ناصر قنديل | رئيس تحرير صحيفة البناء
ــ ربما تكون كلمة رئيس التيار الوطني الحر الأخيرة من الكلمات الهامة التي يبدو واضحاً أنّه درسها بعناية، خصوصاً أنها تأتي في أشد لحظات البلد والتيار صعوبة، وأكثر خياراتها ضيقاً، خصوصاً أن ملفين كبيرين على طاولة التيار وقيادته بما يشبه الاستعصاء، تكفي واحدة منهما للارتباك، رئاسة الجمهورية ومستقبل التفاهم مع حزب الله، ورغم أن إسهاب باسيل في عرض المقدمات التي تفسر موقف التيار الراهن، منتقياً أكثر التوصيفات قسوة، قد أتاح للكثيرين ممن لا يحبون التيار وباسيل، ويرغبون لهما الوقوع في السلبية، بما تعنيه إقفال الباب أمام الحلول الواقعية للملفين الكبيرين، الرئاسة والتفاهم، إلا أن انتقاله بعد عرض المقدمات إلى الاستنتاجات عرض لفرضيات تتصل بالملفين، تسلسلت من الأقرب إلى الأبعد، بصورة لا تخلو من الغموض، الذي لا مفر منه في التمهيد لأي خيارات لا تحقق السقف الأعلى للخطاب السياسي الذي طبع مواقف التيار منذ شهور طويلة في مقاربته للملفين، لكن هذا الغموض يتضمن إضاءات واضحة على فرضيات تعاكس ما ذهب إليه الكثيرون، بالقول بثقة إن أهم ما قاله باسيل عن الرئاسة هو أنه سوف يترشح، وإن أهم ما قاله عن التفاهم هو أنه في طريق النهاية.
ــ إذا كان باسيل في الرئاسة قد فتح كوة ضيقة نحو التوصل لحل توافقي، عنوانه في ما أسماه الخيار الثاني الذي سيصبح على الطاولة في حال فشل الخيار الأول المتمثل بالسعي للتوافق على اسم من خارج الأسماء الثلاثة المتداولة، ميشال معوض وسليمان فرنجية وجوزف عون، والخيار الثاني بتعابير باسيل، هو القبول بأي رئيس مقابل التزام الكتل النيابية التي يتم الاتفاق معها على الخيار الرئاسي بتنفيذ إصلاحات جوهرية ذكر منها، اللامركزية واستعادة الأموال، وشدّد على أنها ليست مكاسب حكومية او غير حكومية للتيار. وعندها وصل لترشيح نفسه من باب ما أسماه حفظ الحق لمن يمثل وزناً نيابياً وشعبياً مسيحياً أساسياً بأن يكون له دور حاسم في استحقاق رئاسة الجمهورية، ولأن الخيار الأول يبدو صعبا، والخيار الثالث لا ينطوي على فرضيات الربح، فيجب النظر للخيار الثاني بصفته فتح كوة في الجدار لن تكبر إلا بعد بلوغ مساعي إنجاح الخيار الأول طريقاً مسدوداً، وهذه الإيجابية قد لا يرغب الكثيرون بقراءتها في مواقف باسيل، لأنه يريدون رؤيته كتلميذ معاقب خارج الصف، بعدما أتعبهم كتلميذ مشاغب يبقى على لوح الصف.
