كيفية تشخيص امراض القلب والشرايين في لبنان في زمن الإنهيار وفي نهاية العام 2021 (الجزء الأول)
الدكتور طلال حمود | منسق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود
يمرّ لبنان في هذه الأيام ومنذ حوالي ثلاثة سنوات تقريباً في ظروف سياسية،اقتصادية، اجتماعية
ومعيشية كارثية أدّت إلى ارتفاع أسعار الدولار الأميركي بشكلٍ صاروخي وتدهورٍ كبير في قيمة الليرة اللبنانية وتدهور قيمتها ابشرائية وإلى إرتفاع أسعار كل انواع السلع خاصة الأساسية منها والمحروقات والأدوية وغيرها. وهذا ما ادّى الى تردّي كبير وشلل كامل في كل القطاعات العامة والخاصة إضافة الى إنهيار الكثير من القطاعات الصحية والإستشفائية والخدماتية على انواعها. بحيث وجد العديد من اللبنانيين-خاصة الشباب منهم- أنفسهم في حالة من التخبّط والإرتباك والقلق والإحباط من تبدّل الأمور وتغييرها الى الأفضل خاصة مع تفشي حالات الفقر والبطالة وضياع الأمل والطموح على كل المستويات، وبحيث لا يكاد يمرّ يوم من دون ان نسمع عن حالات انتحار أو عن جرائم سطو وسرقة او أعمال عنف تنتقل من منطقة الى اخرى وتطال كل المناطق اللبنانية على السواء لأن الإفقار والتجويع والإذلال وصل تقريباً الى كل منزل في لبنان. ولذلك وجدت انه من واجبي الضروري كطبيب ناشط في المجال السياسي والمدني والاجتماعي وخاصة الإنساني اولاً واخيراً ان اقوم بكتابة هذه النصائح والأفكار التي سأوردها في هذه المقالة عسى أن تساعد ولو قليلاً في التخفيف عن كاهل أهلنا المقهورين والمظلومين في لبنان وتساعد كذلك كل المواطنين في البلاد العربية لتنبيههم وتثقيفهم حول بعض النقاط التي ارى انها اساسية في مواجهة امراض القلب والشرايين التي تبقى رغم كل شيء السبب الأول للوفيات في لبنان وفي كل الدول المتقدمة، وأنا على يقين بأن معظم هذه الارشادات والنصائح -خاصة تلك التي سيترتّب عليها كلفة مالية معينة- سوف تكون صعبة التحقيق في لبنان نتيجة الظروف الإقتصادية والمعيشية القاهرة التي يعيشها المجتمع اللبناني، لأن الجميع منشغل بتأمين لقمة العيش واقلّ مقومات الحياة الكريمة وخاصة دفع فاتورة إشتراك الكهرباء مثلاً وغير مُبالٍ لما قد يحصل معه في مجالي المرض والصحة التي اصبحت من الكماليات ومن الأمور التي لا يقدر على الإهتمام بهما سوى بعض الأغنياء والمحظوظين. لكنني اكون قد حاولت ولو قليلاً ولو من بلاد الإغتراب من خلال نشر هذه الأفكار التوعوية وهذه المعلومات المتواضعة، في تنوير وتثقيف اهلي وناسي ومجتمعي لأن ظروفي الحالية لا تسمح لي بأن اكون بينهم لأسباب متعددة منها قسم كبير يعود الى الظروف التي شرحتها سابقاً واهمها تردّي الوضع المعيشي والخدماتي في لبنان وتدهور حالة القطاع الصحي والإستشفائي الى درجة لم تعد تُحتمل مما دفع الكثير من الأطباء للهجرة وللبحث عن ظروف حياتية افضل؟!
