كتب ناجي امهز | هل كان جبل لبنان للشيعة؟؟؟
ناجي امهز | كاتب وباحث لبناني
بالأمس وصلني من اكثر من جهة مقال المؤرخ سعادة الدكتور سعدون حمادة: لبنان كان للشيعة حتى العام 1760..من الذي زور تاريخ لبنان لمصلحة من؟؟
انا بالحقيقة لست باحثا بالتاريخ الاجتماعي، او الزماني، لكن لا يخفى على أي مطلع ان الذي يكتب التاريخ هو المنتصر او اقله صاحب القدرة على النشر، ونحن نتكلم عن حقبة تاريخية تعود الى بداية القرن الحادي عشر ميلادي، وانا اجزم بان اكثر من 70% من التاريخ العربي او في المشرق العربي هو غير صحيح وانما نسج من الخيال.
لذلك ما اسرده هو عن مسير العائلات الشيعية التي سكنت جبل لبنان، بعيدا عن الظروف والتفاصيل المليئة بالتناقضات، ولكن بين المسير والاستقرار والانتقال، يمكن لاي عاقل ان يفهم مجرى الاحداث دون ان يرهق نفسه بمطالعة مئات الكتب والوثائق.
وقد جمعت هذا التاريخ على مدار عقدين تقريبا وهذا ملخصه وانا احتفظ على سبيل الاطلاع.
وبما اني من بلاد جبيل ومن عائلة حمود امهز، التي تعتبر احد المكونات الشيعية الأساسية في لبنان، وخاصة ان نسب حمود امهز يعود مباشرة الى الحمدانيين وتحديدا جدنا الأول هو حمّاد بن جابر الحمداني التّغلبي الوائلي الملقب بامهز نسبة الى استوطان قرية امهز في جبل لبنان التي تعرف اليوم بقهمز بعد ان غير اسمها الأسباب ديمغرافية،
يعود اصل جد جدنا الاول: وهو أحد أبناء عم ألامير الضّحّاك بن جندل بن حمدان، من سلالة مؤسس الدَّولَةُ الحَمَدَانِيَّةُ، هي إمارة إسلاميَّة شيعيَّة أسَّسها أبو مُحمَّد الحسن بن أبي الهيجاء الشهير بِلقب «ناصر الدولة» في مدينة الموصل بِالجزيرة الفُراتيَّة عام 930 ميلادي، وامتدَّت لاحقًا باتجاه حلب وسائر الشَّام الشماليَّة وأقسامٌ من جنوب الأناضول. جدهم الأول حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن الرشيد بن المثنى بن رافع التغلبي، وقد بايعته افخاذ بني تغلب وعشيرة النّمر بن واسط بن وائل من آل ربيعة بن نزار وقد التحقت به عشائر بني “قيس بن مضر”, وجزء من قبيلة قحطان افخاذ اليمن, وبني قحطان افخاذ اليمن كانوا اشداء أقوياء صناديد ذو بأس شديد، لذلك كان غالبية بني حمدان والعشائر ينسبون انفسهم اليهم، ومن هنا يعتقد ان بعض عشائر الشام والبقاع وجبل لبنان هم من أصول يمنية.
سقطت دولة اجدادنا الحمدانية عام 1003 ميلادي، “ولا يتسع المجال لذكر أسباب الانهيار، ولكن رغم سقوط دولة الحمدانيين الا ان سلالة الحمدانيين حافظوا على مكانتهم السياسية والاجتماعية وتحالفهم مع العشائر التي بايعتهم، وخاصة ان الحمدانيين لهم ارث كبير بين رجال الدين والنخب العلمية والثقافية، فقد فتحت الدولة الحمدانية خزائنها امام العلماء وأصحاب الفنون ابان حكمهم.
وبعد مائة عام من سقوط حكم الحمدانيين، وفي عام 515 هجري الموافق 1121 ميلادي، وبعد الهزائم المتعددة التي لحقت بالملك أبو منصور ظاهر الدين طغتكين المشهور باسم طغتكين أتابك والذي كان ملكا على الشام، اعلن الملك طغتكين تولية الأمير الضحاك بن حمدان إمارة وادي التّيم والشّوف، وكانت غاية طاغتكين من تولية الأمير الضحاك وادي التيم والشوف هو مواجهة الفرنج الذين احتلوا صور.
