نبيه البرجي | كاتب وباحث لبناني
هذا ليس أدولف هتلر , كما يصفه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان . المستشرق الروسي الشهير نفتالي نعومكين الذي تحدث عن التماهي الايديولوجي بين العقل النازي والعقل الأميركي , يسأل ألم يكن الفوهرر يسعى , بمحاولة غزوه للقارات الخمس , ادارة الكرة الأرضية مثلما تدار المقبرة ؟
ماذا يفعل الجنود الأميركيون الذين ينتشرون في سائر أرجاء المعمورة سوى المحاكاة العملانية لسياسات زعيم الرايخ الثالث , حيناً بساقي الليدي غاغا , وحيناً بأحذية رعاة البقر ؟
لا أحد يعلم لماذا تفرّد وزير خارجيتنا عبدالله بو حبيب , سفيرنا السابق في واشنطن , بادانة الدخول الروسي الى شرق أوكرانيا . هل تراه يتجرأ , وسوريا الدولة الشقيقة , على ادانة الاحتلال الأميركي لأجزاء من أراضيها , وحيث يضطلع الجنرال كينيث ماكنزي بدور قطّاع الطرق ؟
اذ لا نشك في احترافية الرجل , وهو الديبلوماسي المخضرم , لا نشك أيضاً في معرفته بأن دول المشرق العربي كلها تقريباً تحت الاحتلال الأميركي , وحيث الاستنزاف المروع للثروات , كما للأجيال . هنا , كم يبدو الكلام ساذجاً عن الاحتلال الايراني !
لنعد الى بداية القصة . الأميركيون يبررون وجودهم على امتداد الكوكب , وصولاً الى المريخ , وربما الى العالم الآخر , بحماية أمنهم الاستراتيجي . في هذه الحال , كيف تمنع روسيا , وهي القوة الأمبراطورية , من أن تعتبر أوكرانيا , بالتوأمة الجغرافية والتاريخية , امتداداً لأمنها الاستراتيجي ؟
ربما كان السؤال الأكثر حساسية ما الهدف من انشاء حلف شمال الأطلسي (وقد تجاوز هذا المصطلح الجغرافي بكثير) , سوى أن يكون الذراع الانكشارية للولايات المتحدة في حماية مصالحها السياسية والاقتصادية ؟
وزير الدفاع الفرنسي السابق جان بيار شوفنمان سأل الرئيس الأميركي جورج بوش الأب : من قال لك أن القارة العجوز التي صنعت الولايات المتحدة تقبل بأن تكون القهرمانة في البلاط الأميركي ؟ شارل ديغول خرج من الجناح العسكري للحلف . أما ايمانويل ماكرون الذي اقترح انشاء جيش أوروبي , رأى أن الحلف , وكما ذكرنا في مقالة سابقة , سقط بالسكتة الدماغية ..
بطبيعة الحال , الأميركيون يفكرون بتحويل أوكرانيا الى أفغانستان أخرى , وحيث يغرق القيصر ان في الوحول أو في الثلوج .
أصحاب هذا الرهان لا يعلمون شيئاً عن طريقة تفكير فلاديمير بوتين الذي وضع لائحة بنقاط الضعف الأميركية
في أوروبا , وفي القوقاز , وصولاً الى الشرق الأوسط . مفاجآت كثير تعقب الحدث الأوكراني اذا لم يقتنع جو بايدن بآراء الذين ينصحونه بابقاء البوابة الديبلوماسية مفتوحة , وان مواربة , حتى لا نفاجأ بالانزلاق الى أرصفة الجحيم .
هذا ما قرأناه في آراء بعض الباحثين , والصحافيين , والديبلوماسيين , الروس الذي ينظرون الى المشهد الدولي بعيني زرقاء اليمامة لا بعيني الكاوبوي …
بعيداً عن المواقف الرسمية للحكومات الأوروبية , وغالباً ما تعكس التبعية المطلقة للأمبراطورية الأميركية , تلك التعليقات التي تصدر , وبصورة خاصة في باريس وبرلين , وتسأل “ألم تكن حجة الولايات المتحدة في الاصرار على الحاق أوكرانيا بالأطلسي حمايتها من الخطر الروسي ؟” .
ها هو الدب القطبي على الأرض الأوكرانية , ماذا فعل الأميركيون سوى أنهم بعثوا بجنودهم الى الحدود البولندية للتنسيق في مساعدة النازحين الأوكرانيين على العبور . وها هو فولوديمير زيلينسكي يعرب عن صدمته من التلكؤ الأميركي والأوروبي على السواء , ويعرض حياد بلاده …
تلك هي حدود الموقف الأميركي , حتى ولو وصلت الدبابات الروسية الى تخوم وارسو أو الى تخوم روما . العقوبات سلاح ذو حدين , ولا نتصور أن بوتين لم يكن يتوقع حصول ذلك , وهو الذي يستطيع أن يزعزع الوجود الأميركي في أكثر من مكان , لحمل البيت الأبيض على الجلوس الى الطاولة التي جلس عليها , ذات يوم , فرنكلين روزفلت , وجوزف ستالين , وونستون تشرشل .
الدخول الى أوكرانيا له تداعياته الهائلة ليس فقط على الساحة الأوروبية , أيضاً على العالم . العقوبات , وكما وصفها أوليفيه روا , لعبة الضعفاء مثلما هي … لعبة الأغبياء !