نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
لم نعثر في الكتب المنزلة، وحتى في الكتب المقدسة لدى البوذية بشقيها الثيرافادا والماهايانا، عن أي نص يقول ان الكوريين خير أمة أخرجت للناس. هذه فقط حال المسلمين الذين عبثاً نبحث لهم عن مكان بين الأمم، مع أن آثار خيزرانة جماعة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر « لا تزال على ظهور الشبان الذين يرتدون سراويل الجينز، كما على ظهور النساء بالكعب العالي.
وفي الجنوب الكوري، نصف السكان تقريباً لا دينيون، وتتنافس البعثات التبشيرية الأميركية والأوروبية على «ثنيهم عن الضلال» . النصف الآخر يتوزع بين البوذية ـ الكونفوشوسية، والبروتستانتية، والكاثوليكية.
هذه المنطقة البائسة لخلوها من الموارد البشرية، والموارد الطبيعية (تقرير البنك الدولي عام 1964 ) تحولت الى ظاهرة استثنائية في غضون نصف قرن …
كوريا الجنوبية باتت دولة صناعية (وتكنولوجية) تنتشر منتجاتها الالكترونية، ناهيك عن السيارات في أسواق الدنيا. مدن الكترونية لا نظير لها في أي مكان آخر. وحين سئل مؤسس أمبراطورية «سامسونغ» اي بيونغ تشول، وقد بدأ حياته العملية بتجارة الأرز، عن كيفية انشاء هذه الأمبراطورية، أجاب «لقد نظرت الى البعيد، وصممت أن أمضي بقدميّ الى هناك؟»…
شيء ما أشبه ما يكون بـ»القيامة التكنولوجية» من الركام الثقافي الذي أحدثه الاستعمار الياباني، ثم الركام الدموي للحرب التي انتهت بتقسيم شبه الجزيرة.
ولكن ثمة وجهاً آخر للقيامة في الجزء الشمالي، حيث العقوبات الأميركية واكبت هذه الدولة منذ نشأتها. كيم ايل سونغ الذي كان يشبه الحائط، وهكذا حفيده كيم جونغ ـ أون، بدأ أولى خطواته نحو القنبلة النووية. هذا كان يثير سخرية الأميركيين الذين كثيراً ما وصفوا سونغ بالمخبول. دونكيشوت الآسيوي الذي يحارب طواحين الهواء على متن دراجة هوائية.
آنذاك، قال روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع في عهدي جون كنيدي وليندون جونسون، «يبدو أن جارنا في الباسيفيك يريد صنع القنبلة من الطحين بدل اليورانيوم أو البلوتونيوم، لكننا منعنا عنه حتى الطحين».
أهل الشمال عانوا الكثير من النقص في الطحين، حتى أنهم فكروا بصناعة الخبز من الأخشاب، أو من الصخور. لكنهم صنعوا القنبلة النووية والقنبلة الهيدروجينية، وطوروا، على نحو مذهل، تقنية الصواريخ الباليستية .
وكانت الادارات الأميركية قد غضت الطرف عما تفعله بيونغ بانغ، لأن من شأن ذلك ضمان بقاء اليابان وكوريا الجنوبية، بموقعهما الحساس على تخوم الصين، تحت المظلة الأميركية. النظرة تغيرت في الآونة الأخيرة، اثر التجربة الصاروخية في الثلث الثالث من آذار، والتي يظن أنها لصاروخ عابر للقارات. هنا التهديد الصارخ للأمن الاستراتيجي الأميركي. جونغ ـ أون زار العاملين في صناعة الصاروخ، وتوعد بتعزيز امكاناته الهجومية.
جانب آخر من المشكلة. طوكيو وسيول بدأتا التململ، والى حد اتهام الحلفاء الأميركيين بالتواطؤ مع بيونغ يانغ ما بدا جلياً في «اللقاء العاطفي» بين دونالد ترامب وكيم جونغ ـ أون. واذ تمتنع الدولتان عن الانضمام الى النادي النووي، لا بد من لحظ مئات مليارات الدولارات لشراء المنظومات الدفاعية الأميركية المتطورة .
في هذه الحال، لا بد أن يحدث خلل بنيوي في الايقاع الاقتصادي للبلدين. بالتالي في الايقاع الاجتماعي، وحتى في الايقاع السياسي، ودون أن يكون بالامكان التثبت من أن بيونغ يانغ ستقف مكتوف اليدين.
المشهد أثار جون بولتون الذي صرخ، عبر الـ»فوكس نيوز»، «ياللغباء ! ياللغباء ! حين نضع قدمينا في الطنجرة الأوروبية، في حين يبقى ظهرنا الآسيوي عارياً أمام التنين الأكبر والتنين الأصغر».
مستشار الأمن القومي السابق، اضافة الى آخرين، يسألون «ماذا نفعل في الشرق الأوسط سوى مغازلة الايرانيين نووياً، ومراقصة العرب بالسيوف»؟
دعوة للخروج من المنطقة، «وحيث الوقت الضائع» والاتجاه الى «حيث تلمع الخناجر» !!