ناصر قنديل | رئيس تحرير صحيفة البناء
– تستند الحملات الإعلامية المبرمجة والمنظمة الى شرط إخفاء كونها منظمة، والإيحاء بأنها مجرد قراءات عفوية متفرقة لحدث واحد بطريقة واحدة، ومن قبيل الصدفة. ولدى السؤال لماذا تتفق القراءات، يكون الجواب التلقائي في عقل المتلقي، ببساطة لأنها القراءة الصحيحة.
– هذا الاستنتاج مطلوب لضمان فعالية الحملة الإعلامية، وعندما يتعذّر الوصول لخلق الانطباع بأن تلاقي المشاركين في حملة واحدة لفرض استنتاج واحد، عبر الاستناد الى مجرد عرض الخبر والوقائع بطريقة يتمّ ترتيبها وفقاً لتسلسل عرض لضمان الوصول الى استنتاج موحّد، يتم اللجوء إلى تقنية الاستطراد عبر الزج بإضافات، من قبيل “الجدير بالذكر” لإضافة استذكارات تاريخية تتيح الاشارة إلى عناصر مكملة لوقائع الحدث بصورة تتيح التمهيد للاستنتاج المطلوب. و”الجدير بالذكر” يستند الى واقعة صحيحة يتم اختيارها من عدة وقائع صحيحة يتوقف على الاختيار بينها توجيه ذهن المتلقي نحو استنتاج مختلف.
– مثال على المنهجية، عندما تم توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول خمس زائد واحدا عام 2015، لم يكن نقل خبر التوصل للاتفاق يفي بالغرض المطلوب، بالقول إن إيران وخصومها توصلوا للاتفاق، فتم انتقاء مفردة ان الاتفاق ينص على سماح ايران بتفتيش منشآتها فجأة، وتمت اضافة، الجدير بالذكر أن إيران كانت ترفض التفتيش المفاجئ، ثم إضافة مفردة ان الاتفاق نص على تقييد سقف نسبة تخصيب اليورانيوم، واضافة جدير بالذكر تقول إن ايران كانت تتمسك بحقها المطلق بالتخصيب.
– المعلومات الواردة كلها صحيحة، لكن تم انتقاؤها من بين معلومات أخرى صحيحة أيضا، كمثل أن الاتفاق نص على حق ايران بالتخصيب، والجدير بالذكر ان الغرب كان يرفض أن تحتفظ إيران بأي أجهزة للطرد المركزي والقيام بأية عملية تخصيب، لكن فيما تضمن السردية الأولى خلق الانطباع بأن الاتفاق جاء حصيلة تراجع إيراني، توحي السردية الثانية بأن الاتفاق جاء حصيلة تراجع الغرب، بينما الحقيقة هي في حاصل السرديتين معا، اي ان الاتفاق هو ثمرة تنازلات متبادلة.
– اليوم يتم الترويج لمعادلة أن الغرب نجح بعزل روسيا عالمياً، والدليل هو حجم التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع القرار الأميركي الذي يدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكان يكفي أن يرفق بالخبر عن نتائج التصويت بـ 141 مع وخمسة ضد، القول انه من الجدير بالذكر أن الجمعية العامة صوتت قبل سنة في 1-12-2021 على مشروع قرار تحت عنوان “تسوية قضية فلسطين بالطرق السلمية” فنال 148 صوتا ولم يصوت ضده ألا 9 في طليعتهم الولايات المتحدة و”إسرائيل”. والجدير ذكره أن الجمعية العامة صوتت على مشروع قرار تقدمت به روسيا قبل شهور قليلة لإدانة تمجيد النازية الجديدة وصوت 130 مع مشروع القرار ووقفت واشنطن وكييف فقط ضده، ولم يقل أحد إن واشنطن معزولة، وبذلك يظهر ان نتائج التصويت لا تفضي إلى عزلة أو عكسها، فعمليات التصويت كر وفر وسجال.
– الجدير بذكره هنا هو مفتاح المعادلة الإعلامية، فهل قرار التصويت كان حراً، أم أن واشنطن مثلا غيرت تصويت دولة الإمارات من مجلس الأمن الى الجمعية العامة بالإكراه، فكانت ممتنعة وصارت مؤيدة، وان لبنان المعلوم أن حكومته صوتت مع المشروع بعد تلقيها تهديدات أميركية، والجدير ذكره ان واشنطن تحمل سيف العقوبات المالية بيدها ومشروع القرار باليد الأخرى، وأن دول العالم الواقعة تحت سطوة العقوبات تسعى لتفادي المتاعب فتختار التصويت مع بدلاً من الوقوع تحت سيف العقوبات.
– مثال آخر يجري تداوله، يدور حول حجم الانخراط الشعبي الأوكراني في عمليات مقاومة روسيا وتقدم قواتها داخل أوكرانيا، وتتسابق وسائل الإعلام في تناقل ما يردها تحت هذا العنوان، لكن أحدا من الإعلاميين، لم يفكر بطرح سؤال، لماذا حكومة أوكرانيا هي الحكومة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تمنع الذكور ما بين عمري 18 و 60 سنة من السفر منذ اليوم الأول للحرب، ما دام قرار المقاومة يحظى بالشعبية الكافية، وقرار منع السفر الذي ترافقه إجراءات تتبع ومراقبة بأجهزة تقنية متقدمة في المناطق الحدودية، يدل على خشية الحكومة من استجابة أبناء شعبها لنداء التطوع واللجوء إلى السخرة، أي التجنيد الإجباري، وهو غير الخدمة الالزامية لمن يبلغ الـ18 سنة المطبق في عدد من الدول، والمحكوم بسقف عمري ومدة زمنية، فهل شهدنا تقريرا إعلاميا مهنيا واحدا يناقش ظاهرة منع السفر وخلفياتها، ويسأل الرئيس الأوكراني المفرط في الإطلالات الإعلامية عن سبب هذا المنع الانكشاري، الذي لو طبقته اية حكومة، لتم اتهامها بارتكاب جرائم حرب، واعتداء على حقوق الإنسان؟
– العالم الحر قائم على الإكراه، والإعلام الحر قائم على التجاهل او الكذب، او كليهما!