كتب نبيه البرجي | بهاء الحريري… لا تنتحر
نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
لا سعد الحريري، ولا بهاء الحريري، يستطيع أن يكون رفيق الحريري، بالشخصية المتعددة الأبعاد، والذي اغتيل يوم اغتيل اسحق رابين. سقط رئيس الوزراء الاسرائيلي، فسقط المشروع وسقط رئيس الوزراء اللبناني أيضاً برصاص ييغال عامير. نقول لبهاء لا تنتحر. لا تكن دونكيشوت اللبناني. هنا ليست طواحين الهواء. طواحين الدم اذا كان برنامجك السياسي تعبئة الغرائز، ورفع الشعارات البهلوانية التي اما أن تفضي الى نهاية رجل أو الى نهاية وطن. بين أهل السنّة، من هم أهل الحكمة. مثلما يعرفون الله، يعرفون لبنان. المشكلة أن الساسة في بلادنا، أو جلهم، يعتمدون على ذلك النوع من الكائنات البشرية التي ترقص كما يرقص الذباب حول طبق الحلوى. احصاءاتك تقول أن ما بين مليون ومليون ونصف ناخب لن يذهبوا الى صناديق الاقتراع الا بـ “الفريش دولار”. هنا الوصول على حصان ذهبي الى ساحة النجمة. من ساحة النجمة “فشخة” الى السراي الحكومي. لا ننصحك بأن تستشير نهاد المشنوق الذي ليته بقي صحافياً، وكاتباً، ولم يخلع حتى ملابسه الداخلية ليكون نجم التعري، نجم “الستريب تيز” السياسي. ننصحك بأن تستشير فؤاد السنيورة الذي، وان كان بذهنية الحانوتي الصغير(Le petit boutiquier )، يمتلك الكثير من الحنكة ليكون رجل دولة بالمواصفات اللبنانية، وحيث التقاطع الشكسبيري بين مفهوم المافيا ومفهوم السلطة. هذا الرجل عاش مرارات الرجل الثاني الذي يرى الأمور أفضل مما يراها الرجل الذي يعلوه. قد يقول لك اذا لم تنجح في خطوتك الأولى لن تنجح في أي خطوة أخرى. أيها الشيخ بهاء، هل حددت لنا ما هي خطوتك الأولى لتعرف ما أنت أو من أنت، الا اذا كان هناك من أشار عليك بأن تبقى الشبح الذي يلعب داخل شقوق الجدران…
أوساطك تقول بأنك لن تخوض الانتخابات شخصياً. مرشحوك الأسوياء (من حركة سوا) سيكونون في كل المناطق. تسونامي ويقلب المشهد السياسي رأساً على عقب. الأكثرية بيدك، والسلطة بيدك (ونحن على بيّنة من الاتصالات التي أجراها بعض زعماء الأحزاب بك ليبلغوك بأنهم سيبايعونك في الوقت المناسب). هكذا تدفع بلبنان من ضفة الى ضفة أخرى.
حتى الساعة لا ندري ما هي الضفة الأخرى. لكننا ندري أن التضاريس السياسية، والطائفية، في بلادنا أكثر تعقيداً من أن تدار من المقصورة الملكية.
حتماً، أنت لا تعرف ما هو الوجه الآخر للبنان. لا بأس اذا ما استعدت ثانية، ما نقله لي كريم بقرادوني، في بدايات عهد أبيك، ونحن نتمشى على شرفة بيت الكتائب في الصيفي.
حدثني عن شريط وثائقي شاهده بالصدفة. في احدى المناطق الأفريقية حفر ضخمة ملأى بالماء، وتعيش فيها ملايين الأسماك الصغيرة، حتى اذا ما استشعرت أن فيلاً يقترب من المكان، غطت سطح الحفرة، فيخال الفيل أنها أرض سوية، حتى اذا ما سقط في الحفرة انقضت عليه الأسماك وحولته، خلال لحظات، الى هيكل عظمي.
هذه لعبة النار، ولعبة الدم، أيها السيد بهاء (تابعنا مقابلة تلفزيونية مع أحد مستشاريك فأذهلنا بتفاهة أفكاره وبهشاشة آدائه). سألنا عن ممثلك في لبنان صافي كالو ، قيل لنا أنه رجل رزين و”فهيم” ، دعه يدخل الى المغارة ليرى ما هناك من عجائب. وليسأل أصحاب العقول، لا أصحاب الغرائز، من الطائفة السنية بالذات، كيف يدار لبنان، وكيف تمضي الأحوال في لبنان.
قد تكون، وهذا الأرجح، من دون ثقافة سياسية، ومن دون رؤية سياسية، ولكن لا تكن نزقاً، ومتهوراً، لأن حفراً كثيرة تنتظرك، كما تنتظر تلك الأسماك الصغيرة… الفيلة !!