ناصر قنديل | رئيس تحرير صحيفة البناء
– في الظاهر ينقسم اللبنانيّون بين تيارين يتهم كل منهما الآخر بضعف صدقيته تجاه مفهوم السيادة الوطنية، ويبدو صوت مناوئي المقاومة بتلاوينهم المختلفة الأعلى في اتهام مؤيدي المقاومة بضرب مفهوم السيادة، من خلال تمسكهم بسلاح خارج مؤسسات الدولة. وبالإضافة للصوت المنخفض في الاتهام لدى فريق المقاومة تجاه خصومه، واكتفائه بالإشارة الى تموضع الخصوم تحت سقوف علنيّة دوليّة وإقليميّة تتصدر المعركة مع المقاومة، ويرتضي أن يكون امتداداً لها دون يرفّ له جفن سياديّ، يدعو مؤيدو المقاومة الى سحب الخصومة من التباري الكلامي والتعبئة التحريضية لأن الانقسام في الشارع يهدد بالخروج عن السيطرة، ولأن الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي وحلفائه شركاء في هذا النقاش عندما يصير صراخا قابلا للتوظيف في الإشارة للانقسام حول المقاومة، فيختم دعوته بحوار وطني لرسم استراتيجية دفاعية تجيب عن اسئلة السيادة وموقع المقاومة منها، فيجيب الخصوم أن الأولوية هي لسحب السلاح ويقول أغلبهم ان لا جدوى من الحوار.
– في الواقع لا يحتاج اللبنانيون الى مراقبة كل هذا الجدال، ولا الى انتظار طاولة للحوار حول الاستراتيجية الدفاعية، فقد اندلعت امام اعينهم واحدة من أهم واكبر معارك السيادة الوطنية، لتشكل الامتحان الأهم لصدقية الحديث عن مفهوم السيادة ودرجة الاستعداد لحمايتها، ومدى جدية التصورات والآراء المتقابلة في تحقيق ما يتفق الجميع أنه الهدف، إنها معركة حماية وتحرير ثروات لبنان البحرية وفي قلبها ما يجمع اللبنانيون، على اختلافاتهم، انها ثروات طائلة في لحظة انهيار لبنان مالياً واقتصادياً. وفي مواجهة هذا التحدي السيادي تظهر حقيقة المواقف. فالذين يقولون إذا وقع الاعتداء على السيادة لا حاجة لسلاح المقاومة فالجيش قادر ومؤهل ويكفي، أمامهم فوراً سؤال عملي، لماذا لا تطلبون من الجيش ردع العدوان على الثروات البحرية وقد تمّ الشروع فيه؟ والذين يقولون عندما يقع العدوان سنكون جميعاً مقاومة ولا حاجة لمقاومة حزب الله، لا حاجة لسؤالهم كيف؟ فاللحظة كفيلة بالإجابة، فهاتوا مقاومتكم التي عنها تتحدّثون؟
– يتهرّب «السياديون» خصوم المقاومة من الأجوبة ويختبئون وراء الدعوة لتوقيع مرسوم تعديل الحدود البحرية للبنان، ونقلها من الخط 23 الى الخط 29، وينظمون حملاتهم الإعلاميّة تحت هذا العنوان، وبغض النظر عن هذا الجدل القانوني ومدى صحة الكلام عن أن توقيع المرسوم يقوّي أو يضعف موقع لبنان التفاوضي، وعما إذا كان توقيع المرسوم مفيد اليوم لإسكات هؤلاء ونقلهم الى الحلقة الجدية من النقاش، فإن النقاش هو حول كيف نحمي وليس كيف نسجل مرسوماً، وقد كانت حدودنا البرية أكثر من مسجلة فهي مرسمة من الانتدابين الفرنسي والبريطاني ومعترف لها دولياً، ولا تحتاج الى إيضاحات، وهذا لم يمنع الاحتلال من البقاء فيها عقدين، حتى أجبرته المقاومة على الرحيل مهزوماً، ولم ينفعنا تسجيل الحدود وترسيمها والاعتراف الدولي بها لفرض الانسحاب. وإذا كان مفيداً في شرعنة المعركة، فالسؤال الجدي هو عن المعركة، هل نحن متفقون عليها، ام ان البعض يختبئ حول الشرعية ليهرب من المعركة؟
– الحقيقة الأولى التي يقولها التحرك الإسرائيلي نحو حقل كاريش ان كل كلام عن أن مشكلة اسرائيل معنا هي بوجود سلاح حزب الله هو تمويه للمشكلة وتجميل للاحتلال. فمشكلة الاحتلال مع سلاح المقاومة هي فرع من أصل والأصل هو أطماع الاحتلال بثروتنا. والسلاح حائل بين الاحتلال وأطماعه، فهل من بديل عن السلاح لمواجهة الأطماع بعد التسليم بحقيقتها الدامغة؟
– الحقيقة الثانية هي اأن المفاوضات ما كانت لتجري لولا خشية اميركا و»اسرائيل» من وجود المقاومة وسلاحها، والا لكررت «إسرائيل» في البحر ما فعلته في البر قبل أربعة عقود وفعلت ما تشاء تاركة للبنان تسجيل عداد لأرقام الشكاوى التي يقدّمها يومياً إلى الأمم المتحدة بينما تتنعم هي بثرواته من النفط والغاز، ولعل التلاعب والتنمر في مسار التفاوض عائد للحملة التي تستهدف السلاح ورؤية مدى قدرتها على شلّ حضوره في ملف النفط والغاز، وها نحن بعد شهور وقبلها سنوات من التفاوض، علما ان واجب وسيط التفاوض وراعيها، وهما الأميركي والأمم المتحدة، إبلاغ أي طرف في المفاوضات يقدم على خطوات أحادية مثل الاستخراج والتنقيب في حقول متنازع عليها، بأنه يعرّض المفاوضات للخطر، وقد تم إبلاغ الوسيط والراعي من لبنان بهذا الموقف، ولم يفعلا شيئاً، ولا شيء تغير، فما العمل؟
– الحقيقة الثالثة هي أن الإطار القانوني للصراع مع كيان الاحتلال لا يتعدّى كونه إطاراً لمعركة إعلامية تعبوية تثبت الحق، وهذا مفيد، بغض النظر عن مستوى خوضه وتحت أي مرسوم، لكن الأصل يبقى هو ماذا سيفعل المرسوم، فهل سينعقد مجلس الأمن ويوجه إنذاراً لـ»إسرائيل» وفق الفصل السابع، أم أن الأميركي سيفرض عليه عقوبات مشددة، يعرف الجميع أن لا شيء من هذا سيحصل، وأن كل الصراخ اللبناني حول الأمر هو صراخ داخلي لتسجيل النقاط، وأن القضية الرئيسيّة كانت وستبقى في عناصر القوة، والقوة الوحيدة التي لدينا، مهما ارتفعت موجات الكلام، هي المقاومة.