نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
هو اتفاق الساعة الخامسة والعشرين . من يعود الى المفاوضات التي سبقت اتفاق 2015 يلاحظ أن الايرانيين يفاوضون هكذا . دبيب النمل مقابل هرولة الفيلة . هل الغاية من ذلك الغسل التدريجي لأدمغة الرأي العام الذي ترعرع على شعار “الشيطان الأكبر” , أم استنزاف أعصاب الفريق الأخر من خلال التفاوض برؤوس الأصابع , وهو الذي اعتاد أن يحطم أصابع الآخرين ؟
“فوكس نيوز” تقول “لعلها أغرب رقصة تانغو في التاريخ” . لا تشابك بين الثنائي . كل منهما يراقص الآخر من وراء الزجاج” .
جو بايدن , المثقل بالأزمات , وهو يغض الطرف عن التجارب الصاروخية لكيم جونغ ـ أون قبالة الساحل الأميركي , يبحث عن انجاز ديبلوماسي بأبعاد استراتيجية تحت عباءة آية الله خامنئي كي لا تحوله الانتخابات النصفية للكونغرس الى “جثة داخل ذلك التابوت الأبيض” .
الأبواب الأخرى موصدة في وجهه . يحلم بأن يتراجع فلاديمير بوتين , ولو خطوة واحدة , ليظهر وكأنه لا يقل شأناً عن فرنكلين روزفلت أو دوايت ايزنهاور في المشهد , أو في التا يخ , الأميركي .
ربما كانت الضغوط على آيات الله أشد هولاً . الضائقة الاقتصادية , وبالرغم من الأحاديث عن تفكيك العديد من حلقات الحصار , تضغط بقوة على أهل النظام . وعندما بدا أنهم تمكنوا من أن يواجهوا اسرائيل في عقر دارها , فاجأتهم , بالعلاقات الاستراتيجية مع اذربيجان , وبوجودها الفاعل على الضفة الأخرى من الخليج , وهو المدى الحيوي لدورها ان في الشرق الأوسط أو في العالم .
الروس المنهمكون بـ”الهيستيريا الأميركية” في الشرق الأوروبي , يبدون أكثر براغماتية في النظرة البانورامية الى المنطقة التي بات للايرانيين فيها وجود تعصف به الاحتمالات الصعبة .
البداية من لبنان , وحيث تمسك الأيدي الغليظة بالكثير من الرؤوس لمحاصرة “حزب الله” , ودون اعتبار حدود الهشاشة , والتعقيد , في الفسيفساء الداخلية , كون تأجيج الصراعات , وهنا الخط الدقيق بين الانفجار السياسي والانفجار العسكري , يعني الذهاب بالدولة الى الجحيم !
“حزب الله” يتابع , خطوة خطوة , ما تسعى اليه الأيدي اياها , والرؤوس اياها . هكذا الانتقال من الدفاع الى الهجوم . بطبيعة الحال يعي بدقة الحالة اللبنانية , بكل اشكالياتها , وبالسيناريوات التي على الطاولة أو تحت الطاولة . قراره الحيلولة دون اندلاع الفتنة . مؤشرات كثيرة بأن ثمة من يعدّ لخطوات خطيرة , بل وخطيرة جداً , وقد تستدعي اللجوء الى الضربة القاضية .
ماذا عن سوريا , وكانت على وشك أن تغدو النمر في غرب آسيا . ذروة المعاناة الاقتصادية . الحليف الروسي لا يستطيع المساعدة الا في نطاق محدد . الحليف الايراني منهك حتى العظم . الحليف الصيني تحكمه لعبة الأسواق ولعبة المصالح , دون أن تعنيه البطون الخاوية .
المشهد في اليمن أكثر مأسوية . الصواريخ والمسيّرات الباهظة التكلفة , تتحطم في الهواء . المعادلات الميدانية تغيرت , في الأشهر الأخيرة , على نحو دراماتيكي . الدوران في حلقة مفرغة . لا جدوى سياسية , ولا استراتيجية , من استمرار الحرب .
ما الخيارات أمام آية الله خامنئي سوى الدفع في اتجاه العودة الى الاتفاق النووي ؟ هذه ضرورة ايرانية قصوى , مثلما هي ضرورة أميركية قصوى . في لحظة ما , في الساعة الخامسة والعشرين , لا بد أن يشاهد روبرت مالي وعلي باقري يوقعان وجهاً لوجه .
رفع العقوبات ليست بالمسألة المستحيلة . المسألة المستحيلة في الضمانات التي يشترطها الايرانيون . تلة الكابيتول تطبق على البيت الأبيض , ودونالد ترامب ليس بعيداً عن العودة الى المكتب البيضاوي .
الخيار المثالي فتوى بصناعة القنبلة النووية . هنا الزلزال الذي لا يستطيع أحد التكهن بطبيعة تداعياته . الايرانيون الذين يتقنون اللعب على حافة الهاوية حريصون على العودة الى اتفاق فيينا . ابراهيم رئيسي , وبالرغم من تشكيله الايديولوجي يرى الأمور بمنتهى الوضوح .
صحيفة “اسرائيل اليوم” توقعت التوصل الى الاتفاق في الدقيقة الحادية والتسعين . المفاوضات أقرب ما تكون الى مباراة كرة القدم . بأحذية حديدية أم بقفازات حريرية … ؟