ناصر قنديل | رئيس تحرير صحيفة البناء
– رغم كل محاولات نشر الإحباط في البيئة المؤيدة للمقاومة عبر تعاون إعلامي استخباري عربي غربي إسرائيلي أراد الإيحاء بالتوصل لوقف إطلاق النار مساء أمس، والإيحاء بأن حركة حماس وافقت بضغط قطريّ مصريّ تركيّ وتضغط على حركة الجهاد للقبول، والإيحاء بأن ما فعلته قوى المقاومة لا يتعدّى كونه فرقعة صوتية مقابل ما فعله الاحتلال من قتل وما ارتكبه من مجازر، ولم تمضِ دقائق المساء البطيئة حتى ظهر أن كل ذلك كان كذباً وتلفيقاً وفبركة، ويفتح العين على ضرورة عدم الوقوع تحت تأثير عمليات الترويج والتسويق التي يتقنها معسكر الأعداء وما بين أيديه من إمكانات إعلامية، فيكفي القول إنه تمّ حتى هذه الساعة ليلاً بتوقيت إلقدس إطلاق عشرات الصواريخ التي اعترف جيش الاحتلال أنها اخترقت وعطلت مفاعيل قبته الحديدية، التي كان قبل دقائق يتباهى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالنت بتطورها التكنولوجي، فوقعت أضرار جسيمة وإصابات عديدة في المستوطنات المستهدفة، خصوصاً مدينة عسقلان، وفقاً لاعتراف الاعلام الاسرائيلي، وبالمقابل ظهر بيان حركة الجهاد الإسلامي الذي يؤكد حجم التعاون والتنسيق بين فصائل المقاومة والمشاركة التفصيلية التي تتمّ بتوزيع دقيق للمهام بين الفصائل، وخصوصاً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وخلال دقائق نقلت وسائل الإعلام فشل مساعي وقف النار الذي طلبه الجانب الإسرائيلي، لأن قوى المقاومة موحّدة وضعت أربعة شروط، الأول أن تكون لها الضربة الأخيرة، والثاني أن تحصل على ضمانات بوقف الاغتيالات، والثالث الإفراج عن جثمان الشهيد الشيخ خضر عدنان والرابع إلغاء مسيرة الأعلام بعد أسبوع. وكان ظهور نتنياهو وغالنت نعيا لما أعلنته الوسائل الاعلامية الاسرائيلية حول وقف النار من جهة، واستعداداً للتوصل لاتفاق وقف نار سريعاً من جهة أخرى.
– التدقيق في مسار المواجهة يقول إن المقاومة تفوقت استراتيجياً وتكتيكياً على الاحتلال في هذه الجولة ولا تزال، وكان التفوّق الأول في إجهاض كل سعي ورهان الاحتلال على تفتيت وحدة قوى المقاومة، وهو حتى اللحظة لا يتحدث إلا عن معركة مع الجهاد ويتجاهل المواجهة مع حماس أملاً بتحييدها، بينما حماس في قمة الانخراط السياسي والميداني والعلاقة بينها وبين الجهاد في أفضل حالاتها. والعائد الإيجابي الذي أظهرته ساعات المواجهة الماضية لصالح المقاومة يزيد من متانة هذا التنسيق والتكامل؛ أما التفوق الثاني فقد تمثل برسم سقف سياسي واضح للتعامل مع أي دعوات لوقف النار قبل إطلاق الصلية الأولى من الصواريخ، وهذه الشروط المكتوبة والمتفق عليها جعلت الوسطاء يسمعون جواباً موحداً أياً كانت الجهة التي يتصلون بها من قوى المقاومة، ولم يعد مهماً من هي الجهة التي يتم التوصل معها الى وقف النار، لأنه سوف يكون متضمناً بنود الموقف الموحد، وما تعبر عنه من انتصار للمقاومة. تجهّزت المقاومة بخطة طويلة المدى للمواجهة، تتضمن مواصلة القتال لأسابيع، ووضعت بنك أهداف تصعيدياً متدرّجاً، يضع أهدافاً حيوية اقتصاديّة وخدميّة