عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية
قد يتبادر إلى ذهن البعض عندما نسأل إن كان حزب الله بات فعلاً أقوى من ” إسرائيل” إنّنا نقوم بعملية رفع معنويات أو رسم معالم بروباغندا بأبعادٍ عاطفيةٍ عندما يتبيّن للقارىء أنّ حزب الله بات فعلاً أقوى من ” إسرائيل”.
والجواب الذي يجب أن يكون موضوعياً ومنطقياً وقابلاً للتصديق ينبغي أن يُبنى على مُعطياتٍ واقعيةٍ ترتبط بطبيعة الصراع ومراحله وتحوّلاته وهو ما سنستعرضه عبر تسلسُل الأحداث التي أدّت إلى طرح السؤال .
شكّلَ حزب الله نقلةً نوعيةً في مسار المقاومة العربية بمواجهة الكيان الصهيوني في البُعدين العقائدي والعسكري ، حيث كان التزام الحزب منهج العقيدة الإسلامية أحد أهم العوامل التي استطاع من خلالها ان يبدأ بعملية بناء متوازية للجسم العسكري ، وللبيئة الحاضِنة التي باتت الآن مُجتمعاً مُتكامِلاً مُتماهياً مع قيادته ومُطيعاً لقراراتها، بدليل إحتماله وتقبّله لحجم التضحيات التي بذلها الحزب منذ إطلاقه الطلقة الأولى حتى اللحظة ، بحيث يمكن الجَزْم أن العاملَ العقائدي الذي لم يزل مُستعصياً في نتائجه على الفَهْم في العقل السياسي والعسكري الصهيوني ، كان وسيبقى بمثابة الأساس والركائز التي يبني عليها الحزب خططه وسلوكه وقراراته ، وهو العامل الذي أربك منذ اللحظة الأولى وحتى خروج الجيش الصهيوني عام 2000 من الجنوب سواء عبر العمليات الإستشهادية أو عبر أنماطٍ عسكرية لا قِبَل للعدو بها ، بحيث بات الجيش الصهيوني عاجزاً عن الصمود بسبب الخسائر الكبيرة في جنوده وفي صفوف عُملائه من جيش لحد الذي انهار انهياراً كاملاً مع خروج آخر جندي صهيوني.
أهمية ما تحقّق في 25 أيار /مايو سنة 2000 إن العدو الصهيوني أُجبِرَ على الإنسحاب لأول مرّة تحت ضغط الضربات العسكرية للمقاومة ، وهو ما يمكن اعتباره تراجعاً جذرياً في صلب العقيدة العسكرية الصهيونية القائمة على احتلال الأرض بشكلٍ خاطف ، اعتماداً على القوّة العسكرية المُفرطة والمُتفوّقة باستخدام ثنائي الصدمة سلاحي الطيران والمدرّعات .
ورغم أن حرب تشرين التحريرية سنة 1973 أعادت الاعتبار للمُقاتل العربي وأثبتت أنّ الجيش الذي لا يُقهَر يمكن تحقيق الهزيمة فيه ، إلاّ أنّ خروج الجيش الصهيوني من لبنان جاء ليُثبت ما حصل سنة 1973 ، بفارِق انّ موازين القوى التي كانت لمصلحة العدو الصهيوني حينها أعطت الفرصة له لاستعادة المبادرة نظراً لطبيعة المواجهة التي كانت قائمة على أساس مواجهة الجيوش النظامية.
حيث كان التفوّق كبيراً لمصلحة الكيان الصهيوني وهو ما لم يكن قائماً في المواجهة بين حزب الله والجيش الصهيوني حيث كنا أمام حرب لا متماثلة كان فيها حزب الله أقرب لجيش من الأشباح فوق الأرض وتحتها ما أعطاه ميزة المناورة العالية وتحقيق الضربات السريعة والقاصِمة من خلال اعتماده على نمط الاستنزاف عبر الكمائن ومصائد المتفجّرات ومن ثم الانتقال للعمليات الجريئة خلال سنتي 1999 و 2000 بمهاجمة المواقع الصهيونية الحصينة وتصوير العمليات لاستخدام المشاهد في الحرب الإعلامية والنفسية ما أجبر العدو على سحب جيشه إلى ما وراء الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة ، وبذلك دخلنا في مرحلةٍ صراعيةٍ مختلفةٍ وباتت الجغرافيا التي يتحرّك عليها حزب الله أوسع وأكثر أماناً ما أتاح له إنشاء قواعد مُحصّنة لإطلاق الصواريخ وشبكة أنفاق وخنادق والبدء بتنفيذ تمارين قتال قائمة على الدفاع وقتال البقعة لمعرفة الحزب أن المواجهة لم تنته بعد مع الكيان الصهيوني .
