نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
من حيث المبدأ، الاحساس بالفخر لأن تظاهرة عالمية على شاكلة المونديال تجري على أرض عربية. ولكن أي فخر ذاك حين نرى أن كل تلك المظاهر الباهرة، والأسطورية، بتكلفة تناهز الربع تريليون دولار، ذهبت هباء، ومن اللحظات الأولى، بين أقدام لاعبي الاكوادور ولاعبي السنغال.لا معنى لجهود بذلت على مدى أكثر من عقد من الزمان. أكثر من ذلك، مراجع دولية شككت بنزاهة، وشفافية، الفيفا، والى حد اتهامها بالفساد، وبالسقوط الأخلاقي.أصوات أوروبية (آخرها بيان البرلمان الأوروبي) نددت، بما وصفته “الانتهاك الصارخ لحقوق الانسان”، تحدثت عن موت عدد هائل من العمال بسبب”أساليب العبودية”، وهم يبنون الملاعب، والمنشآت، اعداداً للحدث.
في هذا السياق، لا بد من تذكير أهل الغرب بأن كل تلك المدن، والقلاع، والمصانع، في بلدانهم بنيت بدماء، وعظام، “العبيد” الذين استجلبوا، كما الجرذان، في قعر السفن، من مستعمراتهم في أصقاع الدنيا.
دعونا ننقل بعض الأصوات التي تعالت في أروقة البرلمان الأوروبي “ألا يتصور القطريون أنه كان باستطاعتهم، بالمبالغ التي أنفقوها، أن يبنوا أهرامات أهم من أهرامات الفراعنة ؟. لاحظوا مدى تفاهة السؤال. تناسوا أن التاريخ، بقذارته، تغاضى، أو تعامى، عن ذكر العمال الذين قضوا تحت الحجارة، ليخلّدوا، فقط، الفراعنة الذين كانوا على شاكلة أباطرة، وآلهة، الغرب …
سؤال آخر “ألم يكن يفترض بالفيفا أن تختار بلداً يمتلك الحد الأدنى من التراث في كرة القدم، أن لجهة الشغف أو لجهة الأداء، بدل التركيزعلى الامكانيات المالية، واللوجستية، دون أي اعتبار آخر ؟”. شيء من المنطق في السؤال، لا كل المنطق، ألا يحق لأي دولة أن تطمح الى تنظيم مثل تلك التظاهرة، ولو بالدخول الى التاريخ من ثقب الباب؟
أما اسئلتنا فهي من قبيل “ألم يكن لقطر أن تدخل التاريخ من البوابة الذهبية لو أنفقت بعض هذا المال على انشاء صندوق للتنمية، على غرار الصندوق الكويتي، لانقاذ الجوعى في الصومال، على سبيل المثال، أو لمد يد العون لتطوير مجتمعات شقيقة تعاني من الاقتتال القبلي والطائفي بسبب استشراء حالات العوز، والجهل، والأمية ؟”
الباحثون، والمخططون، على الضفة الأخرى من الأطلسي، اما أنهم يسخرون منا، أو أنهم يستخفون بعقولنا، وهم يستنزفوننا حتى آخر نقطة نفط. بالأحرى حتى آخر نقطة دم. روبرت كاغان لم يتورع عن اهانتنا حين وصف حالات الاعتراض التي ظهرت لدى بعض الحلفاء العرب بـ”ثورة الدجاج” . الأساطيل الأميركية لحماية النفط لا لحماية العروش، ولا لحماية الدول.
صحف أميركية بدأت بالتساؤل ما اذا كان ما يجري في الشرق الأوروبي قد جعل الأنظمة العربية الحليفة للغرب تنتقل من التشكيك بأميركا الى فقدان الثقة بها.
لسنا وحدنا من يلعب بهم الأميركيون. ماذا فعلوا لأوكرانيا التي تتحول، شيئاً فشيئاً، الى حطام ؟ هل سقط جندي أميركي واحد دفاعاً عنها بعدما استخدموها لاستدراج الدببة القطبية الى المصيدة، في اطار الاستراتيجية الخاصة بالتفرد في قيادة العالم ؟
هذا يحدث لدولة، بامكانات زراعية، وصناعية، هائلة. أين منها البلدان العربية التي تعيش في زمن ما قبل الصناعة، وما قبل التكنولوجيا ؟
لن نبالغ ونقول بانتفاضة سعودية ضد أميركا . الأمير محمد بن سلمان يدرك، بدقة، أي تداعيات كارثية لذلك على العرش، وعلى الدولة. اعتراض، ولكن في حدود اللعب داخل الخطوط الحمراء .
كارين اليوت هارس، مؤلفة كتاب “المملكة العربية السعودية، شعبها، ماضيها، ديانتها ومستقبلها”، قالت “منذ الأربعينات من القرن الفائت لم تكن العلاقات الأميركية ـ السعودية على هذا المستوى من السوء!
المملكة، كعملاق نفطي، ممنوع أن تكون مثل تايوان، بالرقائق الالكترونية التي تتحكم بمستقبل العالم، ولا مثل كوريا الجنوبية بالمعجزة التكنولوجية (البلدان خاليان من أية موارد طبيعية).