وعندما تولى الأمير الضحاك بن حمدان امارة الشوف ووادي التيم، كانت غالبية المناطق في جبل لبنان حتى صور تقريبا يسكنها الشيعة وهذا الامر كان طبيعي للغاية لان الدولة الفاطمية هي الخِلافةُ الإسلاميَّة والوحيدةُ بين دُولِ الخِلافةِ التي اتخذت من المذهب الشيعي مذهبًا رسميًّا لها، لكن مع سقوط الدولة الفاطمية 1171 على يد صلاح الدين الايوبي، ويذكر في كتب التاريخ، وقد أجمع عدد كبير من أساتذة التاريخ والآثار على أن صلاح الدين الأيوبى مؤسس الدولة الأيوبية فى مصر، عندما دخل مكتبة دار الحكمة التى كانت تحوى عشرات الوثائق والمخطوطات الهامة، وهي مكتبها أسسها الفاطميون وجد ان غالبية الكتب تحمل شعار الدولة الحمدانية، وبما ان حرق المكتبة الفاطمية هو للقضاء على تاريخ الفاطميين، كان أيضا يجب قتل الحمدانيين كي لا يبقى شيء من هذا التاريخ، وبعد حرق المكتبة بدا صلاح الدين الايوبي بمطاردة الحمدانيين وقتلهم.
ملاحظة: وقد جاء في اجماع كتب التاريخ ومنها الإسلامية والفتاوي الصادرة ضد الدولة الفاطمية ” ان اسقاط الحكم الفاطمي وقتالهم هو واجب شرعي، أن خلفاء الدولة الفاطمية، أبدوا كماً كبيراً من التسامح مع أهل الذمة، ومنهم الأقباط واليهود،
وجاء أيضا: أن الخليفة الفاطمي العزيز بالله تزوج من سيدة قبطية، وهى “ست الملك”، وانه طرد الكثير من العمال المسلمين من أجل تولية بعض العمال المسيحيين.
وبسبب مطاردة صلاح الدين الايوبي للحمدانيين، اعتنق بعض اتباع الأمير الضحاك بن حمدان، التّوحيديّة الدّرزيّة, وبقي أبناء الأمير الضحاك على المذهب الشيعي الامامي.
وتفرق أولاد الامير الضّحّاك بن جندل بن حمدان التّغلبي الوائلي من آل ربيعة بن نزار في جبل لبنان بعد ان أخفوا نسبهم عن الدولة الايبوبية وهم:
1 – الأمير علي الصّغير حفيد الأمير محمّد بن هزّاع بن الضّحّاك بن جندل, وهو ترك قصر الامارة وتوجه نحو جبل عامل، واطلق على نفسه لقب ال الصغير نسبة انه الأصغر بين اخوته الامراء وتعرف اليوم عائلته في جبل عامل بال الصغير.
2 – وتوجه الأمير عمرو حفيد الأمير محمّد بن هزّاع بن الضّحّاك بن جندل, الى قرية المعيصرة في كسروان، حيث سكن فيها واطلق على نفسه كنية ال عمرو،
وفي القرن الرابع عشر وفي عهد المماليك تصادم المماليك مع الشيعة فاعلن النفير لمواجهة المماليك، وتوحد احفاد الأمير بن الضحاك مع أبناء عمومتهم الحمدانيين وحلفائهم من العشائر، حيث وقعت مذبحة كبرى بحق الشيعة على اثرها.
غادر قسم كبير من ال عمرو المعيصرة الى البقاع، ثم الى القلمون حيث اشتهروا بال إبراهيم وال فارس وكان لهم شان كبير أيام الحكم العثماني.
وقسم الى سير الضنية تكنوا بال رعد.
