كيف تتعامل واشنطن مع التحالف الروسي-الصيني؟
شهدت العلاقات الصينية–الروسية تناميًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، في كافة المجالات (الاقتصادية، والسياسية، والدفاعية، والتكنولوجية)، وهو ما سيعرض المصالح الأمريكية للخطر، لا سيما على الصعيد العالمي، بحسب ما أكد المراقبون السياسيون في واشنطن وخارجها.
فعلى الرغم من متابعة أغلب المحللين الأمريكيين للتحديات التي تفرضها كل من روسيا والصين على الولايات المتحدة، لكنهم لم يفكروا كثيرًا في كيفية تضافر أفعال كل من موسكو وبكين معًا في آن واحد، وهو ما سيؤدي إلى تضخيم تأثير كلا الفاعلين.
وبناءً عليه، ستعمل بكين مع موسكو لسد الثغرات في قدراتها العسكرية، وتسريع ابتكاراتها التكنولوجية، لاستكمال جهودها لتقويض القيادة الأمريكية العالمية. وفي المقابل، ستعمل روسيا على تضخيم التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة مع الصين.
في هذا السياق، يؤكد كل من “أندريا كيندال تايلور” و”ديفيد شولمان” في دراسة بعنوان: “الإبحار في تعميق الشراكة الروسية الصينية”، صادرة عن مركز “الأمن الأمريكي الجديد” (CNAS)، على تعدد أبعاد ومظاهر العلاقات الروسية–الصينية، وهو ما يُنبئ بشراكة استراتيجية قوية بينهما ستُلقي بآثارها السلبية على قوة الولايات المتحدة ومكانتها في النظام العالمي.
أبعاد العلاقات الروسية–الصينية
أشار الكاتبان لأربعة مجالات رئيسية في إطار العلاقات الصينية–الروسية، مع تحديد الدوافع والقيود المرتبطة بكل مجال على حدة، وكيفية تأثيره على مكانة الولايات المتحدة في السنوات المقبلة.
أولًا- مجال الدفاع: يشير الكاتبان إلى أنه من المرجح أن يخلق التعاون الروسي-الصيني جملة من التحديات للولايات المتحدة في مجال الدفاع، وهو ما تجلى في رغبة كل من بكين وموسكو في تعميق علاقاتهما الدفاعية، سواء بمناوراتهما البحرية المشتركة مع أبرز الدول المتنافسة مع الولايات المتحدة كإيران، وهو ما سيسمح للمنافسين بزيادة عرض قوتهم وإجبار الاستراتيجيين الأمريكيين على حساب سيناريوهات جديدة. أو قيامهم بالعمل على زيادة تعاونهما التكنولوجي، مما قد يسمح لهما في النهاية بالابتكار بشكل جماعي أسرع مما تستطيع الولايات المتحدة القيام به بمفردها، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى إجهاد ميزانية الدفاع الأمريكية المضغوطة بالفعل.
فضلًا عن تعاونهما على تسريع جهودهما لتقويض المزايا العسكرية الأمريكية، وهي ديناميكية تمثل مشكلة خاصة في إطار المنافسة الاستراتيجية الأمريكية مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لا سيما بعد قيام روسيا بتزويد الصين بأنظمة أسلحة متطورة لتعزز من قدرات الدفاع الجوي الصيني.
في هذا السياق، أشار الكاتبان لملفات التعاون الصيني الروسي في مجال الدفاع، كمبيعات الأسلحة، والتعاون التقني للدفاع الذي تجلى في انتعاش مبيعات الأسلحة بين كلا البلدين، خاصة في أعقاب أزمة أوكرانيا، حيث اعتمدت روسيا على الصين في الحصول على المكونات الإلكترونية والبحرية للتغلب على العقوبات الغربية التي فُرضت عليها نتيجة ضمها شبهَ جزيرة القرم، وذلك بمنعها من الوصول للتكنولوجيا الغربية.
وفي المقابل، قامت روسيا بتزويد بكين بأنظمة الدفاع الجوي (إس 300، وإس 400)، والصواريخ المضادة للسفن، ومجموعة من أحدث المقاتلات الروسية، وهو ما ساهم في تعزيز القدرات الدفاعية لجيش التحرير الشعبي الصيني، والتي ستؤثر حتمًا على تغيير ميزان القوى لصالح الصين، سواء في تايوان أو بحر الصين الجنوبي، ومن ثم تحسين قدرتها على معارضة التفوق الأمريكي هناك.