استراتيجيّة في سلم الأهداف، إذا استمرّت المواجهة، وتوزع المهام في تنفيذ هذا البرنامج، أما التفوق الثالث فقد كان في الميدان حيث فاجأت المقاومة جيش الاحتلال واستخباراته بما أعدّت له تقنياً من سلاح متطور، حيث ظهرت للمرة الأولى باعتراف خبراء الكيان العسكريين، صواريخ تمّ تطويرها بصورة تتيح التعامل مع القبة الحديدية وتنجح بتفاديها، وكان لافتاً ارتباك الإعلام الاسرائيلي والجيش الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين في عرض أرقام الصواريخ، وفيما قالت هيئة البث الاسرائيلية إن المقاومة أطلقت 300 صاروخ، نجحت القبة الحديدية باعتراض 26 منها فقط، قال الجيش إن المقاومة أطلقت 270 صاروخاً نجحت القبة باعتراض 61 منها، وقال نتنياهو إن المقاومة اطلقت 300 صاروخ سقط منها الثلث في أراضي قطاع غزة واعترضت الوسائل الإسرائيلية التقنية أغلب الباقي، بينما قال وزير دفاعه غالنت إن المقاومة أطلقت 400 صاروخ سقط ربعها في أراضي قطاع غزة، وتمّ تعطيل نسبة جيدة منها، وجاءت الوجبة الليلية من الصواريخ وما قالته من هيمنة المقاومة على الأجواء ومن فشل ذريع للقبة الحديدية، لتظهر حجم الفشل الذريع الذي أصيبت به الحملة الإسرائيلية، أما التفوق الرابع فهو إثبات القدرة على مواصلة المواجهة، بينما الاحتلال يسارع الخطى طلباً لوقف النار.
– وضعت المقاومة قادة الكيان، خصوصاً ثنائي نتنياهو غالانت، بين خيارات صعبة، توسيع سياسي عسكري للمواجهة بإعلان أنها تشمل حماس وبالتالي منشآت قطاع غزة الحكومية والخدمية والحكومية، فيقابله انتقال المقاومة إلى سلم الأهداف الكبرى، ومنها منشآت حيوية لا يمكن توفير الحماية لها ولا نقلها، أو يرتضي مواصلة العملية بصورة تحصرها ميدانياً وسياسياً بحركة الجهاد، ما يعني محدودية بنك الأهداف، الذي بات بلا قيمة، مقابل وابل من الصواريخ التي تنجح بتفادي القبة الحديدية وتظهر تفوق معادلة الردع التي ترسمها المقاومة، ويصيب الجبهة الداخلية بالإحباط ويطرح التساؤلات الأشدّ قسوة حول جدوى العمليّة، وقيمة الاغتيالات ما دامت الحرب مع الجهاد وهي تبدي هذه القدرة الفائقة رغم ادعاء ما فعلته الاغتيالات في إضعافها، وبالتوازي تضع ثنائي نتنياهو – غالانت بين خيارين آخرين: القول لمعادلة المقاومة لوقف النار، وما تعنيه من تثبيت اليد العليا للمقاومة، بما يليق بالثأر للشهداء، وينهي ضمناً استعراضات المستوطنين في القدس والأقصى والضفة والاغتيالات وبرنامج تجريد الأسرى من مكاسبهم المحقّقة خلال عقود، أو يواصل عبثية المواجهة بلا سقف فيُصاب بالوهن والضعف والتراجع، وربما تتطوّر الأمور الى ما لا تحمد عقباه كما يعلم العسكر، مع حلول استحقاقات مثل ذكرى اغتصاب فلسطين ومسيرة الأعلام، والعين الإسرائيلية دائماً على وحدة الجبهات وفرضية دخولها على خط المواجهة، في توقيت مناسب تراه قوى المقاومة.
– بدا الكيان واقفاً على قدم واحدة ينتظر الرد منذ بدء عدوانه حتى انطلاق الصاروخ الأول، لكنه مع تطورات اليوم الأول يبدو وهو قاعد القرفصاء وإن استمرت المواجهة قد يجد نفسه وهو يجثو على ركبتيه.