نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
نقول لسعادة السفير ان الحديث يتكاثر حول رقصة النار التي تقترب أكثر فأكثر اذا بقي التصدع السياسي، والتصدع الطوائفي، على ايقاعه الحالي. ما المعنى من الدعوة الى مؤتمر في الذكرى الـ 33 لوثيقة الطائف. هل تراه اليوبيل ما بين الفضي والذهبي ؟
السفير الملمّ بأشياء التراث يعلم أن عائلته وفدت، كما الكثير من عائلات آسيا الوسطى، الى أرض الحجاز. تحديداً من بخارى التي وصفها جلال الدين الرومي بـ “منجم المعرفة”، وكانت احدى الحواضر الكبرى للثقافة الفارسية قبل أن يغزوها جنكيز خان، ومن بعده تيمورلنك.
لذلك، كنا نأمل من السفير أن ينتهج “ديبلوماسية جلال الدين الرومي” القائل “النفس من كثرة المديح تتحول الى فرعون”. لا نقول، مبدئياً، أنه ينتهج ديبلوماسية جنكيز خان أو تيمورلنك…
لا نعتقد أن السفير، ومن كثرة المديح، وقد تحوّل الى فرعون، مع أننا نحتاج الى ذلك الفرعون الذي بالسياط، يمنع سياسات التسكع والتسول على الأبواب. ولقد تناهت الينا أصوات الثناء على اتفاق الطائف لتزيدنا عرياً، وتزيدنا عاراً. كفانا تملق، وكفانا رقص، حيناً بين العباءات وحيناً بين السراويل.
الاتفاق لم يكن، ولن يكون، بالنص المنزل، ولطالما ثابرنا عبر القرون، على التأويل الدموي للنصوص المنزلة كبديل عن تسويق ثقافة الله. الله أيام زمان…
السفير يعلم أي طراز من الرجال أنتجه اتفاق الطائف. أمثال الذين علّقهم أميره بأرجلهم في فندق “الريتز” الفاخر ليزيد في اذلالهم. لا ريب، وكان النجم الساطع في مؤتمر الأونيسكو، يعلم من بين الحضور يفترض أن يعلّقوا بأرجلهم. ثمة في بيروت فنادق ومقابر فاخرة أيضاً.
أولئك الغربان (أو الذئاب) بالياقات البيضاء الذين اقتادونا سيراً على الأقدام، الى أقصى حالات الخراب. هو على بيّنة من كل شيء. لكنها لحظة الاستقطاب بكل حمولتها، وبكل احتمالاتها. على الأقل نشير الى قانون الانتخاب الذي يمثل ذروة الهرطقة الدستورية، والذي لا يليق حتى بالقردة. بالرغم من ذلك، كنا الطوابير أمام صندوق الاقتراع. لن أقول ثانية،… طوابير الماعز!
جوهر (وغاية) اتفاق الطائف وقف الحرب الأهلية (اللاأهلية). نص انتقالي باتجاه الدولة الحديثة، لا الدولة العالقة في أقبية القرون الوسطى. اللعبة القذرة كرست التماهي ـ التماهي العجيب ـ بين لعنة الطوائف ولعنة المافيات. الآن (ايها الطائف العزيز) لعنة المذاهب…
أشقاؤنا الخليجيون يصفوننا بالمجتمع الديناميكي. لا نتصور أنهم كانوا يقصدون أننا مؤهلون لبناء دولة بمواصفات هيفاء وهبي، بل دولة برؤية مهاتير محمد في ماليزيا، وبرؤية لي كوان في سنغافورة. أين هذا وأين ذاك في المتاهة اللبنانية؟
الديناميكية تعني التحديث الثوري والبنيوي، بما في ذلك التحديث السوسيولوجي. ما حصل اعادة عقارب الساعة الى الوراء. كم عود ثقاب يفصلنا ـ أيها السادة ـ عن الحرب الأهلية؟!
يا سعادة السفير انتبه. في “اسرائيل” بدأ قرع الطبول. عرب كثيرون يهللون للثنائي نتنياهو ـ بن غفير. لم تكن أنت قد ولدت حين ولدت تلك الفكرة الغبية بعزل حزب “الكتائب”، لكأنه عزل لطائفة. الآن، والاتجاه الى عزل حزب الله قد يفسّر، أو جرى تفسيره فعلاً، على أنه عزل لطائفة. هذا يعني فتح الأبواب ثانية أمام النيران. لن يكون الطائف في انتظارنا بل الجحيم…