نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
تلك الدموع، دموع الفراق، لا تغسل يديّ أي سياسي كان على مدى سنوات شريكاً في ذلك الكونسورتيوم القبلي الذي قادنا الى الخراب…هذا وقت النوايا السيئة. قيل له : أخرج من ثقب الباب، ودع بهاء يدخل من الباب. لا نتصور أن ابتعاد الرئيس سعد الحريري عن المسرح ليس مبرمجاً ليتقاطع مع الحلقات الأخرى من السيناريو الذي يلحظ احكام الحصار الطوائفي حول حزب الله، وان كنا على ثقة بأن قيادة الحزب على بينّة من كل ما يحدث داخل الجدران الملكية، وغير الملكية، لدفعها الى الغرق في المستنقع الداخلي. قطعاً لا نشك في مواقف الكويت حيال لبنان، والمامها بالتضاريس السياسية، والطائفية، فيه. ولا مجال لاغفال دورها التاريخي في تفكيك الأزمات التي طالما عصفت بالساحة اللبنانية. معلوماتنا تؤكد أنه منذ أن اتخذت الرياض تلك الاجراءات الصارخة، لم تتوقف الديبلوماسية الكويتية عن السعي لاحتواء التدهور في العلاقات بين بلدان مجلس التعاون ولبنان. الكويتيون قالوا ليس من مصلحة العرب، والخليجيين بوجه خاص، أن يترك لبنان للرياح الهوجاء. هم يعلمون أن البنود التي صاغها السعوديون كمدخل «لاعادة الثقة»، هي شروط أكثر من أن تكون مستحيلة، لكن الوزير أحمد ناصر الصباح واثق من أن باستطاعة الديبلوماسية أن تفتح الباب أمام خطوات يمكن أن توصل الى تفاهمات ما، كون نظرة جزء كبير من الللبنانيين الى «اسرائيل» لا يمكن أن تتزحزح، وهم الذين طالما عانوا من البعد الهمجي (التوراتي) في «السياسة الاسرائيلية». ما سمعه الوزير الضيف من مرجعية عرفت بعلاقاتها «الوجدانية» مع دولة الكويت «لن تفتح أبواب بيروت ثانية أمام برابرة القرن»! لا حل للمنظومة العسكرية لحزب الله الا في دولة قادرة، لا في دولة في أقصى حالات الهلهلة. الهلهلة السياسية، والهلهلة الاقتصادية وحتى… الأخلاقية. لبنان هكذا، ومنذ قيامه، لبنانان. التركيبة الطائفية التي أرسى قواعدها دستور الجمهورية الثانية، كرّست منطق الكونفديرالية المقنعة، دون استحداث تلك الديناميكية التي تفضي الى بناء دولة موحدة، وقادرة، على احتواء الرياح التي ما انفكت تدق على كل الأبواب. علينا أن نتوقع الكثير بعد الخطوة الحريرية. ثمة انتخابات نيابية بعد أشهر قليلة. اسئلة كثيرة، واحتمالات كثيرة. لا رئيس جمهورية يخلف الرئيس ميشال عون. وهناك من يتوقع استقالة نواب «كتلة المستقبل»، وحتى اخراج الوزراء الحريريين من الحكومة. أي فراغ رهيب في انتظارنا؟ الحريري الابن، مثل الحريري الأب، وديعة سعودية. لكن المشهد تغير كثيرا في قصر اليمامة. الأمير محمد بن سلمان حين أمر اعتقال سعد الحريري، انما كان يعتقل ايضاً رفيق الحريري. لا مكان لهذه العائلة في أجندة ولي العهد لأنه يعتبرها «عائلة الصفقات المجنونة».هزة دراماتيكية في الخارطة الانتخابية. هل تتبعثر الكتلة الناخبة ل «تيار المستقبل» أم أن ثمة جهة تتولى ادارة تلك الكتلة في اتجاه التصويت للصقور في الطوائف الأخرى، والذين باشروا بحفر الخنادق استعداداً لليوم الكبير في الحرب المفتوحة ضد حزب الله؟ وراء الضوء، يتردد أن السيدة نازك الحريري قالت، بعدما تابعت خطاب سعد الحريري، وهي التي تعلم أي مسافة ضوئية تفصل بين شخصية الأب وشخصية الابن: «اليوم قيامة رفيق الحريري». هل تفتح أبواب قصر قريطم بما يعنيه القصر، أمام بهاء الحريري؟ في ظل توترات دولية، واقليمية، عاصفة، ولا بد وان تنتج واقعاً آخر على مستوى االعالم، كما على مستوى الاقليم .المنظومة السياسية تبدو الآن أمام أزمة البقاء واللابقاء. الخارطة الجديدة للمعادلات، وللعلاقات، في الشرق الأوسط لم تعد ترتبط بمفاوضات فيينا. قد نكون أمام شكل آخر من أشكال البلقنة. الانتخابات في لبنان تفصيل هامشي. ابحثوا منذ الآن عن الشكل الآخر، وعن الصيغة الأخرى، لجمهورية تلفظ أنفاسها الأخيرة!!