كتب نارام سرجون | بايدن .. الزيارة الاخيرة للشرق الاوسط القديم .. وبوتين يهديه السلام من لبنان ودمشق وطهران
نارام سرجون | كاتب سوري
كما وجد الاميريكيون ضالتهم في الشرق الاوسط القديم لمحاربة الرفاق الشيوعيين .. فانهم عادوا الى شرقهم الاوسط يبحثون في دفاترهم القديمة وخرائطهم عن العون والنجدة لانقاذهم من العملاق الروسي الذي خرج من القمقم الذي وضعه فيه ميخائيل غورباتشوف وأغلقه بوريس يلتسين ..
زيارة بايدن للشرق هي ليست من أجل اسرائيل وصراعها مع ايران ولكن الحقيقة ان المستهدف فيها هو روسيا .. فبعد عدة اشهر من الحرب تبين للجميع ان روسيا تزدادا قوة بالعقوبات فيما ان أوروبا والعالم الغربي كله يزداد ضعفا وعجزا وحيرة .. والحرب التي ظن الجميع انها أفغانستان فلاديمير بوتين تحولت الى فييتنام أمريكية .. فأوكرانيا هي التي كانت ستقرر نهاية عصر بوتين واغلاق ملف روسيا لأن أوكرانيا هي تلك القطعة السياسية والجغرافية التي تكمل روسيا كامبراطورية تمسك بأوروبة .. ومن غيرها تقدر روسيا ان تفعل اي شيء الا ان تكون امبراطورية .. ولكن قلب الامبراطورية الامريكية ينخلع في اوكرانيا ..
قلب بايدن أوراقه القديمة ووجد ان الشرق الاوسط القديم الذي صنعه له روزفلت وأكمله له هنري كيسنجر هو الذي ساعد اميريكا في هزيمة الرفاق الشيوعيين .. ففي مخازن الشرق الاوسط كان هناك الايمان والله والاسلام .. وكتلة فوارة من التوق للجهاد .. أي جهاد .. وكلها أخرجت من المخازن لقتال الشويعيين .. أخرج الله والاسلام والايمان من المخازن .. وارسلت الدعوات للجهاد مغلفة بالفتاوى الى أفغانستان وهناك خرج الايمان كله للشرك كله كما ظن المسلمون .. ومات المسلمون في أفغانستان بعشرات الالاف كالحشرات وصارت عظامهم تباع في افغانستان سمادا .. ولكن الاتحاد السوفييتي أيضا نزف كثيرا وخرج جريحا ومات في موسكو على فراش البيريسترويكا .. واحتفلت اميريكا بنهاية عدوها اللدود .. ثم قررت ان تنتهي من المقاتل المجاهد الذي قاتل وكان قاتلا فاعتقلته وأخذته كالبعير الاجرب من أفغانستان الى غوانتانامو ..
في الحرب على روسيا اليوم تفتح اميركا مخازن الشرق الاوسط التي تملك مفاتيحها .. فهناك النفط العربي الوفير وهناك الغاز العربي الغزير .. وهناك ملوك الرمال وشيوخ اليخوت .. وهؤلاء لايزال لديهم الله في مخازن الجهاد .. ولاتزال بضاعة الاسلام تصنع عندهم حسب الطلب ..
النفط العربي والغاز هذه المرة هما المجاهدان العربيان اللذان تريد اميركا ان يخرجا الى أفغانستان بوتين أي اوكرانيا .. يريد بايدن ان يطلق جهاد النفط والغاز بأن يذهب النفط العربي بنفسه لقتل النفط الروسي في أسواق العالم وان يقوم الغاز العربي بمطاردة الغاز الروسي والحلول محله في اوروبة والعالم ..
