كتب واصف عواضة | الى جمهور الثنائي الشيعي
واصف عواضة | رئيس تحرير صحيفة الحوار نيوز
كنتُ ما أزال طفلا عندما جرت أول انتخابات بلدية في ضيعتنا الناقورة في أواسط الستينات.أذكر أن الضيعة كانت منقسمة إلى فريقين ،وكان الأهالي يتعاركون، تحزبا وتعصبا للمرشحين،أحيانا بالعصي وغالبا ما يتراشقون بالحجارة،وكنا كأطفال ننخرط أحيانا في هذه اللعبة الفولولكلورية ،وتنتهي المسألة بشجّ رأس أحدهم أو تورم جسد آخر بضربة عصا،قبل أن يحضر الجيش أو الدرك لفض الخلاف،إلى أن استخدم أحدهم السلاح وسقط قتيل ودخلت البلدة في “لعبة الدم” والتقاضي والمحاكم، وكان ما كان من أحقاد عمّرت طويلا، إلى أن تغلب الوعي أخيرا وانقضت تلك الأيام السود.
أسوق اليوم هذه الوقائع من زمن غابر،على صدى حادثة الصرفند أمس التي لم تكن الأولى في زمن الانتخابات ،نيابية وبلدية ،وأعتقد أنها لن تكون الأخيرة ..بل آمل أن تكون الأخيرة ،حتى لا يدخل مجتمعنا في “لعبة الدم” لا سمح الله،وهي لعبة ثقيلة جدا لا يعرف وطأتها إلا من عايشها واكتوى بنارها.ومن يقرأ التاريخ جيدا يكتشف أن الحروب تبدأ شرارة صغيرة وتنتهي ببحور من الدم والدمار .
طوال عملي في مهنة الاعلام على مدى خمسة وأربعين عاما،كنت وما أزال أنتهج مدرسة الانفتاح على الآخر ،ليس من منطق مهني وأخلاقي فقط،وإنما بصراحة من باب المصلحة أيضا.ولطالما كنت، في تلفزيون لبنان أو في كل مسؤولية إعلامية رسمية أتولاها،أنصح الفريق الحكومي، صاحب السلطة على وسائله الإعلامية، بالانفتاح الإعلامي على المعارضة ،لأن ذلك يمنحه شهادة “حسن سلوك” في ما يسمونه “الديموقراطية” ،ويُفقد الطرف الآخر ورقة ثمينة لاستخدامها في معركته ضد السلطة الحاكمة ،وبالتالي يؤمّن الاستقرار الذي يخدم الفريق الأقوى في المعادلة.
وعليه، أحسب أن ما حصل في الصرفند أمس ،هو نوع من الهياج الشعبي غير المدروس وغير المحسوب ،وحسنا فعل “الثنائي الشيعي” وبلدية الصرفند برئاسة الصديق علي خليفة بإدانة ما حصل.إلا أن هذا ليس كافيا،بل يجب محاسبة الفاعلين ،ليس من باب استرداد الحق الديموقراطي للائحة المنافسة ،بل من منطق المصلحة المباشرة للفريق المعني، والحرص على عدم تكرار ما حصل ،خشية الدخول في لعبة الدم..والعياذ بالله!
وبصريح العبارة،ليس سرا أن جمهور “الثنائي الشيعي” الذي افتعل حادثة الصرفند أمس سجل نقطة ثمينة في صالح خصومه، وعكس امتعاضا كبيرا في أوساط الجنوبيين الذين يمقتون هذه الممارسات التي خبروا في الماضي سوء نتائجها.
بناء على ما تقدم ،نأمل أن يظل “الفولكلور الانتخابي” الحالي في إطاره “اللساني العفيف” البعيد حتى عن الشتائم والتجريح ،بل في الإطار الانتقادي البنّاء .وعلى الرغم من هذه الأماني الطوباوية، فأغلب الظن أن الانتخابات المقبلة لن تنتج التغيير المأمول الذي يُخرج البلاد من أزمتها الراهنة بين ليلة وضحاها،طالما يحكم البلد نظام سياسي عفن “أكل عليه الدهر وشرب”..والرابحون في هذه المعركة هم “كاظمو الغيظ”،الذين قال الله تعالى فيهم إنهم “الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ،ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون”.. والسلام على من اتبع الهدى.