كتب ناصر قنديل | ايران قد ترفع نسبة التخصيب إلى 90%!
ناصر قنديل | رئيس تحرير صحيفة البناء
– خلال شهرين ماضيين وصلت مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي مع إيران الى نقطة شبه نهائيّة ما قبل التوقيع، وبدا أن الأمور في دائرة تحديد موعد لإقفال هذا الملف، والمعادلة التي تجعل الاتفاق حتمياً تركزت على نقطتين، الأولى أن كل الرهانات على وسائل أخرى غير الاتفاق لمنع تقدّم إيران نووياً نحو عتبة حرجة تتمثل بامتلاك ما يكفي من اليورانيوم المخصب على درجة عالية لإنتاج قنبلة نووية، وصلت الى طريق مسدود. فهذه الطرق رغم فاعليتها في إزعاج إيران بقيت دون القدرة على إعاقة إيران فعلياً عن التقدم الثابت نحو هذه العتبة الحرجة، وفقاً للوثائق الأميركية والإسرائيلية، والثانية أن الزمن يعمل لصالح إيران التي تتقدّم بثبات نحو هذه العتبة، ولا بدّ من دفع ثمن يستطيع إقناعها بالتوقف والعودة إلى التزاماتها بموجب الاتفاق، وهي التزامات تتكفل وفقاً لإجماع الأميركيين على جعل إيران بعيدة مدة سنة على الأقل عن هذه العتبة، من تاريخ خروجها من هذه الالتزامات.
– ضبط الأميركيون مواقف حلفائهم، وخصوصاً السعودي والإسرائيلي، لجهة التسليم باستحالة فرض ملفات تفاوضية على إيران، تدمج بالملف النووي، كملف سلاحها الصاروخي أو ملف تحالفاتها في المنطقة مع قوى المقاومة، ويدرك حلفاء واشنطن أن غضبهم لن يقدّم ولن يؤخر، لأنهم لم يستطيعوا تقديم بدائل لواشنطن عن العودة للاتفاق، وقد منحتهم الفرص الكثيرة لإثبات العكس، من حرب اليمن الى اطلاق اليد للعبث الأمني في الداخل الإيراني، إلى الضغط في لبنان، ومعركة بين حربين في سورية، واللعب بالتوازنات السياسية في العراق، فتحققت نتائج تكتيكية على حساب محور المقاومة في بعض الملفات، وأصيبت خطط أخرى بالفشل، لكن الناتج الإجمالي بقي على قاعدة أن محور المقاومة إلى صعود وخصومه إلى تراجع، وأن إيران تثبت صمودها، وتتقدّم في ملفها النووي.
– مع بداية حرب أوكرانيا وتحوّلها حرباً روسية أميركية، ظهر التداخل بينها وبين مفاوضات فيينا من زاويتين، روسية وأميركية. الزاوية الروسية ظهرت بشرط موسكو للمضي قدماً بمسار فيينا بتلقيها ضمانات أميركية خطية حول عدم شمول تعاملاتها مع إيران بالعقوبات التي فرضت عليها إثر حرب أوكرانيا، ونجح التفاهم الروسي الإيراني بتفكيك هذه العقبة ومنع الأميركيين من استغلالها لتعطيل المسار. أما الزاوية الأميركية فقد كانت مزدوجة ومتعاكسة، فمن جهة دفعت الحاجة لمواجهة أزمة النفط والغاز الناجمة عن العقوبات على روسيا بالأوساط الأميركية المعنية بمعالجة هذه الأزمة الى الضغط لتسريع التفاهم مع إيران بصفتها منتجاً مهماً يمكن لعودته الى السوق ان تخفف من وطأة الأزمة، ومن جهة مقابلة أظهر التيار المتشدد في الإدارة والكونغرس مخاوفه من أن يكون المشهد الدولي والإقليمي ذاهباً لمواجهة تصطف فيها إيران وروسيا والصين في جبهة واحدة بوجه الغرب بقيادة أميركا، ما يطرح السؤال عن جدوى تزويد إيران بمقدرات مالية سرعان ما سيتم الزج بها في هذه المواجهة، كما تقول تجربة الحرب على سورية، عندما وظفت إيران عائدات الاتفاق النووي عام 2015 للمضي قدماً في الحسم في معركة حلب بالتعاون مع روسيا، التي جاءت الى سورية بالتوافق مع إيران، على أولوية هذه المعركة على مستقبل الاتفاق مع واشنطن.
– خلال أسابيع معارك أوكرانيا تراجع العامل النفطي الضاغط، ليس لعدم أهميته، بل لأن أهميته الشديدة أتاحت لإيران العودة الى الأسواق كما كانت قبل الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي والعودة للعقوبات، بمعدل يقارب عتبة الـ 4 ملايين برميل يومياً، ولم تعد العودة للاتفاق النووي شرطاً ضرورياً لانضمام إيران إلى أسواق النفط والغاز، وخلال هذه الأسابيع أعدت مسودة للاتفاق في فيينا، وبقي بند أساسي واحد عالق عنوانه رفع العقوبات عن الحرس الثوري، والضغط السياسي والإعلامي في الداخل الأميركي يرتفع للتشدد في هذا البند الذي بات خطاً أحمر لإيران، بحيث عادت الأصوات المشككة بإمكانية السير نحو العودة للاتفاق.
– في إيران هناك أصوات فاعلة ومقررة تقول إن زمن التريث انتهى، وإن مهلة كافية للتفاوض قد منحت، وإن إيران التي تقاتل ضمن جبهة تفكيك الهيمنة الأميركية معنية بالانخراط في هذه الجبهة بقوة، وإن إيران لم تعد تحتاج الاتفاق للعودة إلى أسواق النفط والغاز، ولذلك يجب العودة إلى رفع نسب التخصيب إلى 90%، وإن على واشنطن أن تأكل أصابعها ندماً على الفرصة الضائعة!