ينيف كوبوفيتش | هآرتس
أرفق حزب الله “تسعيرة” لأي استهداف إسرائيلي له، وثمة بين الطرفين ردع متبادل. “في لبنان نجد صعوبة في إيجاد صيغة صحيحة لكن من الصائب العمل من دون التوصّل إلى حرب”، هذا ما قاله أحد المسؤولين الرفيعين.
اختراق طائرة من دون طيّار من لبنان عمق الأراضي الإسرائيلية، عوّم مشكلة تعيها القيادة الأمنية والسياسية، لكن لا تتطرق إليها علانيةً: الإنجازات المحدودة لسياسة المعركة بين الحروب، بالتحديد في الساحة التي تُعتبر فيها مخاطر التدحرج إلى حرب كبيرة على وجه الخصوص.
بحسب كلام مصادر أمنية رفيعة، مئات آلاف الصواريخ والقذائف الصاروخية التي بحوزة حزب الله خلقت توازن ردع يُصعّب على “إسرائيل” العمل ضده.
في عام 2018 حدّد الجيش الإسرائيلي خمسة أهداف للمعركة بين الحروب: تقليص التهديدات الراهنة والمتشكلة التي تطال “إسرائيل”؛ إبعاد الحرب وخلق ظروف جيدة جدًا للانتصار فيها؛ الحفاظ وتعزيز الردع؛ زيادة “المكاسب” الإسرائيلية بنظر شركائها؛ والحفاظ على حرية عمل الجيش الإسرائيلي ضمن تقليص ذلك لدى العدو.
في السنوات الأخيرة، حققت هذه السياسة بشكل كبير أهدافها وساهمت في كبح التمركز الإيراني في المنطقة من خلال الهجمات في سوريا، العراق، اليمن وفي دول أخرى.
ولكن بحسب كلام جهات أمنية، الوضع إزاء حزب الله مختلف. سبب ذلك، على حد اعتقادها، هو حقيقة أن التنظيم قد أرفق “تسعيرة” لأي استهداف إسرائيلي له ولعناصره، سيّما على الأراضي اللبنانية، ونشأ بين الطرفين ردع متبادل.
سُمعت تهديدات مماثلة أيضاً من إيران، سوريا وجهات أخرى، ترى “إسرائيل” مسؤولة عن العمليات ضدها. لكن عندما تحدثت هذه الجهات مع “هآرتس” قالت إنه يمكن في ساحات أخرى القيام بمواجهة محدودة، لا يتجاوز فيها الطرفان سقف الحرب، أما في الساحة اللبنانية فالوضع قابل للانفجار كثيراً ويتعزز خطر التدحرج إلى مواجهة شاملة. بسبب قوة حزب الله، مواجهة كهذه قد تشلّ المرافق الإسرائيلية لفترة طويلة وتفضي إلى استهداف جسيم للجبهة الداخلية.
“في لبنان نجد صعوبة في إيجاد صيغة صائبة لكن من الصواب العمل من دون التوصّل إلى حرب”، هذا ما أقرّ به مسؤول رفيع في المؤسسة الأمنية، والذي يوضح بأنه يقصد النشاطات العلنية و “المدوّية”، خلافًا لتلك السرّية.
وأردف بالقول: “نبحث طيلة الوقت عن طريقة لاستهداف تعاظم حزب الله، لكن ذلك لن يدوم لفترة طويلة”.
فيما صاغ مسؤول رفيع آخر، شارك في الفترة الأخيرة بمناقشة التهديدات في الساحة الشمالية، ذلك بالقول: “في لبنان نحن مردوعون. نسير هناك على البيض”.
بناءً عليه، يتفادى الجيش الإسرائيلي قدر المستطاع استهداف عناصر حزب الله أو أهداف إستراتيجية تابعة له في لبنان، وكذلك الردود الإسرائيلية على العمليات الهجومية لحزب الله مدروسة نسبياً، ومخصصة في الأساس لنقل رسائل. وعليه، حامت طائرات سلاح الجو في سماء بيروت رداً على اختراق المسيّرة، وإطلاق صاروخ مضاد للدروع على آلية عسكرية عند الحدود تم الرّد عليه بإطلاق قذائف دخانية من المدافع.
بالإجمال، نُسبت إلى “إسرائيل” عشرات الهجمات الجوية في سوريا وعشرات الهجمات الأخرى التي طالت أهدافاً أبعد، في حين أنه تجري نشاطات معدودة في لبنان، الأغلبية الساحقة منها رداً على نشاطات حزب الله.
يتجسد التغيير أيضاً في الطريقة التي يتبنى فيها حزب الله مسؤولية نشاطاته، خطوة كان في السابق يميل إلى تفاديها. هكذا سارع حزب الله إلى الإعلان أن عناصره هم الذين أطلقوا المسيّرة إلى “إسرائيل”، رداً على إسقاط مسيّرة أخرى له قبل يوم على ذلك.
في الجلسة التي عُقدت في الفترة الأخيرة، بمشاركة رئيس الأركان أفيف كوخافي ومسؤولين آخرين في المؤسسة الأمنية، تم عرض العملية في نطاق المعركة بين الحروب في 2021 ونوقشت طريقة تطبيق السياسة في العام المُقبل.
بحسب كلام الحاضرين في الجلسة، ما زالت “إسرائيل” تنعم بحرية عمل جوية في المنطقة، لكن حذّر أحد المسؤولين الرفيعين بالقول: “في لبنان القصة مختلفة بعض الشيء، نحن لا نتواجد هناك في مكان جيد”. بحسب كلامه، قدرة الحفاظ على حرية العمل في الدولة منوطة باقتناء قدرات تكنولوجية غير متوفرة لدى “إسرائيل” حالياً.