أخيرًا، مثّلت التدريبات والمناورات العسكرية الروسية والصينية المشتركة، كمهمة “السلام” في 2005، والتي كانت أول تدريب روسي واسع النطاق مع الصين، وعادة ما يتم إجراؤه تحت رعاية منظمة شنغهاي للتعاون، فضلًا عن التدريبات البحرية والجوية المشتركة بين البلدين خلال عامي 2018-2019؛ تهديدًا كبيرًا للقدرات الدفاعية للولايات المتحدة.
ثانيًا- الديمقراطية وحقوق الإنسان: يؤكد الكاتبان أن كلًّا من الصين وروسيا يحملان رؤية مشتركة لعالم أقل ديمقراطية وأكثر استجابة لاستمرار الحكم الاستبدادي، رغبةً في تقويض الديمقراطية والحقوق العالمية كأساس للنظام الليبرالي الحالي.
حيث تتقارب تكتيكات السياسة الخارجية الروسية والصينية بطرق جديدة ومتآزرة لزيادة التحديات للجهات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، لا سيما بأوروبا الشرقية والبلقان، حيث الجهود الروسية طويلة الأمد لتشويه سمعة الديمقراطية والاتحاد الأوروبي موجودة جنبًا إلى جنب مع الاستثمارات الصينية الكبيرة في البنية التحتية هناك.
وتُعد “صربيا” أبرز مثال على هذا، حيث تمكنت الصين بالتعاون مع روسيا من إشراكها بمبادرة “الحزام والطريق”، وذلك بإقناع القادة الصرب بالنظر إلى التمويل الصيني على أنه فرصة للترويج لأنفسهم محليًا من خلال تحسين البنية التحتية دون التقيد الصارم باللوائح التي تأتي مع الصناديق الأوروبية. ليس هذا فحسب، فقد قامت كلٌّ من موسكو وبكين بدعم الديكتاتوريات الصديقة، وتعزيز ديمومة هذه الأنظمة، كما حدث في “فنزويلا”، وذلك بتوفير مساعدات مالية وأسلحة بدون قيود، وهو ما أدى لإضعاف النفوذ الغربي هناك.
أخيرًا، ساهمت كل من الصين وروسيا في إضعاف الأعراف والمؤسسات الدولية المركزية المعنية بالديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، كقيامهما باستخدام “حق الفيتو” في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للاعتراض على أي عمل يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى نجاحهما في التأثير على لجنة الميزانية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة لإلغاء تمويل العديد من الوظائف كتلك المتعلقة بنشر الحقوق، أو المراقبة والتحقيق والإبلاغ عن الاعتداء على النساء والأطفال وانتهاكات الحقوق، في الوصف الوظيفي للميزانية بقدر الإمكان.
ثالثًا- التكنولوجيا والمجال السيبراني: وهنا يجادل الكاتبان بأن التعاون التكنولوجي بين الصين وروسيا سيساهم في تقويض أهم مجالات التفوق الأمريكي، وهو ما سيؤثر حتمًا على مكانة ونفوذ الولايات المتحدة في النظام الدولي خلال السنوات المقبلة، مبررين ذلك بعدد من الشواهد التي من أبرزها زيارة الرئيس الصيني “شي جين بينج” لموسكو في مايو 2015، والتي أسفرت عن توقيع البلدين عددًا من الاتفاقيات لتعميق التعاون في مجالات مثل: الذكاء الاصطناعي، والجيل الخامس، والتكنولوجيا الحيوية، والاقتصاد الرقمي.
فضلًا عن قيامهما بإنشاء صناديق مشتركة لتعزيز البحث في المجال التكنولوجي، كصندوق الاستثمار المشترك للابتكار، والذي تأسس عام 2019، وأكاديميات العلوم الروسية والصينية في مجال الذكاء الاصطناعي والتي تأسست خلال عام 2018.
وأخيرًا، العمل على تعميق الصناعات الروسية والصينية، وهو ما تجلى في تعاون شركة “هواوي” الصينية مع الجامعات والمجتمعات العلمية الروسية في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث وقّعت شركة هواوي صفقة مع شركة الاتصالات الروسية “MTS” في أكتوبر 2019 لتطوير شبكات الجيل الخامس “5G” في موسكو، كما تخطط شركة هواوي لاستثمار 7.8 ملايين دولار لتدريب 10000 متخصص روسي على تقنية “الجيل الخامس”.
ليس هذا فحسب، فقد سعت كل من روسيا والصين للعمل معًا في مجال “الأمن السيبراني”، من خلال تعاونهما في الأمم المتحدة والمنظمات المتعددة الأطراف الأخرى للتأكيد على “سيادة الدولة” على المحتوى الرقمي والمعلومات وأدوات الاتصال التي قد تهدد استقرار النظام.
