نارام سرجون | كاتب سوري
أسوأ مافي الجسم العربي هو أذناه وعيناه لأنهما وسيلة اميريكا لركوب عقله .. عقله مثل الحصان واذناه وعيناه مثل اللجام والركاب .. وكلما أرادت أميريكا ركوب هذا الحصان العربي أمسكته من لجامه ووضعت قدميها في ركابه .. وجلست على سراج مصنوع من الأسر المالكة العميلة العربية والجهل العربي والتنظيمات الغريبة ذات الطبيعة والتركيبة الماسونية التي تشبه رأس الهيدرا كلما قطعت رأسا برز لها رأس جديد مثل التنظيمات الاسلامية .. فأنت تضرب الاخوان المسلمين فتخرج من مكان القطع القاعدة .. وتقطع رأس القاعدة فتخرج من نفس المكان داعش … وتقطع داعش فيعود اليك راس الاخوان المسلمين ..
ولعلكم تذكرون الهجوم المسعور على شعار “لاصوت يعلو فوق صوت المعركة” .. شعار هاجمه الاعلام العربي كثيرا .. وسخر منه ومزقه مثقفو العرب .. بحجة انه شعار الديكتاتورية كي تحكم الشعب من غير ان تحاسب .. وانه غطاء تغطي به القمع والديكتاتورية .. وصار الجميع يستجيب لشعار ان الحرية والفلتان في الكلام هو نوع من حرية التعبير المقدسة التي لايجب ايقافها .. وكان الغرض من تكسير المقولة ليس انصاف الناس وليس انصاف الحرية واعادة الكرامة للانسان بل من أجل ابعاد الناس عن خطاب المعركة .. واحلال شعار محله اسمه (لا صوت لأي معركة) .. وأخذهم الى خطابات أخرى تعنى بهوامش القضايا الثانوية .. تعنى بالصراع الديني وبنشر الجهل والتخلف وفتح أبواب الحروب الاهلية والشقوق الطبقية والأقليات والعرقيات .. كان من الخطأ الاستجابة للعبة القذرة والانصياع لالغاء صوت المعركة من أجل ان ينشغل الناس بمعارك تافهة جانبية .. وكان من الممكن دوما ان نبقي شعار (لاصوت يعلو فوق صوت المعركة) وان نرفع الى جانبه قضايانا الداخلية بطريقة مدروسة وذكية بدل محو صوت المعركة من أجل رفع صوت صندوق الانتخاب وصوت العشائر والمذاهب واصوات الطامحين لدور سياسي انتهازي ..
هل نعيد تذكير انفسنا بأن العرب والمسلمين هم من مولوا كل حروب اميريكا في منطقتنا بأموالهم وأبنائهم ؟ منذ هزيمة حزيران وحرب اليمن التي عاقبت عبد الناصر والقومية العربية كلها .. الى معركة افغانستان التي عاقبت السوفييت على نصرتهم للعالم الثالث .. الى حرب العراق وايران – التي عاقبت ايران ودمرت العراق وايران معا – الى حرب عاصفة الصحراء وثعلب الصحراء .. الى الربيع العربي المشؤوم… كلها حروب أمريكية كانت بتمويل عربي ودعم عربي خفي وعلني واعلام عربي لايخجل … وكل الجنود في كل هذه المعارك كانوا من أبناء المنطقة .. وكل التمويل من أموال المنطقة .. وكل التبرع قام به أبناء المنطقة .. ولم تخسر اميريكا فلسا واحدا .. فالفواتير الدموية والأموال كلها عربية .. والضحايا عرب .. والمدن المدمرة عربية .. وكل هذا بسبب ان بين العرب طابورا خامسا مجوقلا عملاقا ينعق مع كل ناعق ويميل مع كل مائل ..
هل نعيد تذكير الناس كيف ان عملية تحضير الربيع العربي جرت عبر نشر ثقافة ان الانظمة الجمهورية ديكتاتورية وقاسية القلب ومهزومة وأقنعت الناس ان الاستقلال الوطني لعنة ونقمة؟ .. فصار نظام عبد الناصر .. ونظام حافظ الاسد ..ونظام صدام حسين.. ونظام القذافي .. ونظام بشار الاسد كلهم في عين العاصفة بحجة الحرية والديمقراطية وانها أنظمة ترفع صوت المعركة على صوت الكرامة والحرية .. مع ملاحظة أنها جميعا أنظمة وطنية حاولت التغيير والتثوير وابقاء صوت المعركة .. ولذلك استجاب كثير من الناس دوما لفكرة انهم يحتاجون للتغيير وللثورة في هذه الجمهوريات رغم ان من يحتاج للثورة والتغيير هي تلك الانظمة العربية العميلة والعائلات السياسة والتنظيمات الغامضة العابرة للحدود التي تفرش على ظهر الحصان العربي كي تكون جلسة الاميريكي مريحة على ظهر الحصان ..
ونتذكر انه في الربيع العربي كان الناس مفتونين بالشعارات البديلة الذي تغذوا عليها وان الشعب يريد اسقاط النظام .. لأنه يريد اسقاط صوت المعركة .. ولذلك نجحت عملية ركوب الحصان العربي وامساكه من شكيمته وركابه .. وسار الحصان الى حتفه ..