اما أبناء عم الأمير الضحاك بن حمدان،
فكان منهم شمص بن عودي بن مازن الحمداني التّغلبي والذي سكن مشان وقد اخفى كنيته عن الايوبيين بكنية شمص، وفي القرن الرابع عشر خاض أبناء شمص قتالا عنيفا مع المماليك دفاعا عن أبناء عمهم الأمير محمّد بن هزّاع بن الضّحّاك، حيث لم يبق في مشان رجل او امراة او طفل الا وقاتل المماليك، ولم يبقى في مشان الا عدد قليل، والبقية نزحوا الى البقاع حيث آل شمص اليوم ومن عشيرة ال شمص تفرعت العشائر ال دندش وناصيف وعلاء الدّين وعلاّو وناصر الدّين وعلاّم وكركبا وكلّهم أبناء شمص بن عديّ بن مازن الحمداني التّغلبي…
وأيضا قام حمّاد بن جابر الحمداني التّغلبي الوائلي والذي كان يخفي كنيته الحمدانية عن الأيوبيين بال امهز, بالدفاع عن أبناء عمهم الأمير محمّد بن هزّاع بن الضّحّاك، حيث خاض أبناء امهز قتالا عنيفا، استمر لفترة طويلة مع المماليك حتى دمرت قرية ال امهز تماما عن بكرة ابيها، وطارد المماليك ال امهز حتى البقاع ولم يبق منهم احد في جبل لبنان، الا عائلة حمود امهز التي كانت ترعى خارج القرية.
وأيضا قام ابناء حيتلن بن تغلبة الحمداني في قرية حجولا مع أبناء عشيرة المقداد, بنفس الفعل بالدفاع عن أبناء الأمير، وقد تميز أبناء حيتلن بالحنكة والدهاء، وتميز أبناء المقداد بالبأس والشجاعة، وقد لقنوا المماليك درسا قاسيا، حيث نجحوا بتاخير الهجوم على عمق جبل لبنان، لقربهم من الساحل ولم تتوقف المعركة حتى تم الاتفاق بين المماليك وأبناء حيتلن وعشيرة المقداد على وضع اتفاقية تنص على خروج ال المقداد من حجولا، وبالفعل توجه أبناء المقداد الى لاسا وقسم منهم نزح الى البقاع، اما أبناء حيتلن فاليوم يكنوا بعائلة حجولا. وأيضا قام ابناء ملحم بن مخزوم الحمداني التّغلبي الوائلي, بالدفاع عن أبناء عمومتهم، وكانوا فرسان شجعان، كرماء، وخاضوا معركة عظيمة ضد المماليك وكان الرجل منهم يعد بعشرة، يقال انه تمت ابادتهم جميعا الا رجل يُدعى عمّار بن عدي نزح من جبل لبنان إلى بلاد بعلبك وكان يبيع العطارة, وسكن بلاد بعلبك ويعرف نسله بآل العطّار نسبة إلى مهنته… ويقال ان ال ملحم في البقاع هم نفس العائلة.
وأيضا ابناء شريف بن ربيعة بن مسعود الحمداني التّغلبي الوائلي الذين سكنوا المغيري, واجهوا المماليك بقوة وشجاعة، وبالرغم من قلة عددهم الا انهم لم يسمحوا للماليك بالمرور من المغيري نحو المعيصرة حتى تمت ابادتهم، ولم ينجوا من مذبحة المغيري الا الأطفال والنساء الذين قاموا بإخراجهم بعض أبناء شريف عبر العاقورة نحو البقاع، واليوم يكنون بال شريف.
وأيضا قام أبناء صعب بن بكر الحمداني التّغلبي الوائلي, بقرية فرحة في جبل لبنان بمواجهة المماليك حيث قتل منهم الكثير ودمرت ديارهم التي كانت عامرة فهم كانوا من اغنياء الشيعة واوسعهم علما، حيث نزحوا الى البقاع وجبل عامل وكنوا بعائلة ال فرحات نسبة إلى قريتهم فرحة.
وامام هذا التاريخ لا يخفى ان الشيعة كانوا سكان جبل لبنان الأصيلين، وان حربا ضروسا شنت عليهم كي يتم اقتلاعهم من اصولهم وجذروهم، كما ان الكثير من العائلات المسيحية اليوم هي اما كانت شيعية وتحولت الى المسيحية، واما كانت شيعية فاعتنقت الدرزية ومن ثم تحولت الى المسيحية.
وما اكتبه ليس من باب المزايدة فنحن اليوم ما نحن عليه، وهكذا الايام يتم تداولها بين الناس، وما نشر هو من باب التأريخ ليس اكثر، لكن في عمق هذا المقال يوجد الدليل كيف دافع الشيعة عن المسيحيين منذ أيام الدولة الفاطمية، حتى يومنا هذا.
وهذه الاحداث التاريخية هي موثقة ومدونة تقريبا بكافة الكتب والدراسات التي تناولت تاريخ المماليك، وتاريخ لبنان.
يمكن البحث عنها في اكثر من 1600 مرجع تاريخي.