حسّان الحسن | كاتب وباحث لبناني .
لاريب أن المنطقة بأسرها، مقبلة في الشهرين القادمين، على متغيراتٍ ميدانيةٍ وسياسيةٍ، سيضعها أمام واقعٍ جديدٍ، وقد تشهد إنحساراً لمختلف الأزمات، التي عصفت في هذه المنطقة، في السنوات العشرة الفائتة، وذلك عقب إجراء الإنتخابات الرئاسية السورية، ثم الإيرانية، كذلك تقدم المفاوضات في شأن الملف النووي الإيراني من جهةٍ، والمفاوضات الإيرانية – السعودية في شأن مختلف القضايا العالقة في المنطقة، ومنها أزمة تشكيل الحكومة في لبنان، من جهةٍ أخرى. ومن البديهي أن يكون لكل ما ذكر آنفاً، تأثير، من المتفرض أن يكون إيجابياً على الواقع اللبناني الراهن، خصوصاً في ضوء الأجواء الإيجابية الناجمة عن المفاوضات الإيرانية – السعودية في العراق، تحديداً بعد كلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن رغبة بلاده، “في إقامة علاقاتٍ مميزٍة مع جارتها إيران”، هذا برأي مرجع سياسي متابع للمسار التفاوضي المذكور.
ويشير الى أن بن سلمان، يحاول من كلامه هذا، وسلوكه المستجد، أن يؤكد لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أن الأمير السعودي، حاضر للتماهي بالكامل مع السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة، المختلفة عن سياسة سلف بايدن، دونالد ترامب، (صديق الملك سلمان)، خصوصاً تجاه العلاقة مع إيران، ما دفع بن سلمان الى إعلان إستعداده الى وقف الحرب على اليمن، بالإضافة الى إقامة أفضل العلاقات مع إيران، ودائماً بحسب رأي المرجع عينه. أمام هذه المستجدات المذكورة آنفاً، وإمكان تأثيرها على مجمل الأوضاع في لبنان، تحديداً على المسار الحكومي المتوقف، تبادر بعض الجهات الداخلية والخارجية الى إعادة تحريك الملف الحكومي، خصوصاً الإتصالات التي يجريها البطريرك الماروني بشارة الراعي، مع الأطراف المعنيين بتأليف الحكومة، من أجل الأسراع في إتمام عملية التأليف، كذلك إعادة تزخيم المبادرة الفرنسية الرامية الى ذلك، مجدداً، من خلال دخول وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، على خط الأزمة الحكومية مباشرةً، بعد إعلانه عن زيارة لبنان في الأيام القليلة المقبلة، لبحث الأزمة اللبنانية مع كبار المسؤولين اللبنانيين. وعلى الصعيد اللبناني الداخلي، لا تستبعد مصادر متابعة لمسار “التأليف”، أن تكون التلميحات المسرّبة عن أجواء الرئيس المكلّف سعد الحريري، باحتمال إعتذاره عن “التأليف”، موجهةً الى الجانب الفرنسي، خصوصاً بعدما أتم الحريري، “جولة حول العالم”، ولن يحصل على إجازة “للتأليف”، ولن تجدي كل جولات الرئيس المكلف على عواصم بعض دول القرار المؤثرة في المنطقة، كروسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة، ودخولهم على خط الوساطة للحريري، لدى بن سلمان، لرفع الحرم السعودي عن مهمة الحريري. فهو غير مقبولٍ على الإطلاق لدى السعوديين، بحسب تأكيد المصادر. وتشير الى أن زعيم تيار “المستقبل”، حاول الإستعاضة عن الدعم السعودي لمهمته في لبنان، عبر إستجداء الدعم الأميركي له في عملية تأليف الحكومة، علّه بذلك أن يحقق، توازناً في الإحتضان الإقليمي والدولي، لحكومته المرتقبة، غير أنه لم يوفق أيضاً. كون لبنان، ليس مدرجاً في أولويات القائمة الأميركية في المنطقة، فمعلوم أن الإهتمام الأميركي منصب، على الملف النووي الإيراني، وحرب اليمن، وترتيب الوضع الأميركي في العراق، على حد قول المصادر عينها. بالإضافة الى العوائق الخارجية التي تقف حاحزاً أما “التأليف”، هناك أيضاً أسباب داخلية، تدفع الرئيس المكلّف الى المماطلة في إنجاز تشكيل الحكومة، وهي مسألة رفع الدعم عن السلع الإستهلاكية الإسياسية، وفي مقدمها المحروقات، فهو يتهرب من “تلقف كرة النار”، ويحاول قذفها على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، قبل عودة الحريري الى السرايا الكبيرة، إذا تسنى له ذلك، برأي قطب نيابي سني.
وأمام المعطيات المذكورة آنفاً، تحديداً فشل زعيم “المستقبل”، في الحصول على الرضا السعودي لمهمته، أو على الأقل، إطفاء “الضوء الأحمر الملكي” من أمامها، يعتبر مرجع في فريق الثامن من آذار، أن الحريري، يعاني حالة إنعدام في الرؤيا والوزن، فقد بات أمام خيارين، كلاهما مر، الأول، تجاوز “الفيتو” السعودي، والتزامه الأطر الدستورية في عملية التأليف، أي التسليم بالأسس والمعايير الدستورية التي يتمسك بها، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ثم السير بالتدقيق الجنائي. وهذا الأمر، ليس بوسع الحريري، تحمله، ولن يقدم عليه، لأن هكذا خطوة، تشكل له إنتكاسةً داخليةً، وتزيد من حدة غضب “المملكة” عليه، خصوصاً أن عائلته، لاتزال تقيم في أراضيها، بحسب رأي المرجع. والخيار الثاني، هو إستمرار الرئيس المكلف، بالمماطلة والتسويف، في إنتظار حصوله على الرضا السعودي أو الدعم الأميركي، في ضوء تقدم المفاوضات الإيرانية – السعودي، الذي قد يقع الحريري ضحيتها، في ضوء تمسك السعودية برفضها تولي زعيم “المستقبل”، رئاسة الحكومة في لبنان. وهنا لا يستبعد المرجع، تخلي حزب الله، عن دعم لتكليف الحريري، في حال توصل الجانبين الإيراني والسعودي، الى تفاهم يرمي الى حل القضايا العالقة في المنطقة، بموافقةٍ أميركيةٍ، يختم المرجع. وتعقيباً على ذلك، يؤكد مرجع مسؤول قريب من موقع القرار في حزب الله، أن الحريري، هو ليس بصاحب مشروع في البلد، ويتلقّى تعليماته من المملكة السعودية، لذلك لا يستبعد المرجع، رفع دعم الحزب عن الرئيس المكلف، في حال إستمراره بالمماطلة في عملية التأليف، بالإضافة الى حملاته الإعلامية والهجوم على شريكه الدستوري في التأليف، رئيس الجمهورية، الأمر الذي يدفع الى المزيد، من تعقيد الوضع الحكومي. ويشير الى أن زعيم “المستقبل”، سبق له، أن أقدم على تكبير دائرة أعادئه، من خلال محاولة إقحام لبنان، وفريق الحريري في الصراعات الإقليمية، وفي مقدمها الحرب على سورية، والتصعيد السابق بين طهران والرياض. لذا كل هذه المعطيات، ترجّح إنكفاء الحريري، عن مهمته، يختم المرجع.