نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
في محاضرة ألقيتها في البقاع، وصفت الفيلسوف الفرنسي (اليهودي جداً) برنار ـ هنري ليفي بالقنبلة الانشطارية، أو بالقنبلة العنقودية، التي شظاياها تضرب في كل الاتجاهات، قبل أن أعثر على توصيف آخر… الأفعى ذات الأجراس!
هذا لا ينفي اعترافي بالرشاقة التي يتميز بها أسلوبه. أي مقالة هي بمثابة سيناريو بحلقات لا بد أن تترك أكثر من أثر، ولا أنفي ادماني على تتبع مقالاته، والكثير منها ينطوي على دلالات تعنيني، كلبناني وكعربي، أو يضيء ما وراء الأسوار الغربية (واليهودية)، ولكن دون أن يجرني، في حال من الأحوال، الى أي من مواقفه…
هذا مع اعتبار أننا وجدنا في منطقة مات فيها المعنى، كنتيجة جدلية لموت العقل. ليفي تحدث عن «موت اللاوعي» الذي يستتبع، تلقائياً، «موت الوعي» في مجتمعاتنا، أن بسبب اللوثة القبلية أو بسبب اللوثة الايديولوجية.
ولقد توقفت عند وصفه بعض أركان الطبقة السياسية في لبنان بـ «الغربان التي لا تكتفي بنهش الجثث وهي على الأرض، بل تنبش القبور بحثاً عن جثث أخرى قد تكون طازجة…». وكنت قد رأيت فيهم «الغربان بالياقات البيضاء».
اذ أحتفظ ببعض مقالات ليفي، أو أحاديثه، في جيبي لاعادة قراءتها أو للعودة اليها، استوقفني سؤال له في خريف عام 2020 «هل كان لحق بلبنان من ويلات لو أنه أبرم مع اسرائيل اتفاق 17 أيار 1983، بدل أن يتأرجح بين سوريا وايران، وهما البلدان اللذان لا يأتيان الا بالخراب؟».
وقال «على الأقل كانت المنظومة السياسية أصيبت بعدوى النزاهة، والشفافية، بدل الايغال في الفساد، مع الاقلال من الثرثرة» باعتبار أن الساسة في لبنان هم أهل القول الكثير والفعل
القليل، ملاحظاً أن العديد من اللبنانيين، سواء كانوا على الأرض الأوروبية (والأميركية) أو كانوا على أرض بلادهم، يتصلون به «لكي أدلهم على الطريق الى أورشليم». لا نتصور أنهم بحاجة الى من يدلهم على الطريق وقد خبروها حتى قبل اعلان دافيد بن غوريون قيام «اسرائيل».أما سؤالي فهو «هل كان لبنان ليبقى لبنان لو أبدل الاحتلال الاسرائيلي بالوصاية الاسرائيلية، كما لو أن آرييل شارون لم يصف لبنان بـ «الخطأ التاريخي» الذي يقتضي تصحيحه، جراحياً، بالدبابات، بعدما كان هنري كيسنجر قد رأى فيه «الفائض الجغرافي» الذي يمكن استعماله لوضع حد للصراع الدموي في المنطقة»؟
وطن بديل للفلسطينيين، بعدما اعتبر الجنرال رفاييل ايتان أن مشروع ييغال آلون حول الأردن كوطن بديل، غير منطقي للأمن الاستراتيجي الاسرائيلي، كون بقاء المملكة الهاشمية ضرورة اسرائيلية…
كنا تعلمنا من «اسرائيل» الشفافية، وحيث يوضع رئيس للحكومة وراء القضبان من أجل حفنة من الدولارات. عندنا (وفي وضح النهار) يهللون للصوص المال العام، ويهتفون لهم «بالروح، بالدم، نفديك يا فلان»!
أيضاً كنا تعلمنا الحد من الثرثرة التي تعكس مدى استشراء ثقافة التفاهة بين العديد من ببغاءات الشاشات، والمنابر. ولكن كنا تعلمنا من الاسرائيليين كيف نكون برابرة، ونقتلع الناس من منازلهم، ونطلق الرصاص على كل من يقول «لا» للقهر وللاغتصاب.ألا يسقط الفتيان الفلسطينيون دون أن يرف جفن لأي من قادة «اسرائيل»، دون أن ندري ما اذا كان يرف جفن لأي من القادة العرب، ناهيك بمحمود عباس واسماعيل هنية؟ انه… موت اللاوعي.حقاً، نحن ملوك الثرثرة (وعندنا ملك البطيخ، وملك الفلافل…). البلاد في الجحيم، بل في أقاصي الجحيم، والجدل يتعالى حول دستورية أو ميثاقية جلسة حكومة تصريف الأعمال (لاحظوا اسمها)، كما لو أن الدستور، أو الميثاق في لبنان ـ وحيث لا معنى للدستور ولا للميثاق ـ فوق الانسان، ولم يصنع من أجل الانسان.بأيدينا نضع تلك الغربان التي تنهش لحومنا، وحتى عظامنا، على أكتافنا. نقول لبرنار ـ هنري ليفي «هؤلاء هم تلامذة شايلوك اليهودي في رائعة شكسبير «تاجر البندقية»»، وهكذا «اسرائيل» شايلوك القرن…