التحوّل الجَذْري في المواجهة حصل خلال عدوان تموز / يوليو سنة 2006 حيث كنّا أمام تحوّلات مسّت جوهر الفكرة التي قام عليها الكيان الصهيوني ، وهي الهجرة إلى فلسطين لجهة العدد الكبير من المستوطنين الذين نزحوا مؤقّتاً من شمال فلسطين المحتلة إلى وسطها ، حيث قارب العدد حوالى المليون مستوطن وبقاء عدد مُماثل في الملاجىء لمدّة 33 يوماً ، في حين أنّ حوالى 100 ألف مستوطن هاجروا هجرة عكسية من الكيان إلى البلدان التي جاؤوا منها إلى فلسطين.
ما يعني أنّ تحوّلاً كهذا شكّل بالنسبة لحزب الله ركيزة أساسية في بناء خطط المواجهة اللاحقة ، مع العِلم أنّ عدد الصواريخ التي أطلقها الحزب خلال العدوان أثّرت في عُمقٍ لا يتجاوز ال 30 كلم من الحدود اللبنانية عبر استخدام صواريخ الغراد ، بعددٍ لا يتجاوز ال 1500 صاروخ وبتأثير تدميري بسيط ، حيث لا يتجاوز الرأس المُتفجّر لصواريخ الغراد بين 18 و25 كلغ بحسب الطرازات التي يصل مدى أفضلها إلى 40 كلم ، إضافة إلى استخدام الحزب لأقلّ من 100 صاروخ من فئة فجر – 3 وفجر – 5 التي يبلغ مداها بين 70 و 90 كلم برأس حربي لا يتجاوز 90 كلغ وصاروخين فقط من فئة إم – 302 وهو صناعة معامل الدفاع في سوريا والذي يبلغ مداه حوالى 160 كلم ، ويحمل رأساً متفجّراً يُقارب ال 175 كلغ ، وصلت منه أعداد مقبولة إلى قطاع غزّة وتم استخدامه خلال مواجهة عام 2014 باستهداف تل أبيب .
بعد مرور 12 عاماً اختلفت المعادلة تماماً ، فحزب الله بعد مشاركته في العمليات العسكرية داخل سوريا بات أكثر خبرة وامتلكت وحداته القتالية بما فيها عناصر التعبئة الشعبية خبرات هائلة في التخطيط وقيادة العمليات ، واكتسب قادته خبرات غير مسبوقة في قيادة القوات والسيطرة عليها ، إضافة إلى انتقال الحزب من أنماط القتال الدفاعي بمجموعات صغيرة إلى القدرة على القتال بمجموعاتٍ كبيرةٍ تصل إلى مستوى لواء مُعزّز إضافة طبعاً إلى نقلة جذرية في صنوف الأسلحة التي يمتلكها .
في عام 2006 ورغم استخدام احتياطي الذخائر في سلاح الجو الصهيوني لم تستطع الطائرات الصهيونية أن تحسم الحرب وبرعت فقط في توجيه ضربات وحشية للمنشآت والمدنيين بهدف الضغط على الحزب والدولة اللبنانية ، لكنها لم تؤثّر في الهيكلية العسكرية لوحدات المقاومة التي ظلّت تقاتل على خط الحدود في عيتا الشعب ومارون الراس وبنت جبيل ، ومنعت العدو من تحقيق اختراقات مهمّة وأحدثت مجزرة في سلاح المدرّعات الصهيوني ، وشلّت قدرة سلاح البحرية الصهيوني بعد إصابة البارجة ساعر .
الآن بات حزب الله وبتصريحٍ عَلَني لأمينه العام السيّد حسن نصرالله يمتلك كل ما يحتاجه ، حيث من المؤكّد أن آلآف الصواريخ الثقيلة مُستعدّة لاستهداف أية نقطة في فلسطين المحتلة وبرؤوسٍ متفجّرةٍ تقارب ال 500 كلغ ، إضافة إلى امتلاك الحزب قدرات كبيرة في شلّ مهمّات المدرّعات الصهيونية والقطع البحرية ، وربما بما يرتبط بالدفاعات الجوية ، وهذا يعني أن تعطيل عمل وقدرة الأسلحة الثلاثة البرية والبحرية والجوية سيمنح جزب الله الأفضلية في تحقيق أهداف المواجهة القادمة التي ستكون صادِمة لشعب الكيان الصهيوني ، ويكفي أن نتخيّل سقوط صاروخ واحد يومياً على تل أبيب لنعرف سلفاً ما ستكون عليه نتيجة المواجهة ، فلا الجيش الصهيوني بكفاءة وشجاعة مُقاتلي المقاومة ولا شعب الكيان بجدارة وعقائدية وصبر مجتمع المقاومة ، وهذا ما سيحسم المواجهة لمصلحة حزب الله ومحور المقاومة خصوصاً إننا لم نتطرّق للقدرات السورية والإيرانية والفلسطينية في حال كانت المواجهة شاملة على كل الجبهات.