وكما ذكرنا ونذكر دائماً في معظم
كتاباتنا فإن الوقاية من امراض القلب والشرايين هي الأساس في تخفيف مخاطر هذه الامراض ونسبة الوفيات الناتجة عنها وسوف نخصص لاحقاً فقرة تفصيلية نتكلم فيها خاصة حول طرق الوقاية من هذه الامراض. لكنني الآن سوف اتحدث عن طُرق التشخيص الأساسية والمعتمدة حالياً في نهاية العام 2021، لهذا المرض الذي يجب على كل شخض يعاني من عوامل خطورته ان يبحث عنه بكل الوسائل قبل ان يبحث المرض عنه اي قبل فوات الاوان. وللتذكير فأن عوامل الخطورة الأساسية المُسببة لهذا المرض فهي اولاً الأسباب التي لا يُمكن التحكّم بها وهي التقدّم بالسن، لأن امراض القلب تظهر عادة بعد سن ال 45 سنة عند الرجال وسن ال 55 سنة عند النساء وذلك لأن النساء محميات نسبياً من امراض القلب بسسب الهرمونات النسائية التي يفرزها جسمهن طيلة فترة الشباب وحتى بلوغ سن اليأس. كذلك هناك العامل “الوراثي او الجيني” لأن هناك بعص العائلات التي تكثر فيها حالات الموت المُبكر بأمراض القلب وهذا ما يستوجب بحثاً لاحقاً بحدِّ ذاته. اخيراً كان من المعروف سابقاً وحتى سنة 1997 ان امراض القلب والشرايين تُصيب الرجال بمعدّل الثلثين والثلث الباقي عند النساء ولكن الامور تغيرت مع الوقت واصبح مرض القلب ذكوري وانثوي واصبحت الإصابات عند النساء تعادل الإصابات عند الرجال بسبب دخول المرأة في عالم العمل وتعلقها بالتدخين مثل الرجل ودخولها الى عالم العمل والضغوط النفسية والإجتماعية والإقتصادية وحتى السياسية وهذا
ما زاد عندها من نسبة الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
اما عوامل الخطورة التي يُمكن التحكّم بها او تغييرها او مراقبتها فهي عوامل يمكن تغييرها عن طريق تغيير نمط وعادات الحياة التي نعيشها ويأتي في مقدمتها :
١-التدخين -بكل انواعه اي السيجارة والنرجيلة والسيجار والغليون وغيرها-والذي يعتبر المسؤول تقريباً عن ثلث الإصابات بأمراض القلب والشرايين وهو المسبّب الأول بكل تأكيد ودون اي منازع لمرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب الذي يُعتبر مرض القلب الأكثر رواجاً في لبنان والعالم. واعتقد ان نسبته قد ارتفعت عند معظم المدخنين في السنوات الثلاثة الماضية نتيجة الأوضاع التي نمرّ بها على كل المستويات خاصة الإقتصادية والمعيشية والإجتماعية. وكذلك قد يكون الكثير من الشباب اللبناني قد تورَط به نتيجة البطالة وقلّة فرص العمل او الصرف التعسّفي من العمل الذي قد يكون طاله بسبب كل الظروف المذكورة.
٢- مرض إرتفاع الضفط الشرياني وهو يصيب تقريباً ثلث الشعب اللبناني او ما يزيد عن ذلك. وهو مرض يلعب فيه العامل الوراثي دوراً كبيراً. وهو مرض غير معروف الأسباب عند حوالي 95% من المرضى ولذلك نُطلق عليه في هذه الحالات ارتفاع الضغط الشرياني الأساسي او البدئي Essential hypertension. ولكنه مرض يمكن مراقبته وعلاجه بأدوية فعالة جداً في العام 2021 ولا يمكن ابداً ان نقبل ان يكون غير مراقب في هذه الأيام مع تطور الطب ووجود ادوية شديدة الفعالية له. ولحسن حظ المرضى ان ادويته كانت متوفرة بشكلٍ واسع قبل الأزمة وقد ارتفعت اسعارها بكل تأكيد بعد القرار الأخير برفع الدعم عن الأدوية ولكن هناك فسحة امل لمن يعانون منه بوجود الكثير من الأدوية “الجَنيسية او الجنريك” او الأدوية الوطنية المنشئ والتي تبقى اسعارها مقبولة وبمتناول المرضى كما اعتقد.