“على مرّ السنين، تعاملت إسرائيل مع المجال الجوي كأمر بديهي”، هذا ما يقوله لـ “هآرتس” ضابط رفيع سابق، يعرف جيداً الساحة اللبنانية. “حزب الله، بوسائل ليست متطورة كثيراً لكن بحزم، نجح في أن يشكّل تحدياً لحرية عملها الجوي. لم يشكّل سلاح جو ولم يبنِ منظومة دفاع جوي متطورة، لكنه نجح في تصنيع تشكيل طائرات غير مأهولة ووسائل أخرى، قد لا تسقط طائرات، لكنها ستهدد وسائلنا غير المأهولة وربما ستسمح له باعتراض تسليحات. ذلك بالتأكيد مثير للقلق”.
في الأسبوع الماضي ألقى أمين عام حزب الله حسن نصر الله خطاباً مطولاً ركّز فيه على موازين القوى إزاء “إسرائيل”. لقد صرّح أن حزب الله قد نجح في زعزعة حرية العمل الجوي التي تنعم بها “إسرائيل” منذ حرب لبنان الثانية، وقال إن المسيّرات الإسرائيلية، التي كانت تحوم في السابق في سماء الدولة من دون أي عائق، لا تقم بذلك بنفس الوتيرة.
كما تطرق نصر الله إلى برنامج الصواريخ الدقيقة لديه، الذي تصنفه “إسرائيل” بأنه التهديد الثاني من حيث خطورته بعد البرنامج النووي الإيراني. بحسب كلامه، تمكنت “إسرائيل” من المس بالمشروع بسبب خشيتها من الحرب. وأضاف بالقول إن إحباط مساعي إيران في تسليح حزب الله دفعه إلى تطوير قدرات مستقلة خاصة به.
كما قال نصر الله إنه لا يمكن استهداف صورايخ وقذائف حزب الله الصاروخية سوى من خلال حرب بين الطرفين وليس عن طريق عمليات “جراحية”.
“نصر الله محق”، هذا ما قاله مصدر أمني رفيع لـ “هآرتس”. “مستودعه اليوم هو كذاك الذي لا يمكن استهدافه بعمل موضعي، بل فقط من خلال حرب”. بحسب كلام المسؤول الرفيع، “إن كانت أحد أسباب الخروج إلى حرب هو أن حزب الله بنى تشكيلاً لا يمكن لإسرائيل تحمله عند حدودها، فاليوم هو موجود في هذا المكان”.
في الواقع يعتقدون في المؤسسة الأمنية أنه إلى جانب استهداف برنامج الصواريخ الدقيقة المدعوم من إيران نجح حزب الله في أن يقيم في لبنان تشكيلاً لصناعة صواريخ دقيقة، حتى ولو ليس بكمية كبيرة، مخصصة للإطلاق خلال الحرب على مواقع إستراتيجية في “إسرائيل”.
يقول المصدر الرفيع: “صحيح أنهم في إسرائيل يقدّرون أن لدى حزب الله تشكيل محدود من الصواريخ الدقيقة، لكن في الحقيقة لا أحد يمكنه القول اليوم كم هو عدد الصواريخ التي يمتلكها نصر الله ضد إسرائيل”.
يمكن إيجاد صدى هذه الأقوال أيضاً في المقال الذي نشره في الفترة الأخيرة رئيس قسم التحقيق في شعبة الاستخبارات سابقاً العميد في الاحتياط درور شالوم، ويرأس حالياً الشعبة السياسية – الأمنية في وزارة الأمن: “حزب الله بمساعدة إيران تشبث بسعيه إلى أن يطوّر في لبنان قدرة مستقلة لتصنيع وتدوير صواريخ دقيقة، بالرغم من مساعي الإحباط الإسرائيلية”.
وأضاف أن “التقدّم في هذا المجال سيضع أمام إسرائيل تهديداً استراتيجياً خطيراً سيزيد من حدة المعضلة بشأن العمل الإستباقي”.
كما حذّر شالوم قائلاً: “لوحظ مسعى سحق تفوّق إسرائيل في المجال الجوي، من خلال مسعى إدخال منظومات دفاع جوي متطورة إلى المجال”.
وبحسب كلام باحث رفيع في المجال الأمني، “لا يمكن لإسرائيل الاستمرار في أن تقول لنفسها قصصاً حول أن كل مشروع الصواريخ الدقيقة والوسائل القتالية المتطورة المخصصة لحزب الله قد تم استهدافه في الهجمات على سوريا أو في أماكن بعيدة. صحيح أنه لا تدور في لبنان معركة بين الحروب وذلك انطلاقاً من عدة أسباب، بعضها صائب بالتأكيد، لكن يبدو أنه ليس هناك أيضاً حديث حول كيف يمكن الاستمرار بشكل صائب”.
وأضاف: “لا أحد يدرك ماذا يوجد واقعاً في لبنان، ولا أحد يعلم كم سنفاجأ. يكمن الفشل الأكبر في عدم نجاح إسرائيل في العمل في لبنان، في الوضع الذي يتعرض فيه حزب الله لانتقاد لاذع من الداخل والدولة تنهار اقتصادياً. لم تنجح إسرائيل في إيجاد الصيغة الحاسمة التي ستسمح في إضعاف حزب الله في المجال العام في لبنان من دون الدخول في حرب”.