اليوم وفي قلب الزلزال يخرج الطابور الخامس ويرمي الشائعات بين الناس .. حاملات الشائعات وهي صفحات مثيرة ترمي قنابل عنقودية من الشائعات والغريب انه يتم تلقفها ونشرها .. ويتبين ان هذه الشائعات صنعت في مكاتب الاعلام والغرف السوداء ذاتها التي كانت تروج للربيع العربي ولثوار تركيا والسعودية والناتو .. وأقنعت هذه الغرف السوداء ان النظام هو من يفجر الشوارع بالناس .. وهو من قتل خلية الازمة وهو من قتل الشهيد البوطي .. واليوم هو من يقتل الناس بسرقة المساعدات .. ولم يتغير شيء اليوم .. نفس الموظفين في الغرف السوداء.. ونفس الرواتب ونفس المخصصات.. وماتغير هو “الامبلاج” فقط .. فالصفحات الجديدة تنشر مقولات عن الفساد منذ فترة .. وانساق الناس للحديث عن الفساد وسقطت مقولة المعركة مع اميريكا وسقط لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع اميريكا .. وصار الناس يتبارون بدوافع طيبة من أجل تصويب مسار الدولة المنكوبة بالفاسدين والفساد .. ولكن الحملة فعلت فعلها .. وفقد الناس ثقتهم بدولتهم بسبب بعض الفاسدين الذين صاروا بنظر الناس هم كل الدولة .. واليوم جاء وقت القطاف وصارت شماعة الفساد هي التي يجب ان تمنع الناس من التبرع للدولة السورية .. لأنها كل التبرعات ستسرق ..
اليوم في قلب الزلزال تعود جرذان الفيسبوك والسوشيال ميديا وتنشر التحذيرات من سرقة المساعدات التي يتبرع بها السوريون .. وتقول هذه الصفحات ان المساعدات تختفي وتتبخر .. وتنشر قصصا عجيبة وأرقاما وخيالات .. وتبين ان هذه الشائعات غايتها حرمان السوريين المنكوبين من مساعدة أهلهم والمغتربين والدول الصديقة وغير الصديقة .. وتحويل اتجاهها نحو منظمات غامضة غير حكومية.. وتبرير تلكؤ الدول المانحة وتبرير تأخر اميريكا في الافراج عن المساعدات لأنها ستسرق من قبل الفاسدين .. بل هناك صفحات تنشر قوائم لفنانين سوريين في الخليج ومشاهير دوليين وتكتب أرقام تبرعاتهم ثم تبكي على تبخرها .. رغم اننا لانعرف ان ايا من هذه الاسماء قد تبرع .. ولاتوجد نشرة دولية لمشاهير العالم تقول انهم تبرعوا للسوريين .. ثم اننا لانعرف كيف توصل ناشرو الشائعات الى هذا اليقين وعلم اليقين من سرقة المساعدات ..وبهذه السرعة .. وهذا يذكرنا بعبقرية حملة تشويه الدولة السورية في بداية الربيع ونقل اخبار شهور الزور على انها حقيقية دون التأكد ونشرها خلال دقائق .. وهذا ماجعل بعض الناس والعرب والطيبين حائرين.. فهم يريدون التبرع .. وهناك جهات تريد التبرع .. ولكن هذه الحملة المنظمة التي ينطلق بعضها من صفحات المعارضة التي تثير الشكوك تجعلهم مرتابين.. فتخيلوا انه فوق كارثة الزلزال هناك من ينشر شائعات خبيثة لحرمان الناس من بعضها والقاء غطاء الشك والانانية على نوايا الناس الطيبة .. وتبرير العار الغربي في عدم تقديم مساعدات للدولة السورية .. التي حسب هؤلاء فانها تسرق عبر جيش من الفاسدين ..
هذه التصرفات المشينة تقول لنا ان المعارضة لم تتغير وسيبقى حقدها على الدولة ورغبتها في الانتقام وشهوة السلطة فوق اي اعتبار انساني ووطني .. فهي لاتمانع من اضافة عبء جديد وفقر جديد وحرمان جديد وحصار جديد على الناس وتمنع المطر والماء والهواء.. وتمنع التبرع من اجل ان تفوز بالحرب .. فهي لم تبال يوما بنتائج الحرب على الناس .. ولم تبال بتحطيم المدن الامنة .. ولم تبال بقصف دمشق وحلب وقتل عشرات آلاف المدنيين .. ولم تبال بانهيار الليرة والاقتصاد.. وكانت تجد ذلك فرصة ثمينة لها بافقار الشعب كي يثور كما كان صادق جلال العظم ينظّر في هذا الاتجاه ..
ولذلك ومن هذا الفهم لما يدبر ويحاك وينشر فانني كمواطن سوري لاأعترف باي أكاذيب .. وأنا سأثق بدولتي مهما كانت لأنها دولتي وهي من وطني .. ولأنني منها وهي مني .. واذا كانت هناك ثمرة عفنة في الوطن فانها لاتعني ان كل البستان عفن وأن الموسم عفن .. وسأثق ان فيها من الاخيار أكثر بكثير من الاشرار فيها .. وأن عملية التشكيك بكل مافي وطني هي عملية مستمرة لنهب الثقة .. ونهب الخير من قلوب الناس .. وهي استمرار للحرب .. فالحرب بدأت قبل الزلزال ومستمرة في الزلزال .. وستستمر بعد الزلزال .. انها كما قلت دوما حرب بين الحضارة واللاحضارة .. بين الاخلاق واللاأخلاق .. بين الانسان واشباه الانسان .. وأنا سأدافع عن الانسان في هذه الارض .. ولذلك فانني تبرعت ولم أبخل وسأتبرع لأهلي المنكوبين في داخل سورية والمهجرين بقوة الارهاب في ادلب .. وسأعيد شعار .. لاصوت يعلو فوق صوت المعركة .. المعركة مع الشر .. والمعركة مع المؤامرة .. والمعركة مع الغرب الذي لايشبع من دمنا وأرضنا ..