الاميريكي متفائل لأن جنوده القدامى لايزالون في ثكنات الشرق الاوسط ينتظرون أوامره وتعليماته .. وهو يريد ان يعصر جنوده الى أخر نقطة نفط كي تغرق اسواق العالم واوروبة ويهبط سعر النفط الى أرقام متواضعة جدا .. ورغم ان العرب هم الخاسرون فانهم لن يمانعوا كما فعلوا مع شقيقهم العراق الذي نزف من أجلهم كما كان يقول .. فقتلوه دون تردد .. وكلنا نذكر كيف فعل الاميريكيون نفس الشيء عقب الحرب العراقية الايرانية لايقاف عملية اعادة بناء ايران والعراق .. واحراج الرئيس العراقي صدام حسين الذي وجد ان سعر برميل النفط هبط بشكل حاد من ستين دولارا الى مادون عشرين دولارا بسبب سياسة السعودية والكويت في اغراق سوق النفط بتعليمات امريكية .. ولم يكن هناك اي مبرر اقتصادي لهذا الاغراق .. وأرسل الرئيس صدام حسين يطلب راجيا من السعوديين الاخذ بعين الاعتبار حاجة العراق وشعبه لاعادة الاعمار بأموال النفط وان سعر البرميل المناسب لايجب ان يقل عن 30 دولارا خاصة ان السعوديين والعرب جميعا يخسرون اموالا كثيرة بسبب هذه العناد والاصرار على تحطيم سعر النفط في أوبك (حديث صدام حسين على اليوتيوب موجود ومتاح عن هذه اللعبة الحقيرة) .. فكان الرد ان المزيد من النفط تدفق الى الاسواق وصار سعر برميل النفط باقل من 8 دولارات مما تسبب في جنون الرئيس صدام حسين من هذه الخيانة والطعن في الظهر رغم ان شعبه وجيشه هما اللذان نزفا دفاعا عما سمي البوابة الشرقية للعرب .. واذا به عاجز عن تأمين مايحتاجه بسبب ان برميل النفط صار مجانيا مما فاقم ازماته الاقتصادية وفاقم نقمة الشباب على نتائج الحرب التي ظهرت لعبة عبث من أجل بوابة وهمية وعرب كلهم خيانة ونكران .. فاستل سيفه .. وكانت حرب الكويت .. وماأدراك ماحرب الكويت ..
يأمل بايدن ان يكون انقاذه من بوتين على طريقة تدمير صدام حسين بانهاك سعر النفط واعادته الى السيطرة .. بحيث يعود الدفء الى اوروبة وتدور عجلة الاقتصاد في العالم من جديد ويندلع الكساد في روسيا .. بل ان هبوط اسعار النفط ستهبط بسعر نفط روسيا حتى التفضيلي .. وستكون عملية الانتعاش الاقتصادية في روسيا وقوة الروبل تخضع لقوة نابذة معاكسة وتبدأ تأثيرات العقوبات في الظهور على الداخل الروسي بسرعة مما يضعف من موقف بوتين شعبيا .. ومن يظن ان السعودية ستتجرأ على الرفض عليه ان يتذكر كيف كان ترامب يهدد السعوديين بانه سينهي العائلة المالكة في اسبوعين .. وهذا ماسيقوله بايدن بطريقة اقل رعونة .. وبنفس الكلمات خلف الكواليس ..
وبالنسبة لأزمة الغاز في اوروبة فان حلها ايضا في الشرق .. ويبدو ان احتياطات الغاز قبالة شواطئ فلسطين ليست كافية لامداد اوروبة بما ينقصها لتعويض الغاز الروسي .. بل ان الكميات الافضل هي قبالة لبنان وسورية .. ولذلك تحاول اسرائيل التمدد شمالا على حساب الغاز اللبناني بالبلطجة والتهديد .. ولكن من سوء طالع بايدن أن صنبور الغاز اللبناني بيد حزب الله وليس بيد السعودية .. وكان خطاب السيد حسن نصرالله انذارا لبايدن وليس لاسرائيل .. والأهم ان بايدن فهم الرسالة من أن بوتين يبعث له سلاما حارا في صندوق بريد السيد حسن نصرالله .. وسيذهب بوتين للقاء السيد على الخامنئي كي لاتتمكن اميركيا من التحكم بصنابير النفط والغاز لكي تكتب تتمة الرسالة التي استهلها السيد نصرالله .. وتنهى بالتوقيع والخاتم الايراني .. وطبعا لن تمر قطرة نفط خليجي ولا غاز عبر البر لأنه حتى طرق نقلها أقفلت في سورية التي قطعت شرايين الغاز القطري وأنابيب النفط الخليجية التي كانت ستمر الى البحر المتوسط من خلالها ..
الشرق الاوسط القديم انتهى منذ انتهت لعبة الحرية والثورة والديمقراطية في سورية وخرجت روسيا من عقدة الانهيار السوفييتي .. اللعبة الان قاسية جدا .. وحظوظ أميركا هذه المرة بالنجاح ضئيلة للغاية .. لأن أعداءها أكثر دهاء وأكثر حنكة واكثر صبرا .. وأكثر اصرارا على ان هذه المهزلة التي بدأت منذ عقود وتفصيل الشرق الاوسط على مقاس اوروبة واسرائيل واميركيا لابد أن تنتهي .. ولو كانت الحرب .. ان الحرب هي طبيب يداوي رأس كل من يشكو الصداع .. وطبيب الجغرافيا والخرائط القديمة .. والعلاقات القديمة والهياكل القديمة والامنيات القديمة ..