نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
كان يفترض بحزب الله أن يعلم أننا نقاتل «اسرائيل» برؤوس أصابعنا، حتى لو بقيت جاثمة على أرضنا، وعلى أرواحنا الى الأبد، وأننا نفاوض «اسرائيل» برؤوس أصابعنا، حتى لو بقيت تجرجرنا الى يوم القيامة.
وكان يفترض بحزب الله أن يعلم أن آموس هوكشتاين يتولى، بالعصا، ادارة الرؤوس الكبيرة في بلادنا . هو من يأمر بفتح المفاوضات، ومن يأمر باقفالها، لأننا حتى ولو حفرنا بالابرة، واستخرجنا الغاز، لا نستطيع تسويق قارورة غاز دون الضوء الأخضر الأميركي، والآن الضوء الأخضر «الاسرائيلي»، بعدما تمكنت المؤسسة اليهودية، بامتدادها الأخطبوطي في مراكز القرار، من تتويج «اسرائيل» ملكة الغاز شرقي المتوسط.
وكان يفترض بحزب الله أن يعلم أن أتفه رجال السياسة في العالم، بل وفي التاريخ، هم من يمتطون ظهورنا. ها هم يتصارعون، في حضرة البطون الفارغة على الحقائب الفارغة، دون أن يكترثوا بالأنين الذي هز حتى عظام السيد آدم والسيدة حواء.
وكان يفترض بحزب الله أن يعلم أن الجنرال هنري غورو الخارج من معركة المارن بقبعة نابليون بونابرت اخترع «دولة لبنان الكبير»وهو على بيّنة من أنها ستكون في منزلة بين المنزلتين…الدولة واللادولة!
هكذا تموت الثــلوج فوق جبالنا، وتموت الأنهار في العباب، لنلهث كرعايا، وراء الصهاريج . وهكذا أقنعنا الشيخ الجليل بيار الجميل بأننا نأكل الصخور، فاذا بنا لا نستطيع أن نأكل الفلافل، وأننا نستــجر الكهرباء من القمر، فاذا بنا نستجر العتمة من عبقرية جبران باسيل، وهو يدور حول تلك الجــثة التي تدعى … القصر الجمهوري.
وكان يفترض بحزب الله أن يعلم أن سمير جعجع، بسيف قسطنطين الأكبر، هو من يحرر المسيحيين من الوثنيات التي تضغط على صدورهم، وأن سامي الجميل (ناهيك عن جحافل ايلي محفوض)، حماة السيادة.
هؤلاء الذين يعتبرون، وبالفم الملآن، أن ما بعد زيارة جو بايدن للمنطقة غير ما قبلها. المشهد في سوريا يتبدل. في لبنان ايضاً. أما آيات الله فسينقلون بطائرات الشحن الى غوانتنامو.
شرق أوسط آخر عقب زيارة بايدن. خذوا علماً من أفواه نجوم السيادة في ديارنا بأن الهيكل الثالث سيبنى بعظامنا، لا بخشب الأرز، ولا بحجارة جبل الطور. هذه ارادة «يهوه» الذي قال كلمته ومشى. ينبغي أن نمشي بالسلاسل وراءه الى أن يتنبه الله (ان تنبه) الى أنه ألقى بنا، ذات يوم، على هذه الأرض …
وكان يفترض بحزب الله أن يعلم أننا احترفنا ديبلوماسية واستراتيجية الرؤوس المطأطئة أمام أصحاب السعادة القناصل . اياهم الذين حذرونا من أن نرفع رؤوسنا، ونرفع أصواتنا، ومن أن نزعج «الاسرائيليين» حتى ولو بمسيّرات غير مسلحة عجزت تلك الأرمادا الأسطورية أن تتعامل معها.
أموس هوكشتين هدد بوقف مهمته بسبب المسيّرات الثلاث. الرعب دبّ في قلوب الجميع. هذه «اسرائيل»، ايها السادة. قرار الغاز واللاغاز بيدها لا في أي يد أخرى. تفويض الهي أيضاً ؟؟
صحيح ما قاله عبدالله بوحبيب اطلاق المسيّرات خارج السياق الديبلوماسي، وخارج المفهوم الفلسفي للدولة اللادولة. كان يفترض بنا جميعاً، لا بفريق دون آخر، أن نجثو بين يدي (أو بين قدمي) بني غانتس، ونحن نؤدي صلاة «التيفيلا اليهودية» (أو طقوس «القبالاه»). لا رؤوس عالية، ولا أصوات عالية، بل خشوع مطبق ومطلق أمام «يهوه»، وزبانية «يهوه».
لكن معلوماتنا (الموثوقة) تقول ان ثمة بالمرصاد ما هو أشد هولاً بكثير من المسيّرات المسلحة. ليأخذ آموس هوكشتاين علماً لا غاز في «اسرائيل» دون الغاز في لبنان. أخذ علماً…