ففي عام 2011، قدم البَلَدَان رسالتهما الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي هدفت لتعزيز السيادة الإلكترونية كمعيار دولي، وناديا بإنشاء “مدونة لقواعد السلوك الدولية لأمن المعلومات” في الأمم المتحدة، تسمح للحكومات بفرض السيطرة على العديد من وظائف الإنترنت، والعمل على قمع نشر المعلومات التي تُحرّض على الإرهاب أو التطرف أو تزعزع الاستقرار السياسي للدولة، وهو ما يعني الدفع في اتجاه “الاستبداد الرقمي”، ناهيك عن جهودهما في تغيير اتفاقية “بودابست” لتحل محلها معاهدة جديدة للجرائم الإلكترونية، بعد نجاحهما في حشد أغلب أعضاء الأمم المتحدة لتمرير القرار.
رابعًا- الاقتصاد: تعمل كل من روسيا والصين على الحد من مركزية الولايات المتحدة في النظام الاقتصادي العالمي، وهو ما تجلى في تعاونهما لتفادي العقوبات الأمريكية وضوابط التصدير، وهو ما سيؤدي للتخفيف من آثار الضغط الاقتصادي الأمريكي، وإضعاف فعالية الأدوات المالية القسرية للولايات المتحدة، وخاصة العقوبات وضوابط التصدير، والتي كانت جزءًا أساسيًا من السياسة الخارجية الأمريكية. كما سيكون لدى الولايات المتحدة قدرة أقل على استخدام مثل هذه التدابير المالية لعزل وتقييد الإجراءات غير المرغوب فيها ليس فقط من موسكو وبكين ولكن من الدول الأخرى التي يمكنها الاستفادة من شبكاتها لتجاوز الضغط الأمريكي.
البحث عن حل
طرح الكاتبان عددًا من الإجراءات التي يجب على الولايات المتحدة اتّباعها للحد من مخاطر التعاون الروسي الصيني، ومن أبرزها ضرورة سعي الولايات المتحدة لتعزيز تعاونها مع روسيا، من خلال العمل على تغيير حسابات موسكو حتى تدرك أن التعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا أفضل بكثير من التبعية المتزايدة للصين، الأمر الذي سيستغرق وقتًا طويلًا نتيجة لجهود الكرملين المستمرة لاستهداف الانتخابات الأمريكية، وتضخيم الانقسامات الاجتماعية الأمريكية، وتقويض ثقة الولايات المتحدة في المؤسسات الديمقراطية، لكنه حتمًا سيقلل من مدى استعداد روسيا للمضي قدمًا مع بكين، مما يحد من عمق شراكتهما على المدى البعيد.
كما يجب على الولايات المتحدة زيادة جمع المعلومات الاستخبارية وتبادلها بشأن التعاون بين روسيا والصين، مع التركيز على مراقبة التعاون العسكري بينهما، وعمليات نقل التكنولوجيا، للعمل على فضح العلاقات بين موسكو وبكين في هذه المجالات.
وسيتوجب على واشنطن أيضًا استئناف القيادة في المؤسسات متعددة الأطراف، والعمل على تحفيز الجهود بين الشركاء لمعالجة المجالات الهامة مثل: تغير المناخ، والصحة العالمية، والعمل على زيادة الجهود لتشكيل وتعزيز القواعد والأطر الأخلاقية للاستخدام المناسب لتقنيات الذكاء الاصطناعي. مع ضرورة إعادة تأكيد الالتزامات تجاه الشراكات العسكرية الرئيسية، مثل التعاون الدفاعي الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.
أخيرًا، يجب على صانعي السياسة الأمريكية أن يكونوا على دراية بالتوترات بين روسيا والصين، والعمل على استغلالها وتضخيمها، وهو ما سيؤثر سلبًا على المسار العام للعلاقات بين موسكو وبكين، بشرط أن يتم اتباع هذا النهج بالتنسيق مع كافة دوائر صنع القرار الأمريكي.
ختامًا، يحذر الكاتبان من تلاقي المصالح الروسية الصينية، فكلٌّ منهما ينظر للولايات المتحدة على أنها أكبر تحدٍّ أمني لهما، الأمر الذي سيعزز من تعاونهما في المستقبل، وسيقيد من قوة ومكانة الولايات المتحدة، وأخيرًا سيسرع من عملية التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، وإعادة تشكيل القواعد والمعايير الدولية لصالح روسيا والصين.
أندريا كيندال