٣- إرتفاع الدهنيات او خاصة الكولسترول الضار LDL cholesterol وهو كما نعلم في 70 بالمئة منه يأتي من صناعة الكبد له. فالكبد يلعب دور مصنع ضخم او مفاعل نووي صغير يصنع آلاف المواد داخل الجسم ومنها انواع متعددة من الدهنيات وهرمونات وانزيمات متعددة. اما الثلث الباقي منه فيأتي من الأطعمة التي نتناولها. ولذلك يجب علينا ان لا نتعجّب او نستغرب كيف يمكن للدهنيات الضارة ان تكون نسبتها مُرتفعة في الجسم دون ان نكون من مُستهلكي هذه المواد لأن الكبد يفرز ثلثي الدهنيات. وهناك عوائل يوجد لديها عوامل وراثية تزيد من إفرازات الدهنيات في الجسم لأسباب جينية ويتوفى ابناء هذه العائلات بشكلٍ مُبكر وفي مُقتبل العمر حتى بين سن السنتين الى العشر سنوات او بعد ذلك لكن باكراً . وهذا كله ناتج عن خلل بعض الجينات. وقد تطوّر الطب في هذا المجال واصبح لدينا ادوية فعالة جدا لهذه الحالات لكنها لا تزال غالية الثمن وهي متوفرة في لبنان حالياً ولكن اسعارها اصبحت جنونية بكل تأكيد. وقد كانت كذلك قبل الأزمة اصلاً لأنها جديدة ومعقدّة التحضير والتصنيع وتُستورد كلها من الخارج ولا يوجد جنريك منها واسعارها لا تزال مرتقعة جداً في كل دول العالم.
اما ادوية إرتفاع الدهنيات الأخرى الإعتيادية فيوجد منها الكثير من الجنريك والأدوية الوطنية الصُنع التي من المفترض ان تكون مرتفعة الأسعار.
٤- مرض السكري وكما شرحنا سابقاً في مقالات اخرى فهو العدو الأول للقلب والشرايين ويجب قطعاً علاجه ومراقبته بشكلٍ دوري وإستشارة طبيب القلب كل 6 اشهر الى سنة خاصة اذا كان المرض قديم منذ اكثر من خمس سنوات او اذا كان المريض مُدخّن وعنده عوامل خطورة اخرى. ويجب ان نعرف ان حوالي 70 بالمئة تقريباً من مرضى السكري يتوفون بسبب امراض القلب والشرايين وفي كثير من الأحيان بشكلٍ صامت ودون اية اعراض او مع اعراض قد تكون خفيفة جداً او مُستترة او مُموّهة. ونشير ايضاً الى ان ادوية علاج مرض السكري تطوّرت بشكلٍ كبير خلال السنوات العشرة الأخيرة بحيث حصل ما يُمكن ان نُطلق عليه ثورة في هذا المجال بحيث ظهرت ادوية جديدة تحمي من الإختلاطات والأعراض القلبية وتمنع تطوّر مرض قصور القلب وتطوّر مرض الكلى والوصول الى الفسل الكلوي عند المرضى المُصابين بمرض السكري لكن كل هذه الأدوية الجديدة مُرتفعة الثمن لأنها مستوردة من الخارج ولا يوجد منها جنريك ابداً لأنها جديدة. اما الأدوية القديمة فهي بشكلٍ عام زهيدة الثمن ويوجد منها الكثير من الجنريك والأدوية الوطنية الصنع والتي من المفترض ان لا تكون اسعارها قد ارتفعت مُؤخراً.
٥-نمط الحياة القائم على الخمول والكسل او قلة الحركة وعدم القيام بأي نشاط رياضي وهو عامل مهم جداً في التسبب بأمراض القلب والشرايين. فمن منا لا يعرف ان القيام ببعض التمارين الرياضية وخاصة لمدة 45 دقيقة تقريباً ولثلاث مرات في الأسبوع مفيد جداً لصحة القلب والجسم بشكلٍ عام ويفتح شرايين جديدة ويقوّي عضلة القلب ويحمي من ارتفاع الضغط الشرياني ويخفّف من خطر مرض السكري والدهنيات ويحسنهما في الجسم ويخفف الوزن الزائد ويقوي العضلات ويزيد من الثقة بالنفس ويعالج التوتر والإكتئاب . فعلينا جميعا ودون اي تردد ممارسة ذلك اليوم قبل الغد.
