيران أو ضد أي طرف من قوى محور المقاومة وبخاصة بعد الخوف الذي ساد داخل الكيان الإسرائيلي من التصعيد مع جبهة الشمال بعد تبادل إطلاق الصواريخ بين المقاومة اللبنانية وجيش الاحتلال من جنوب لبنان في الأسبوع الماضي.
لكن السجل التاريخي الذي تحمله مختلف أشكال العدوان الإسرائيلي على دول المنطقة حافل بمثل هذه الخطط وخاصة عندما تجد القيادة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية نفسها أمام طريق مسدود في مجابهة جيوش الدول وفصائل المقاومة التي تتصدى لها يوميا فتلجأ إلى فتح طريق تفتعل بوساطته أزمات داخلية أو حرب داخلية أو فتنة داخلية لهذه الأطراف بهدف إضعاف قدراتها أو التمهيد للتخلص من دورها ووجودها المقاوم لهذا الكيان.
وهذا في واقع الأمر ما حاولت المراهنة عليه واشنطن وتل أبيب ضد سورية حين بدأت الأصابع الاستخباراتية الإسرائيلية تحرك أدواتها في منطقة درعا بعد الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حرب السنوات العشر الكونية ضد سورية وخاصة بعد التصدي الفعال الذي أحبط فيه الجيش السوري استهداف الغارات الجوية الإسرائيلية أو الصاروخية للأراضي السورية قبل ثلاثة أسابيع.
ففي أعقاب هذا الانجاز السوري خشيت إسرائيل من مضاعفاته على متابعة دورها برعاية الإرهابيين فقامت بتحريك بعضهم في درعا جنوب سورية لإضعاف قوة سورية التي تجابه قوات الاحتلال في الجولان وجبهة الشمال الإسرائيلية التي يشكل حزب الله في جنوب لبنان الجناح الثاني أمام جبهة الشمال الإسرائيلية.
ومنذ عام 2007 بعد الهزيمة التي تكبدها جيش الاحتلال في حرب تموز 2006 بدأت قيادة الجيش الإسرائيلي بإنشاء وتحصين عدد من المطارات الجوية لسلاح الجو في النقب جنوب فلسطين المحتلة منذ عام 1948 لنقل عدد من مطاراتها العسكرية إلى تلك المنطقة البعيدة عن جبهة الشمال وصواريخ المقاومة وكانت تدرك أن الخطر المقبل والمؤكد ستحمله قوى محور المقاومة من جبهة الشمال بالذات وهذا ما بدأ يزداد تأكيدا بعد انتصار محور المقاومة في الحرب الكونية التي شنت بهدف تفتيت هذا المحور وتغيير قياداته المنتصرة من دمشق إلى لبنان إلى طهران إلى العراق وفلسطين فبعد تلك الجولة من الحرب على سورية وحلفائها أصبح هذا المحور الإقليمي وتحالفه مع موسكو وبكين قوة تفرض جدول عمل المنطقة لمصلحة شعوبه ومستقبله ولا أحد يستطيع أن يفرض عليه جدول عمله لا بوساطة الحروب الخارجية ولا من الداخل.