ــ يعرف باسيل أنه أما أهم امتحاناته في ممارسة السياسة صعوبة، وهذا شيء مختلف عن صعوبة الاستحقاقات بذاتها، الرئاسة والتفاهم، لأن الصعوبة الذاتية تكمن في القدرة على الجمع في لحظة تجتمع فيها ملفات مصيرية مشحونة بدرجة عالية من المواقف الحدية ولا صفرية، بين موقف قابل للتحقق واقعياً، وقادر على الحفاظ على اصطفاف القواعد الحزبية وراءه، وربما هذا يفسر منهج الاحتمالات الذي استخدمه باسيل، فعرض كخيار أول وخيار أخير في ملفي الرئاسة والتفاهم، ما يريح القاعدة. فقال في الرئاسة رئيس غير الثلاثة والترشّح، وبينهما مرّر القبول بأي رئيس شرط الاتفاق على المشروع، وفي التفاهم مع حزب الله، النجاح بجعله يشبه ما يريده التيار وفك التفاهم، خياران أول وثالث، لكن بينهما خيار ثانٍ يشبه الخيار الثاني الرئاسي، هو ما وصفه باسيل، بالقوائم والجدران التي يقف عليها التفاهم ويستند إليها، فسقوط معياري الشراكة وبناء الدولة يعني بقاء التفاهم على قائمة واحدة، لكن مستنداً الى جدار الوحدة الوطنية، والحاجة لجدار ثانٍ هو جدار منع الفتنة، مستطرداً أن هذا ليس عملاً إيجابياً ولا إنجازاً ولا نستطيع ان نكمل طويلا بالنجاح بمنع سلبي دون إنجاز. وهذا يعني ضمن ما سبق حول الرئاسة، أن التيار يستمر بالتفاهم في المرحلة الراهنة التي تتضمن اختبار فرص الخيار الرئاسي الأول للتوافق على اسم جديد، ولو لم يتحقق ما يرغبه التيار من التفاهم، على قاعدة استناد التفاهم على قائمة الخيار الاستراتيجي الذي تمثله المقاومة، والاستناد الى جارين هما الوحدة الوطنية ومنع الفتنة، لكن بانتظار التوصل الى تفاهم إيجابي، يفترض انه متضمن بالخيار الرئاسي الثاني، أي القبول بأي رئيس مقابل التفاهم على المشروع مع الكتل النيابية المؤيدة للخيار الرئاسي الواحد، لتعود الى التفاهم فرصة استعادة قوائمه الثلاث، الخيار الاستراتيجي وحماية الشراكة والسير ببناء الدولة.
ــ خلافاً للذين قرأوا في كلام باسيل تمهيداً للانسحاب من التفاهم، تأتي الكلمة تعبيراً عن الحاجة لمخرج يحمي التفاهم، ويفتح الطريق لتوافق رئاسي يمكن تقديمه للرأي العام المسيحي ولقاعدة التيار تحت عنوان مثل إنجاز اللامركزية، تحت سقف الطائف، وليس الفدرالية بثوب اللامركزية، وسائر البنود الإصلاحية التي تشكل برنامج صندوق النقد الدولي، والتي لن تلقى صعوبة الاتفاق على حدود اللامركزية مع سائر المكونات النيابية، وخصوصاً ثنائي حزب الله وحركة أمل. ومثل هذا الإنجاز يستحق التنازل عن حق الفيتو على اسم مرشح رئاسي، بمثل ما كان قانون الانتخابات على أساس القضاء يستحق التنازل عن الفيتو على ترشيح العماد ميشال سليمان عام 2008، بما يمنح باسيل والتيار قدرة القول للرأي العام المسيحي إن قوانين الانتخابات التي يتمكن عبرها المسيحيّون من التحكم بتسمية نوابهم عبر أصواتهم، هي نتاج تضحية التيار بمكاسب ذاتية ورئاسية خصوصاً، مقابل الحصول عليها له وخصومه على حد سواء، وأنه إذا كان مستحيلاً التفكير بالعودة الى ما قبل اتفاق الطائف، فإن التيار شكل الضمانة لعدم العودة إلى تطبيق الطائف وفقاً لنسخة ما قبل 2005، وإن التيار نجح بفعل ذلك بفضل التفاهم مع حزب الله، الذي لا يشبه التحالفات التي أقامها خصومه المسيحيون، كما أن ما جلبوه للمسيحيين لا يشبه ما جلبه التيار.