٦- البدانة وزيادة الوزن: لأنهما غالباً ما يصاحبهما مرض السكري وارتفاع الضغط والدهنيات ومرض او متلازمة “توقف التنفس اثناء النوم” اي ما يعرف بال Sleep apnea syndrome وكلها عوامل تزيد من مخاطر امراض القلب والشرايين. ويمكن فهم تأثير البدانة بسهولة خاصة وانها تتسبب بقلة الحركة وبزيادة خطيرة لكل عوامل الخطورة التي ذكرناها سابقاً وتُفاقم من مخاطرها.
٧- القلق والتوتر والإكتئاب وهي اسباب اساسية تلعب دوراً كبيراً في التسبّب بأمراض القلب. وقد اظهرت دراسة عدة ان الإكتئاب يرتبط بعلاقة وثيقة ومستقلّة مع هذه الأمراض وان العكس صحيح ايضاً إذ ان مرضى القلب مُعرّضون ايضاً للإصابة بالإكتئاب البذي يُفاقم ويزيد من مهاطر هذه الأمراض عندهم. ومن البديهي ان واقع الأوضاع المعيشية والإجتماعية والإقتصادية ادّى الى زيادة مُفرطة في اعداد اللبنانيين الذين يُعانون من الإكتئاب والقلق والتوتر ومشاكل النوم ونوبات الغضب وغيرها من المشاكل النفسية وان هذا فاقم وسيفاقم اكثر واكثر من مخاطر امراض القلب والشرايين عند حوالي نصف الشعب اللبناني بحسب بعض الإحصاءات وستكون آثار كل ذلك كارثية على صحة اللبنانيبن في الوقت الحاضر وعلى المديين المتوسط والطويل إذ ان الإكتئاب وغيره من المشاكل النفسية المتعددة سيقضيان للأسف الشديد على حياة الكثير من شباب لبنان وسوف تدفع الكثير منهم بكل تأكيد للجوء الى استهلاك كميات اكبر من السجائر و/او الكحول و/او المخدرات والى تغيير انماط حياتهم عبر اعتماد عادات غير صحية وغير سليمة ابداً مثل الخمول وقلّة الحركة وقلّة النوم وكل ذلك له آثار واضرار كبيرة على جهاز القلب والشرايين.
اخيراً هناك عوامل اخرى قليلة الأهمية لا مجال لذكرها هنا لكنها معروفة جداً لدى اطباء القلب ويجب دائماً البحث عنها في تحقيق دقيق ومُفصّل عند المعاينة.
لكل ما تقدّم على كل شخص لديه واحد او اكثر من العوامل التي ذكرناها (عوامل الخطورة ) او يعاني من الم في الصدر او الرقبة او الفكين او في اعلى الظهر بين الكتفين عند الإجهاد، او من تعب او إرهاق او ضيق تنفّس عند الجهد او من إضطراب او تسرّع في ضربات القلب عند القيام بجهد او عند التوتر او الغضب او التعرّض للبرد القارس او يعاني من تورّم البطن او تورّم الساقين ان يستشير طبيبه العام او طبيب العائلة او الطب الداخلي وان يستشير بسرعة طبيب القلب من اجل إجراء كل الفوصات المتوفرة حالياً والتي سنتكلّم عنها في الجزء الثاني من هذه المقالة) وهي فعّالة وكافية للكشف المُبكر عن مرض القلب والشرايين الذي تتطوّر طُرق تشخيصه وعلاجه بسرعةٍ هائلة في لبنان الذي كان حتى الثلاثة سنوات الأخيرة يواكب افضل الدول تطوراً في هذا المجال والذي تدهور فيه وضع القطاع الصحي بشكلٍ مخيف مُؤخّراً للأسباب الاي فصّلناها اعلاه وغيرها من الأسباب. وسوف اوافيكم لاحقاً تفصيلياً بأهم الطرق التشخيصية المُعتمدة وخاصّية وفوائد وحدود كل واحدة منها وتكلفتها التقريبية مع الإنهيار الكبير والغلاء الفاحش الحاصل في لبنان والذي طال كل السلع والخدمات ومَنَع إستيراد الكثير من الأدوية الأساسية والمستلزمات الطبية كما سنرى.