نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
هزني قول مثقف عراقي «مظفر النواب رحل، لكننا كحثالة بشرية، وكحثالة لغوية، باقون علفاً للفيلة»!هذا ما حثني على العودة الى الشاعر العراقي الرائع الذي سأل الله ما اذا كان قد ألقى بنا في الأرض فقط ليلهو بنا الشيطان. هو القائل «تعلمون أنكم لن تعثروا على مكان للحجاج بن يوسف حتى في حذائي، لكنني تمنيت، وأنا أتابع احدى القمم العربية لو استيقظت عظامه، وبهذه العظام يقطع كل تلك الرؤوس لتعلق على أسوار المدن».مشكلته مع الثوار العرب الذين قرأوا لينين وغرامتشي وتروتسكي، كما علقوا على صدورهم صور تشي غيفارا، أنهم يرشقون بالحجارة زجاج القصور، ويفترض أن تتحول الى أطلال، لا الى قاطني هذه القصور.ماذا لو رأى صاحب «جزر الملح» ما فعلته المنظومة السياسية (والدينية) بلبنان؟ أشد هولاً من الحجاج، ومن هولاكو، وحتى من بوكاسا الذي كان يأكل أطفال أفريقيا الوسطى. رؤوسنا نحن الرعايا هي المقطوعة والمبعثرة على كل الطرق، والا هل كان باستطاعة أولياء الأمر البقاء على عروشهم ولو للحظة؟لا شك في وجود أدمغة استثنائية (نجاة عون صليبا مثالاً) بين النواب الذين قيل أنهم انتاج المجتمع المدني. آخرون بأدمغة الدمى. وأكاد أجزم بأن المنظومة اياها هي التي استنسخت بعض هؤلاء لاشغال الناس بهم، وايهامهم بأن «ثورة 17 تشرين»أتت ثمارها، وأن التغيير آت لا محالة ولو بعد ألف عام… فقط!سؤال عابر، اذا كنا أمام نواب المجتمع المدني. الباقون نواب أي مجتمع؟ لنتذكر قول المطران جورج خضر «لبنان واقع ركام لا واقع جماعة» …من ينصح النواب اياهم، كي لا يبقوا «من كل وادي عصا»، ولكي لا يصطادهم كرادلة السلطة، أن ينسقوا أوركسترالياً في ما بينهم لبلورة خارطة طريق يمكن أن تسهم في شق الطريق الى الحل، وان كان الحل الحقيقي (الحل المستحيل) في انزال الطبقة السياسية، بقضها وقضيضها، عن المسرح؟«ثوارنا» لم يتمكنوا حتى من تحطيم زجاج القصور. لا تتصوروا أن الديناصورات، أو أنصاف الديناصورات، تنتمي الى فريق دون آخر. لاحظوا أي وجوه بالية، أي وجوه من الصفيح، أي وجوه صماء، استبقيت في ساحة النجمة ازدراء لنا، وتنكيلاً بنا، نحن بقايا الطوائف.عندنا، الضائعون بين أرصفة بيفرلي هيلز وأرصفة كلكوتا، كل شيء للاستهلاك التلفزيوني. ريجيس دوبريه وصف التلفزيون كـ «قوة ابتذال». بعض القنوات تعاملت مع نجوم ونجمات «المجتمع المدني» مثلما تتعامل مع فاتنات الشاشة. من هيفاء وهبي الى ميريام كلينك ومايا دياب. مذيعة كادت تسأل احدى النائبات ما اذا كانت تستعمل أحمر الشفاه «شغل» نينا ريتشي أم «شغل» برج حمود، أكثر من ذلك هل حذاؤك من دار لوي فيتون أو من دكان أبو نقولا، اسكافي الضيعة!حتى اللحظة، وقد التحق نواب «الثورة» بنادي الثرثرة، (وغداً قد نشاهدهم بالأراكيل، وربما بالطرابيش أيضاً) لم نلاحظ سوى القليل، وأقل من القليل، من الأفكار الخلاقة من أجل وضع حجر الأساس لاقامة الجمهورية البديلة (لا المغارة البديلة) فوق انقاض تلك الجمهورية الميتة والتي تنتظر عبثاً من يواريها الثرى.صدمنا ما قاله لنا سياسي عتيق «ما رأيناه حتى الآن، وبالرغم من أهواله، الأزمة الصغرى. اعتباراً من اليوم الأحد تبدأ الأزمة الكبرى». تصدعات بنيوية في المشهد الداخلي، وفي المشهد الاقليمي، وفي المشهد الدولي، لا متسع لأزمتنا على طاولة الكبار ومن هم دون الكبار.بعض القوى السياسية عندنا، كمثال للتفاهة، منهمكة في لعبة الأرقام، دون الالتفات الى كوننا دولة بدرجة الصفر. من هو المنتصر ومن هو المنهزم؟نحن وأنتم، أيها السادة الديناصورات، مهزومون ومحطمون، ونبحث عن الفتات حيناً على أبواب البيت الأبيض وحيناً على أبواب الاليزيه. حيناً بين جدران قصر اليمامة في الرياض، وحيناً بين جدران قصر باستور في طهران. أي عفن ذاك الذي في قصورنا؟استحقاقات حساسة بانتظارنا. هل هو الدخول في النفق الآخر؟ من يقودوننا بالعيون المقفلة هل يعلمون، وفقاً للنص القرآني، أي منقلب ينقلبون؟ لا ينقلبون. مات مظفر النواب، وبقيت صرخته دون صدى…